قال الله تعالى"وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ "الذي دعا بهذه الدعوة هو إبراهيم عليه السلام، الذي قد حقق التوحيد، وقد وصفه الله بأنه كان أمة، قانتا لله، حنيفا، وبأنه لم يكُ من المشركين، فمن كان على هذه الحال، هل يطمئن من أنه لن يعبد غير الله؟ ولن يعبد الأصنام؟ أم يظل على خوفه؟ حال الكُمَّل الذين حققوا التوحيد هل هم يطمئنون أم يخافون؟
هذا إبراهيم عليه السلام -كما هو في هذه الآية- خاف الشركَ، وخاف عبادَة الأصنام، فدعا الله بقوله: ?وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ(35)رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ?[إبراهيم:35-36]، فكيف بمن دون إبراهيم ممن ليس من السبعين ألفا وهم عامة هذه الأمة؟ والواقع أن عامة الأمة لا يخافون من الشرك، فمن الذي يخاف؟ هو الذي يسعى في تحقيق التوحيد.
قال إبراهيم التيمي رحمه الله -من سادات التابعين- لما تلا هذه الآية قال: ومن يأمن البلاءَ بعد إبراهيم. إذا كان إبراهيم عليه السلام هو الذي حقق التوحيد، وهو الذي وُصف بما وُصف به، وهو الذي كسر الأصنام بيده، ويخاف؟ فمن يأمن البلاء بعده؟
إذن ما ثمَّ إلا غرور وأهل الغرور, وهذا يوجب الخوف الشديد، لأنه ما أُعطي إبراهيم الضمانَ على أن لا يُشرِك، وعلى أن لا يزيغ قلبه، مع أنه سيد المحققين للتوحيد في زمانه؛ بل وبعد زمانه إلى نبينا فهو سيد ولد آدم، ومع ذلك خاف!