قصة تركية .....
((ليلة البسفور، يا لها من ليلة .... !!!))
تمُر في حياة الإنسان أحداث ومواقف وقصص ، قد تكون محزنه أو مفرحه ، مضحكه أو مغضبه ، غريبة أو عادية ، ولكن بعضُ هذه الأحداث والمواقف يبقى في الذاكرة لتأثيره الكبير والقوي ، أما البعض الآخر فيُنسى مع مرور الوقت ، ومن هذه المواقف والقصص التي أعتقد أنها لن تُنسى بالنسبة لي ما سوف أذكُره لكم الآن .
في مساءٍ هاديءٍ وجميل من يوم الجمعة (2016/7/15م) قرّرت عائلتي (تقريباً أكثر من 15 شخص) تناول طعام العشاء في مطعمٍ شهير يطَّل على مضيق البسفور بمدينة إسطنبول ، وكان المطعم ممتلئاً تقريباً بالزبائن من مختلف الجنسيات وكانت الأوضاع طبيعية جداً ، وبمرور الوقت وبعد الساعة 11 ليلاً تقريباً إلتقطت هاتفي الذكي كالعادة لأقرأ آخر الأخبار العالمية من مواقع وسائل التواصل الإجتماعي ، وفجأة أصُعق بخبر حدوث محاولة إنقلاب في تركيا .....!!! في البداية لم أصدق وإعتقدت أنه فبركه صحفية ، وبمرور بعض الوقت بدأت أسمع أصوات الطائرات والهيلوكوبترات العسكرية تحوم في مضيق البسفور ، وبدأ الناس في المطعم يلتقطون هواتفهم الذكية ثم بدأت ملامح وجوههم تتغير وتتبدَّل ويتهامسون ويوزعون نظراتهم يمنةً ويسرةً بين مكذَّبٍ ومصدَّقٍ ومتعجبٍ .
عند الساعة 11:30 تقريباً قررتُ أن أخرج من المطعم بمفردي لأرى الأوضاع خارج المطعم على حقيقتها ، لأتفاجأ بأن هناك حركة غير طبيعية في الشوارع بالإضافة لعدم وجود لسيارات التكاسي ، وبعد 10 دقائق تقريباً تأتي المفاجأة الأخرى وهي خروج جميع من في المطعم (موظفين وزبائن) ومن ضمنهم عائلتي طبعاً ...!!! ، معنى ذلك أن محاولة الإنقلاب صحيحة ولا مجال لتكذيبها .... !!! إذن ما هو الحل الآن ....؟؟؟؟ بدأت أنا وأخي نبحث عن أي سيارات تاكسي أصفر أو تاكسي (أوبر) وذلك لإيصالنا للفندق ولكن بدون جدوى كأنها أختفت أو إبتلعتها الأرض .....!!!! (والحمد لله أننا لم نجد تاكسي) .
وخلال مراقبتي للاوضاع من حولي وجدتُ أن أغلب الناس إتخذت المشي كأفضل وسيلة للتنَّقل ، وبناءً على ذلك إقترحتُ على أخي الحل الصعب وهو أن نذهب مع عائلتنا للفندق مشياً على الأقدام ....!!! مستعيننَ بالله ثم بهواتفنا الذكية لتحديد موقع الفندق (للمعلومية من أكبر غلطات الإنقلابيين عدم إيقافهم شبكة النت والحمد لله) ، ولكن حصل بعض التردد في البداية بسبب طول المسافة (تقريباً خمسة كيلومتر) ووجود أطفال وأيضاً كبار في السن (والدانا حفظهما الله) ، ولكن قررنا أخيراً بأنه هو الحل الأمثل في هذه الظروف الحرجة ، وتوكلنا على الحي الْقَيُّوم وإستعنا به ، وبدأت مسيرة (مارثون المشي) الأولمبية .
خلال مسيرة المشي إلى الفندق (المرعبة نوعاً ما) برفقة ناس آخرين ومن جنسيات مختلفة ، لاحظت أن أغلب الشوارع الرئيسية مقفلة من أفراد الشرطة المحلية وتمنع السيارات من السير وتتلفظ عليهم بأصوات عاليه وبكلمات ٍغير مفهومه ، فحمدت الله أننا لم نأخذ سيارة تاكسي ، وللأمانة في سرد أحداث هذه القصة فإنه لم يعترض أي فرد من الشرطة على الناس التي كانت تمشي في الشوارع .
وبعد ساعة ونصف من المشي المتواصل المجهد في أحياء وشوارع أسطنبول الداخلية والرئيسية وصلنا للفندق وكان في إستقبالنا معظم موظفي الفندق بالإبتسامات وبالإعتذارات لما حصل في هذه الليلة المرعبة .......... هذه بإختصار شديد أحداث ليلة البسفور ويالها من ليلة ......!!! والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أخيراً وقبل أن أختم أحب أن أقول أن الهدف الأساسي من سرد هذه القصة ليس السرد فقط وإنما إثبات تحضَّر ورُقي الشعب التركي أخلاقياً وثقافياً ، لأنه خلال وقت محاولة الإنقلاب الفاشل لم يحصل أي نوع من الفوضى أو الإعتداءات أو العنف والذي عادةً يحصل في الإنقلابات ، وأيضاً لم يكن هناك أي إنفلات أمني ، وإضافة لذلك أنه في اليوم التالي للإنقلاب كانت معظم المحلات والمطاعم تعمل بشكل طبيعي .
اللهم أنصر الإسلام والمسلمين واحفظ تركيا وشعبها لما تحبه وترضاه وجنبهم الفتن والمصائب والطغيان السياسي ، وأرزقهم يا الله الحكَّام الصالحين والبطانه الصادقة يا رب العالمين .
وصلَّ الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا وحبيبنا وقرة عيننا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
إن أصبت فيما كتبت فمن الله وحده ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان .
كتبه الفقير لعفو ربه / عبدالكريم بن عبدالله المنصور ......... جـــدة
2016/7/22 م