تطورت المنتجات الإلكترونية والاتصالات والخدمات المرتبطة بها وتغيرت أشكال هذه الخدمات وأنماطها، بتغير مذهل وسريع ومتواصل من التطور في الباقات التي تمثل حزمة من المنتجات المختلفة التي تقدمها شركات الاتصالات لعملائها. وهذه الخدمات تقدم للعميل من خلال عقود مختلفة بعضها يتضمن أجهزة جوّال على أن يقوم العميل بسداد قيمة هذه الأجهزة من خلال أقساط تمتد إلى مدة العقد التي تصل إلى عامين وتشمل شروطاً مختلفة إذا تم إلغاء العقد قبل انتهاء المدة. وهناك أنواع أخرى تمثل عقوداً شهرية تجدد كل شهر، إما من البداية أو عند الانتهاء. والمشكلة التي تظهر دائما مع مثل هذه العقود المختلفة هي توقيت إثبات الإيراد واعتباره قد تحقق فعلا، على الرغم من وجود حزم مختلفة من التعهدات والعقود داخل الباقة والواحدة.
في المعايير المحاسبية يتم إثبات الإيراد – بشكل عام - إذا كان من المتوقع أن تحصل المنشأة على المنافع الاقتصادية المرتبطة بالعملية وهذا يحدث في العمليات العادية عند نقطة البيع، لكن نظرا لتعقد عقود الباقات ومنتجاتها فإن الإثبات عند البيع فقط في شركات الاتصالات يعتبر أمرا خطيرا جدا، حيث يمكن للشركة أن تثبت الملايين من العقود على أنها مبيعات فعلية بينما العميل قد يلغي العقود وينسحب من العمليات خلال فترة بسيطة. لذلك كانت المعايير المحاسبية تضع شروطاً عدة عند إثبات الإيرادات أكثر من مجرد الحصول على المنافع عند نقطة البيع.
وحتى يتم إثبات الإيرادات وبشكل عام وفي أي شركة لا بد أن تقوم الشركة البائعة بنقل معظم المخاطر والعوائد المتعلقة بالملكية إلى المشتري. وألا تحتفظ بأي دور يعكس الملكية الرقابة على السلع المبيعة، إضافة إلى شروط أخرى. ولكن نظرا لتعدد الالتزامات وتنوعها بين العميل وشركة الاتصالات في العقد الواحد، فإن العميلة تحتاج إلى تفصيل أكبر لهذه
الشركة أن تتعامل مع ذلك على مستوى كل خدمة داخل الباقة.
فلا بد للشركة من التعرف الدقيق على كل عقد لكل عميل مع العملاء على حدة، (2) تحديد الالتزامات المطلوب أداؤها والخدمات المطلوبة في كل عقد وبشكل منفصل عن بعضها، (3) تحديد سعر العقد ككل كما هو متفق عليه مع العميل، (4) توزيع سعر العقد على كل الخدمات والالتزامات المطلوبة في العقد (5) - وهي الأهم – لا يتم إثبات الإيراد إلا إذا تم تنفيذ كل التزام لكل التزام وخدمة على حدة ضمن العقد وذلك بعد أن تنطبق عليها الشروط العامة للإثبات الإيراد.
المشكلة الأساسية في هذا التوجه لإثبات إيرادات شركات الاتصالات عن عقودها مع العملاء أنها ستمارس الاجتهاد في توزيع قيمة الباقة على مختلف التعهدات التي تضمنتها، وهنا قد تجد شركات الاتصالات ثغرة لتعظيم الأرباح، ولكن تبقى الإدارة النزيهة والمراجع الداخلي الحصيف مع المراجع الخارجي ذي الخبرة والاستقلال ضمانة السوق المالية لمثل هذا، على أن الخطر لا يزال قائما.
