أبو حازم
صاحب الحكم
سلمة بن دينار ، الإمام القدوة ، الواعظ ، شيخ المدينة النبوية أبو حازم المديني ، المخزومي ، مولاهم الأعرج ، الأفزر التمار ، القاص ، الزاهد .
ولد في أيام ابن الزبير وابن عمر .
قال ابن عيينة عن أبي حازم : إني لأعظ ، وما أرى موضعا ، وما أريد إلا نفسي .
وروى ابن عيينة عنه قال : اشتدت مؤنة الدين والدنيا ، قيل : وكيف ؟ قال : أما الدين ، فلا تجد عليه أعوانا ، وأما الدنيا ، فلا تمد يدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليه .
وقال عنه أيضا : ليس للملوك صديق ، ولا للحسود راحة ، والنظر في العواقب تلقيح العقول .
قال سفيان : فذاكرت الزهري هذه الكلمات ، فقال : كان أبو حازم جاري ، وما ظننت أنه يحسن مثل هذا .
[ ص: 98 ] وروى عبيد الله بن عمر عن أبي حازم قال : لا تكون عالما حتى يكون فيك ثلاث خصال : لا تبغ على من فوقك ، ولا تحقر من دونك ، ولا تأخذ على علمك دنيا .
وروى يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : ما أحببت أن يكون معك في الآخرة ، فاتركه اليوم . وقال : انظر كل عمل كرهت الموت من أجله ، فاتركه ثم لا يضرك متى مت .
وقال : يسير الدنيا يشغل عن كثير الآخرة . وقال : انظر الذي يصلحك فاعمل به ، وإن كان فسادا للناس ، وانظر الذي يفسدك فدعه ، وإن كان صلاحا للناس .
وعنه قال : شيئان إذا عملت بهما ، أصبت خير الدنيا والآخرة ، لا أطول عليك ، قيل ما هما ؟ قال : تحمل ما تكره إذا أحبه الله ، وتترك ما تحب إذا كرهه الله .
وعنه : نعمة الله فيما زوى عني من الدنيا ، أعظم من نعمته فيما أعطاني منها ، لأني رأيته أعطاها قوما فهلكوا .
وروى محمد بن إسماعيل الصنعاني ، عن ابن عيينة ، قال أبو حازم لجلسائه ، وحلف لهم : لقد رضيت منكم أن يبقي أحدكم على دينه كما يبقي على نعله .
أبو الوليد الطيالسي عن ابن عيينة ، سمعت أبا حازم يقول : لا تعادين رجلا ، ولا تناصبنه حتى تنظر إلى سريرته بينه وبين الله ، فإن يكن له سريرة حسنة ، فإن الله لم يكن ليخذله بعداوتك . وإن كانت له سريرة رديئة ، فقد كفاك مساوئه . ولو أردت أن تعمل به أكثر من معاصي الله ، لم تقدر .
وروى يحيى بن محمد المدني ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، قلت [ ص: 99 ] لأبي حازم : إني لأجد شيئا يحزنني ، قال : وما هو يا ابن أخي ؟ قلت : حبي للدنيا . قال : اعلم أن هذا لشيء ما أعاتب نفسي على بعض شيء حببه الله إلي ; لأن الله قد حبب هذه الدنيا إلينا . لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا : ألا يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئا من شيء يكرهه الله ، ولا أن نمنع شيئا من شيء أحبه الله . فإذا نحن فعلنا ذلك لم يضرنا حبنا إياها .
ضمرة بن ربيعة ، عن ثوابة بن رافع ، قال : قال أبو حازم : وما إبليس ؟ لقد عصي فما ضر ، ولقد أطيع فما نفع .
وعنه : ما الدنيا ؟ ما مضى منها ، فحلم ، وما بقي منها ، فأماني .
