عيسى الحربي- سبق- الرياض: أن تفقد إحدى فلذات كبدك وتصبر وتحتسب فقد أصبت الأجر وحمدت الله على القدر، وأن تفقد خمسة أكباد وتتفطر كبدك فلذة فلذة، وتصبر وتحتسب وتشكر الله على قضائه وقدره ف"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
القَدَر من الله.. والمصاب أصاب الجميع.. ولأن شهود الله في أرضه لعبده الشيخ "سعود الدحيم" فقد تقاطرت الجموع من كل حدب وصوب من داخل الوطن وخارجه للمشاركة في الصلاة والتشييع والعزاء.
بقلب يعتصره ألم الفقد، ودموع تواسي بعضها، يروي والد ضحايا "مخمور الياسمين" حادثة اقتحام مركبة أبنائه، الجمعة الماضية، بحي الياسمين قصة "الجرح الكبير"، قائلاً: "أبنائي عبدالملك وحصة ونهى وندى وعبير أبرياء، ذهبوا ضحية مخمور لم يجد من يسن قرار العقاب لآفة الخمر التي أذهبت العقول وقتلت الأبرياء ولن ينته هذا المسلسل ما دام النظام غائباً عنهم".
وعن قصة الحادثة قال العم المكلوم "أبو عبدالله" ابني عبدالملك كان عائداً للتو من سياتل الأمريكية بعد أن اجتاز امتحان "التوفل" في اللغة الإنجليزية، وآثر العودة إلى أرض الوطن للدراسة بقربنا، وكان "عبدالملك" مثالاً للشاب المقبل على الله، حيث يداوم على حضور الدروس والمحاضرات في مساجد الحي، وفي مطلع شهر ذي القعدة أدى مناسك العمرة، وكان يعد الأيام في انتظار موسم الحج لأداء الفريضة، حيث لم يسبق له ذلك، وبالفعل تم له ما أراد، وشاهدت إقباله الشديد على العبادة فور وصولنا إلى مكة عندما طلب مني التمتع حتى تتسنى له فرصة العمرة، وحاولت إقناعه بالإفراد نظراً لأنه حديث عهد بالعمرة، إلا أنه كان يريد الاستزادة، فوافقت له، وفي أيام الحج رأيت وجهه يشع نوراً، ولاحظت أثناء رمي الجمرات النضارة الشديدة على محياه التي لم أعهدها من قبل".
وتابع الشيخ الدحيم: "في اليوم الثاني عشر طلب منه أحد أصدقائه الرمي والطواف فجراً حتى يصلوا للرياض عصر الخميس، إلا أن عبدالملك رفض ذلك قائلاً: يا أخي ترى الحج أياماً معدودة لا نستعجل!!"، وفي الحادية عشرة مساء غادر جدة بالطائرة، وعند وصوله منزلنا في الياسمين كان أقاربه وأصدقاؤه في انتظاره في مكان آخر، وكانت شقيقاته رحمهن الله جميعاً في انتظاره، وقد أعددن له حفلة مصغرة احتفاء بوصوله، وكانت هناك مفاجأة له، عبارة عن سيارة من نوع "أودي" كان قد طلب مني شراءها، وطلب عبدالملك من أقاربه الانتظار لحين تلبية رغبة شقيقاته في إتمام "الفرح".
وتابع: "بالفعل وصل إلى المنزل وشارك والدته وشقيقاته فرحة الوصول، ثم طلب منهن الركوب معه في السيارة الجديدة، وخرجوا ومعهم ابنتي أولادي، ولم يذهبوا بعيداً، وفي أثناء عودتهم للمنزل، وفي دوار تقاطع الإمام أنس بن مالك مع الملك عبدالعزيز اقتحم مخمور بمركبته سيارة أبنائي، واختارهم الله سبحانه وتعالى، فيما تعرضت الصغيرات لإصابات، واحدة خرجت من المستشفى، والأخرى مازالت تتلقى العلاج، وهي في مرحلة خطرة، أتمنى من قراء "سبق" الدعاء لها بالشفاء العاجل".
وبقلب شاكر ولسان ذاكر أضاف الأب الدحيم: "جاءني الخبر في مكة، ولكن ليس كما هو حاصل تماماً، وتوجهنا مباشرة لمطار جدة، وفي الطريق أخبرني شقيقي صالح الهاجري بوفاة عبدالملك، وكان يواسيني، وأنا أحمد الله، وبعد لحظات يخبرني بوفاة إحدى البنات، وكان كلما جمع قواه أخبرني بوفاة الأخرى، وتصبرنا على قضاء الله وقدره، وفي الساعة العاشرة من صباح الجمعة شاهدتهم جميعاً للمرة الأخيرة في الدنيا في مغسلة جامع الملك خالد بأم الحمام، وأسأل الله أن يجمعنا بهم في الجنة".