الاقتصادية
الاعتراف بالإيراد في ظل الأزمة العالمية (1 من 2)
د.عبدالرحمن الحميد
يعتقد كثير من الناس أن الإيراد يمثل المبالغ النقدية المدفوعة مقابل الحصول على السلع والخدمات، وهذا الانطباع صحيح 100 في المائة في شكله وبساطته، ولكن مع الأسف الشديد أن هذا النموذج لا يمثل إلا نسبة بسيطة من نماذج الأعمال، حيث يحدث أن تباع البضائع وتقدم الخدمات دون الحصول في مقابلها على نقد، ويحصل أيضاً أن يقدم النقد قبل تسليم البضائع وتقديم الخدمات، أو أن الخدمة أو تسليم البضائع يتم على مراحل يصعب تحديدها، وهنا تكمن مشكلة الإيراد برمتها، ولقد تمت معالجتها خلال العقود الماضية مهنياً ومن خلال معايير المحاسبة أن يتم الاعتراف بالإيراد عندما يتحقق شرطا الاكتساب والتبادل بمعنى أن هناك وعداً بالدفع حالاً أو مستقبلاً من العميل وكذلك وعداً من الوحدة بتوفير السلع والخدمات. وعلى الرغم من بساطة أنموذج تحديد الإيراد وقياسه والاعتراف به، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع واجه مشكلات عملية عديدة، وكانت هناك مئات الاستثناءات على هذا النموذج المبسط، فعلى سبيل المثال هناك ما يقارب 200 إجراء تعديلي للنموذج صدر من FASB (مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكي) منذ إنشائه على تحديد الإيراد وقياسه والاعتراف به، كل منها يخص قطاع أعمال معينة، كما أن هناك أيضاً استثناءات كثيرة لهذا النموذج في معايير جميع دول العالم سواء محليا أو دولياً، وترجع العلة في ذلك إلى أنه حتى الآن لم يتم تحديد (إجراءات ووقتية الاعتراف بالإيراد)، فعلى سبيل المثال:
- هل يتحقق إيراد عائد الرهن العقاري فوراً حال إعادة بيعه؟ أم يوزع على سنوات القرض؟ وهذا من أهم أسباب الأزمة المالية.
- هل الإيراد لشركة الاتصالات يتحقق ببيع البطاقة أم يتحقق عندما يستخدمها العميل؟ أو يتحقق تدريجياً عند استخدام العميل للبطاقة.
- وهل الإيراد لناد رياضي مثلاً عند إصداره بطاقة عضوية لمنتسبيه مدفوعة مقدماً وغير قابلة للإلغاء يتم حال دفع رسوم العضوية، أم يتم تأجيله لحين انتهاء مدة العضوية؟
- هل يتم الاعتراف بالإيراد الناتج من الأتعاب المقدمة من العميل المقرض حال توقيع العقد، أم يتم توزيعها على سنوات القرض؟
- وهل إيراد الضمان على السيارة المشتراة إذا كان محدداً ومعرفاً عن السعر إيراد حال بيع السيارة، أم لا بد من الانتظار لحين انتهاء فترة الضمان؟ وهل عمولة شركات السياحة يتم تحققها حال بيع تذاكر الطيران، أم يتم تأجيلها لحين استخدام تلك التذاكر؟
مئات الأمثلة التي يمكن ضربها من الواقع العملي والتي تفيد أنه لا يوجد تحديد دقيق لإجراءات الاعتراف بالإيراد بمعنى "متى" وتتضارب المعايير المصدرة، وجميعها تعتمد على طبيعة أنموذج الأعمال، وجلها تقديرية وتوافقية، ولا تعتمد على أساس نظري علمي يمكن تحققه والمدافعة عنه لا فكرياً ولا عملياً .. نعاود الأسبوع المقبل لمناقشة الحل المقترح بعد دراسة أبعاد الأزمة العالمية وانكشاف المستور، وعجز النماذج الكلاسيكية لقياس الإيراد والله أعلم.
