م أكن أريد أن أكتب في ظل هذه الظروف التي في الغالب يخالفك الجميع فيها .. لكن نظراً لأن النصيحة واجبة لعامة المسلمين .. آثرتُ أن أقول ما أقوله .. والحسب على الله أولاً وأخيراً في من يدبر المكائد تلو الأخر لتصيد الصغار الذين لا يكادوا يفلحوا في قراءة التاريخ ومعرفة أصول الاقتصاد العالمي الحديث .. قبل أن أدخل في صلب موضوعي .. نتذكر جميعاً تلك التحذيرات التي كانت تملأ الشاشات والصحف والمجلات وصفحات النت من الإغراق في الدخول في مراهنة كبيرة المخاطر بشراء أسهم " خشاش " في سوق الأسهم السعودية بحثاً عن الثراء السريع الوهمي ! الآن .. تتكرر اللعبة نفسها ولكن على أرض الواقع هذه المرة .. فليس السحر في اللون الأخضر إنما تحول السحر الذي يأخذ الألباب ويسحر العيون في التراب والغبرة والأراضي الفارغة ! تبدأ العجلة الاقتصادية والتي تحرك الاقتصاد المحلي " ودعوني من الاقتصاد العالمي لأن الموضوع حوله يطول " بتحريك الناس بشكل تدريجي عن طريق عدة وسائل مرئية ومسموعة ومقروءة إلى جهة محددة لضخ أموالهم التي اكتنزوها سنيناً وادخروها في حساباتهم .. حتى تصل بهم مرحلة الجشع إلى أخذ القروض من أجل الدخول في قضية الاستثمار تحت شعار موحد " استثمر الطفرة قبل ما تروح وتخليك ! " .. فتدور هذه العجلة وتبدأ بنفخ تلك الفقاعة من خلال إيجاد طبقة كبيرة من صغار المستثمرين الغير عارفين بهذه العملية الاقتصادية سوى من كلام الناس وتكرير كلام المجالس .. حتى تنتفخ هذه الفقاعة إلى أن تصل لمرحلة الانفجار في لحظة واحدة .. فتخسر الناس أجمع جميع ما اكتنزته من أموال في ذلك المجال الاقتصادي .. والسبب .. هو الناس أنفسهم ! تبدأ قضية التضخم في السعر بناء على معايير ثابتة ( ذكرتُ أكثرها في موضوع التضخم ) ويبرز السبب الرئيس للتضخم في عملية العرض والطلب .. فإن كان العرض أكثر من الطلب فإن السعر سيهبط بهدف تحريك المال وتسييره أما إن كان الطلب أكثر من العرض فإن السعر سيرتفع حتماً لوجود كمية من الطلب تفوق ما يوجد في خانة العرض .. وهذه النظرية الثابتة في كافة السلع المتداولة تكاد تكون هي النظرية الأساسية لعملية التضخم .. بدأت عجلة العقار تدور بُعيد سقوط الأسهم في فبراير 2006 .. واتجهت الكثير من المحافظ التي خسرت في سوق الأسهم إلى شراء أراضي كبيرة بأسعار بدأت منذ ذلك الوقت تدريجياً بالارتفاع .. وكانت تلك المحافظ عارفة بحركة سير الاقتصاد السعودي الذي تؤثر فيه الكلمة وتحركه العبارة وتسير في العقول وعلى الألسن كما النار في الهشيم .. فرددت عبارة مختلفة عن تلك التي كانت رائجة وقت ارتفاعات الأسهم " الغير مبررة طبعاً " وأصبحت على لسان كل أحد " العقار يمرض ولا يموت ! " تلك العبارة الجميلة والتي تشعر كل من استلم صكاً بيده بالانتشاء .. هي ثابتة حتى على الأسهم أيضاً .. فهي تمرض فينخفض سعرها لكنها لا تموت ! أرجع إلى الدورة التاريخية وقراءة التاريخ .. ففي نهايات العقد الثامن من القرن الماضي حدثت نكسة عالمية في أسعار العقار فانخفضت أسعار العقار في المملكة المتحدة إلى ما يقرب 55% .. وانخفضت في أمريكا إلى 65% واتجه الكثير من الناس إلى بيع العقارات التي كانت مصدراً للتجارة لديهم بأسعار متدنية .. خشية فقد كافة الأموال التي اقترضوها في الأساس من أجل شراء عقار لا يساوي نصف السعر الذي اشتروه به .. إلا أن حركة المجتمع وثقافته وكلامه ومحور اهتمامه أن العقار تجارة الأغنياء وأن الناس كلها ستتجه إليه ! تلك النكسة العالمية في العقار .. بدأت بوادرها بالخروج مع ظهور أزمة الرهن العقاري في أمريكا مطلع 2007 م وأقرؤها الآن في السعودية لتحدث في نهاية هذا العام 2008 أو في منتصف عام 2009 م .. والله أعلم .. المصيبة حينما تأتي نكسة العقار فإنها ستشمل الغث والسمين منها .. فربما تجد الأرض في وسط البلد والتي كانت تعرض بمئات الألوف لا يجاوز سعرها في ذلك الوقت سوى بضع عشرات من الآلاف .. والسبب أن العزوف عن العقار سيكون جماعياً وقتها .. وهي اللحظة التي تسمى بلحظة الانهيار أو لحظة انكسار السوق .. يتحدث أحد كبار العقاريين في المملكة أن الوضع الآن لديهم جيد ورائع بسبب اتجاه جملة الشعب للعقار .. وهم لا يعرفون عن كيفية سقوط العقار .. ويقول أن الكبار الآن في عملية بيع واسعة للعقار .. وينتظرون تلك النكسة ليشتروا مرة أخرى من أولئك الصغار " المساكين " الذين اشتروها بأثمان باهظة ليعودوا ويبيعوها بأثمان بخسة ! بقي أن أشير إلى نقطة " غاية في الأهمية " وربما تكون هي السبب الرئيس لانهيار العقار ونكسته المرتقبة .. وهو الارتفاع المبالغ فيه بأسعار البناء .. حيث تضاعفت أسعار الحديد والإسمنت وغيرها من المواد الأساسية للبناء وهذا بجملته سيكون سبباً رئيسياً لسقوط العقار .. تقديري واحترامي للجميع ..