وطالب الشيخ سعود الدحيم بسن نظام رادع للمخمورين الذين تمتلئ بهم الشوارع، ويشكلون خطراً على المجتمع، قائلاً: "المخمورون هم قنبلة موقوتة، وهذا الشخص العاقر للخمور ويقود السيارة لو دهم إشارة تقف عندها عشرات السيارات فسيكون الجرم أكبر والكارثة أفجع، والمفروض أن تشدد العقوبة على قائد السيارة المخمور الذي يعرض الآخرين للخطر، والدولة الله يوفقها قادرة على حماية أرواح المسلمين، والمجتمع يحتاج لتكاتف الجهود لوقف ظاهرة الخمور والمخدرات".
لا حول.ولا قوة الا بالله
الله يصبرهم ويجبر كسرهم
ماشاءالله صابرين ومحتسبين الله لا يحرمهم الاجر ويرزقهم جنات النعيم
الله يرحمهم
الله يرحمهم ويصبره على فراقهم ويرحم موتنا وموتا المسلمين اجمعيا
عيسى الحربي- سبق- الرياض: عندما تمتزج مشاعر الفخر والاعتزاز بالحزن العميق فحتماً هناك أوراق خضراء تساقطت من أشجار باسقة وظلت خضراء.. وستظل الأوراق وحدها لا تثمر، ولكن أوراق الشيخ سعود الدحيم يانعة، وتؤتي أكلها كل حين.
أربع أوراق تساقطت من "الطلع النضيد"، كانت في يوم ما تتمايل في نسيم الهواء ومواطن العبادة، قبل أن تهاجمها رياح ذلك "المخمور" وتقضي عليها.
ضحايا "مخمور الياسمين".. جروح لن تندمل من قلبَي والديهن، وقلوب الأحياء أجمع.
حكاية الشقيقات الأربع يرويها والدهن المكلوم لقراء "سبق" قائلاً: "بناتي الأربع اللاتي اختارهن الله يدرسن منذ المرحلة الابتدائية في مدارس تحفيظ القرآن الكريم حتى المرحلة الثانوية، ورأينا أثر هذه المدارس على أخلاقهن وسلوكهن، وهذه منّة من الله، وطوال هذه السنين كنّ متفرغات للعبادات بأنواعها، ومقبلات على الله، ولا نرى لهن صديقات، وكنا نخشى عليهن من الاكتئاب، وهن من المدرسة أو الكلية إلى البيت".
حكاية البيت
ويواصل "أبو عبدالله" حديثه: "في البيت كنا نقيم دروساً للشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- ونطرح المسابقات والجوائز، ونحدد كل يوم درساً حول الشهادتين والعقيدة، وهناك أيضاً برامج يومية حول قراءة الأذكار والصلاة. ومن المواقف الغريبة في هذا الشأن - وهو ما زال عالقاً في ذهني، ويزيدني سعادة - عندما طلبت مني (ندى) - رحمها الله - أن نخصص درس الغد عن (أنواع الردة)، وسألتها لماذا؟ قالت: لانتشار ظاهرة الاستهزاء بالدين والتطاول على الذات الإلهية والرسول صلى الله عليه وسلم. وتحقق لنا ذلك، وتدارسناه، وخرجنا بفوائد ربما نقلنها لزميلاتهن في الدراسة".
الهمة في الدين
ويضيف والد الشقيقات الأربع: لصلاة الفجر لم أوقظ بناتي أبداً، فكلما أهم بالخروج للصلاة أسمع رنين هواتفهن على وضع التنبيه للصلاة، وبالفعل يتغلبن على النوم العميق، ويؤدين الصلاة في وقتها.
ويضيف: كذلك لاحظت همتهن العالية في بعض العبادات والبحث عن رصيد الأجر، فقبل أيام من عيد الأضحى طلبن من شقيقهن "عبدالعزيز" تقديم أضاحٍ لهن في دولة غانا، لاهتمامه بهذا المجال، إضافة للأضحية في الرياض.
وتابع الدحيم: "الهمة ليست في أداء العبادات فقط؛ ففي غرفة التوأم (ندى ونهى) وجدنا كمبيوتر وطابعة وأوراقاً لخدمة زميلاتهن!".
ورقة المربعات
والمفاجأة الحزينة "السارّة" شاهدتها العائلة المكلومة، يقول عنها عبدالله الأخ الأكبر للضحايا: "صعدنا غرفة التوأم ندى ونهى، ووجدنا ورقة كبيرة قُسمت إلى مائة مربع، وكل مربع قُسم إلى أربعة، واتضح أنهن يضعن علامة صح أو خطأ في كل مربع حال القيام بالنوافل من صلاة وصيام وصدقة".
وشكر الشيخ سعود الدحيم الداعيات اللاتي حضرن لمواساة أم عبدالله، وهن (نوال العيد، رقية المحارب وأسماء الرويشد).