الاعتراف بالإيراد في ظل الأزمة العالمية (2 من 2)
د.عبدالرحمن الحميد
يلوح في الأفق نوع من الاتفاق بين مجلس معايير المحاسبة الأمريكي والدولي على ضرورة تعديل أنموذج الاعتراف بالإيراد، ومرد ذلك أساساً إلى الاقتناع باستنباط حلول المشكلات العملية التي أحدثها وبرزت بشكل واضح خلال الأزمة العالمية وتكمن مشكلة أنموذج الاعتراف بالإيراد كلاسيكياً كما فصّل في المقال السابق اتباعه إجراءات محددة تمليها معايير المحاسبة عموماً، ويتم تعديل المشكلات تباعاً للحالات الاستثنائية طبقاً لنموذج الأعمال، مما أدى إلى تراكم حالات الاستثناء بحيث طغت على القاعدة الأساسية، بل أحيانا ألغتها. يعتقد كثيرون أن النموذج الجديد المقترح قد يكون هو الحل خلال العقد القادم، هذا النموذج سمي «العقد مع العميل» «Contracts with Costumers»، حيث يتم تحديد الإيراد طبقاً لنموذج «العقد مع العميل» باعتبار أن الإيراد يمثل الزيادة في أصول التعاقد أو الانخفاض في خصوم التعاقد (أو كليهما) الناتج من توفير السلع والخدمات للعميل، ويعطي هذا التعريف تحديداً دقيقاً للزيادة في الأصول أو النقص في الخصوم (أو كليهما معاً) الناتج فقط من وجود تعاقد ملزم مع عميل معين، لذا فإنه يختلف عن نموذج إجراءات الاعتراف بالإيراد سواء بالقاعدة أو الاستثناء، وكذلك عن أسلوب الزيادة في صافي الأصول الناتج عن النشاط الرئيس، وذلك بزيادة شرط أساسي للاعتراف بالإيراد، وذلك باشتراط توافر عقد من العميل عندئذ ينشأ حق للعميل بتوفير السلع والخدمات كما ينشأ أيضاً حق للوحدة المحاسبية للحصول على أصول مقابلها أو تخفيض في خصومها مستقبلاً.
عليه، تتم معاملة العقد كأصول إذا كانت الحقوق أعلى من الالتزامات كما يعتبر العقد خصوماً إذا كانت التزامات الوحدة أعلى من حقوقها. وينتج الإيراد من الفرق بين تلك الالتزامات والحقوق، قد يقول قائل إن هذا ليس بجديد فالمؤسسات المالية تعالج إيرادات المشتقات المالية طبقاً لهذا التصور؛ على كل وبكل بساطة، فإن الإيراد يتم تحديده طبقاً لهذا النموذج عندما تزيد الحقوق التعاقدية عن الالتزامات، فعلى سبيل المثال عند توقيع عقد مع عميل لتنظيف مكتبة، فإن شركة النظافة عليها التزامات تعاقدية ولها حقوق محددة، وتتساوى لحظة التعاقد، فإن دفع العميل مقدماً فالتزامات الوحدة المحاسبية تزيد على حقوقها ولا يتحقق الإيراد، ولن يتحقق الإيراد إلا إذا تمت عملية التنظيف، فإذا تم تنظيف المكتب مثلاً يوماً واحداً، فإن التزامات الوحدة المحاسبية ستقل وستكون أقل من حقوقها، وهنا يتحقق الإيراد في ذلك اليوم، وعلى الرغم من سهولة ووضوح هذا التوجه الذي كما يعتقد كثيرون أنه توجه المستقبل، إلا أنه سهل في التنظير وقد يكون صعب التطبيق في الواقع العملي ؛ وما زال الجدل مستمراً؛ أتمنى أن يشارك محترفونا في هذا الجدل أكاديمياً ومهنياً، وسيشمل لب قياس عناصر القوائم المالية للشركات في العقد القادم، وقد يغيرها تماماً والله أعلم.