وروى يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : السيئ الخلق أشقى الناس به نفسه التي بين جنبيه ، هي منه في بلاء ثم زوجته ، ثم ولده ، حتى إنه ليدخل بيته ، وإنهم لفي سرور ، فيسمعون صوته فينفرون عنه ، فرقا منه . وحتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة ، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار ، حتى إن قطه ليفر منه .
روى أبو نباتة المدني ، عن محمد بن مطرف ، قال : دخلنا على أبي حازم الأعرج ، لما حضره الموت ، فقلنا : كيف تجدك ؟ قال : أجدني بخير ، راجيا لله ، حسن الظن به . إنه - والله - ما يستوي من غدا أو راح يعمر عقد الآخرة لنفسه فيقدمها أمامه قبل أن ينزل به الموت حتى يقدم عليها ، فيقوم لها وتقوم له ، ومن غدا أو راح في عقد الدنيا يعمرها لغيره ، ويرجع إلى الآخرة لا حظ له فيها ولا نصيب .
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما رأيت أحدا الحكمة أقرب إلى فيه من أبي حازم .
يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : تجد الرجل يعمل [ ص: 100 ] بالمعاصي ، فإذا قيل له : أتحب الموت ؟ قال : لا . وكيف وعندي ما عندي ؟ فيقال له : أفلا تترك ما تعمل ؟ فيقول : ما أريد تركه ، ولا أحب أن أموت حتى أتركه .
ابن عيينة ، عن أبي حازم قال : وجدت الدنيا شيئين : فشيئا هو لي ، وشيئا لغيري . فأما ما كان لغيري ، فلو طلبته بحيلة السماوات والأرض لم أصل إليه . فيمنع رزق غيري مني ، كما يمنع رزقي من غيري .
يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : كل عمل تكره من أجله الموت فاتركه ، ثم لا يضرك متى مت .
محمد بن مطرف ، حدثنا أبو حازم قال : لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله ، إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد . ولا يعور ما بينه وبين الله إلا عور فيما بينه وبين العباد . لمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها . إنك إذا صانعته مالت الوجوه كلها إليك ، وإذا استفسدت ما بينه ، شنئتك الوجوه كلها .
وعن أبي حازم قال : اكتم حسناتك ، كما تكتم سيئاتك .
سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن عيينة قال : دخل أبو حازم على أمير المدينة ، فقال له : تكلم . قال له : انظر الناس ببابك ، إن أدنيت أهل الخير ، ذهب أهل الشر ، وإن أدنيت أهل الشر ، ذهب أهل الخير .
وقال أبو حازم : لأنا من أن أمنع من الدعاء أخوف مني أن أمنع الإجابة .
وقال : إن الرجل ليعمل السيئة ، ما عمل حسنة قط أنفع له منها ، وكذا في الحسنة .
وعن أبي حازم قال : خصلتان ، من يكفل لي بهما ؟ تركك ما تحب ، واحتمالك ما تكره .
[ ص: 101 ] وقيل : إن بعض الأمراء أرسل إلى أبي حازم ، فأتاه وعنده الزهري والإفريقي ، وغيرهما ، فقال : تكلم يا أبا حازم . فقال أبو حازم : إن خير الأمراء من أحب العلماء ، وإن شر العلماء من أحب الأمراء .
وعن أبي حازم قال : إذا رأيت ربك يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه ، فاحذره ، وإذا أحببت أخا في الله ، فأقل مخالطته في دنياه .
قال مصعب بن عبد الله الزبيري : أبو حازم أصله فارسي ، وأمه رومية ، وهو مولى بني ليث ، وكان أشقر ، أفزر ، أحول .
وقال ابن سعد : كان يقص بعد الفجر وبعد العصر في مسجد المدينة ، ومات في خلافة أبي جعفر ، بعد سنة أربعين ومائة قال : وكان ثقة كثير الحديث .
وقال يحيى بن معين : مات سنة أربع وأربعين ومائة .
سير أعلام النبلاء للذهبي