كيف ستؤثر مشاكل النمو العالمي على الاقتصاد الأمريكى
تهدد مخاطر الانكماش في أوروبا وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين والأسواق الناشئة الأخرى بإعاقة الاقتصاد الأمريكي، وذلك وفقاً لما ناقشه تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال".
وهددت العواصف الخارجية الاقتصاد الأمريكي في كل عام من السنوات الأربع الماضية، وفي كل مرة صمد اقتصاد الولايات المتحدة أمام الصدمات – التي شملت أزمة دين منطقة اليورو والكارثة النووية اليابانية – ويواصل وتيرته في النمو البطيء لكن منتظم.
وحالياً تأتي الصدمات الخارجية مع بدء الاحتياطي الفيدرالي الانسحاب من سياسات التيسير النقدي التي اتبعها للمساعدة في التعافي، بالتزامن مع نمو الوظائف في أمريكا الذي أصبح قوياً على مدار الأشهر الماضية، سوق الإسكان الذي يعاني التذبذب وتوخي المستهلكين الحذر.
وقال الاقتصادي الكبير لدى "ويلز فارجو" "يوجينيو اليمان": "الولايات المتحدة تنمو حالياً من تلقاء نفسها في الأجل المتوسط والطويل"، "ولكن سنحتاج إلى بعض المساعدة من سائر العالم"، وذلك وفقاً لما ذكره تقرير الصحيفة.
وإضافة للمخاطر الخارجية التي تنبع من الصين وأوروبا، تواجه الولايات المتحدة مشكلات أخرى: التذبذب في أسواق الأسهم، تراجع أسعار السلع، وانخفاض الإنتاج والطلب في الأسواق الناشئة الكبرى مثل البرازيل، إلى جانب التوترات السياسية بين روسيا وأوكرانيا والمخاوف حول فيروس "إيبولا".
وأشار التقرير إلى أن اقتصاديين يشككون في قدرة الولايات المتحدة على تفادي كل الضرر في حال تزايد الضعف في الخارج.
ودفعت الأسواق الناشئة – وليست أمريكا – النمو العالم في أغلب العقد الماضي، أما الآن العديد من تلك الأسواق – على سبيل المثال: البرازيل، روسيا، وجنوب إفريقيا – تتراجع وتعتمد على الولايات المتحدة في النمو.
وألمح التقرير إلى أن البعض الآخر غير قلق بشأن ضغوط النمو العالمي، حيث تعد الولايات المتحدة أقل اعتماداً على الطلب على الصادرات من الخارج من بين الاقتصادات العالمية الرئيسية، ووفقاً لبيانات البنك الدولي، تشكل الصادرات حوالي 14% فقط من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
وفي الوقت نفسه، يذكر الاقتصاديون وقادة الشركات عددا من الأسباب التي توضح أن الولايات المتحدة على قدم أكثر ثباتا الآن عما كانت عليه أثناء المخاوف الأخرى الأخيرة في منطقة اليورو وأماكن أخرى.
أما عن القلق الأكثر أهمية مؤخراً فهو التذبذب في الأسواق المالية وهو ما قد يؤدي إلى المزيد من الانخفاض في الأسهم والمزيد من الصعوبة في الوصول لأسواق الاقتراض، ما تسبب في فتور في ثقة المستهلك وثقة الشركات التي تؤخر قرارات الاستثمار أو التوظيف.
إلى جانب أن ضعف الطلب الأجنبي وقوة الدولار قد تخفض النمو الأمريكي بمقدار 0.17% بحلول منتصف 2015، وذلك وفقاً لتقديرات "جولدمان ساكس".
وماذا عن أثر انخفاض أسعار النفط؟ التي انخفضت حوالي 20% منذ يونيو/حزيران، فإنها ربما تضغط على الاقتصاد الأمريكي بشكل أكثر من الماضي، لأن تقنيات الحفر الجديدة، ولا سيما التكسير الهيدروليكي، عززت بشكل كبير الاستثمار في الطاقة من نورث داكوتا إلى تكساس.
وفي الوقت الحالي، يمكن أن تؤدي انخفاض تكاليف الطاقة والاضطرابات في الأسواق المالية إلى: انخفاض الأسعار أمام المستهلكين، وهبوط معدلات الفائدة.
ماذا يعني إنهاء الفيدرالي الأمريكي لبرنامج التيسير الكمي للأسواق الناشئة؟
نشر موقع "بيزنس إنسايدر" دراسة بحثية تناولت الآثار المترتبة على قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأخير بإنهاء برنامج التيسير الكمي، حيث كثر الحديث عن أثر ذلك على عائد سندات الخزانة الأمريكية، ولم يتطرق الكثيرون إلى أثر هذا القرار على الأسواق الناشئة.
وفي مفاجأة للجميع، لم يتأثر العائد على سندات الخزانة الأمريكية بقدر التوقعات، ولكن في المقابل، ارتدت عملات الأسواق الناشئة، التي توقع الجميع معاناتها بالأسواق عقب مثل هذا القرار.
وعلى مدار الأسابيع الأخيرة، كان للأسواق ردة فعل مبدئية على التكهنات حول هذا القرار مثل ارتفاع الدولار بشكل كبير وبدأ العائد على السندات ارتفاعه هو الآخر في حين انخفضت عملات الأسواق الناشئة بالأسواق، ومنذ بداية سبتمبر/أيلول، انخفضت العملة الروسية "روبل" بنسبة 15% مقابل الدولار الأمريكي.
كما تأثرت الأسهم أيضاً، حيث انخفض مؤشر “MSCI” للأسواق الناشئة 11% منذ الخامس من سبتمبر/أيلول.
وفي الحقيقة ارتفع العائد على السندات الأمريكية على مدار الأسبوعين الأخيرين بفعل مخاوف التباطؤ إزاء الاقتصاد العالمي وهو ما أثار بدوره هبوطاً لعملات الأسواق الناشئة، ولكن العائد صحح من أوضاعه مع إشارة الفيدرالي إلى إمكانية رفع البنك المركزي الأمريكي لمعدلات الفائدة في أقرب مما تتوقع الأسواق، وتوقع بنك "كريدي سويس" أن أول رفع لمعدلات الفائدة سيحدث في يونيو/حزيران المقبل.
وعلى ما يبدو، فإن الاقتصاد الأمريكي يستعيد زخمه مجددًا حيث سجل نموًا بنسبة 4.6% في الربع السنوي الثاني، وهو الأكبر منذ الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2011، وبالتالي لن تفاجأ الأسواق برفع معدلات الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي في العام المقبل.
وهناك عوامل أخرى لعبت دوراً رئيسًا في الفترة الأخيرة كانخفاض أسعار السلع ولاسيما النفط والفحم والقمح والنحاس والأسمدة، وهو ما انعكس سلبيًا على الأسواق الناشئة التي تضررت صادراتها المعتمدة بقوة على هذه السلع كما حدث في روسيا وفنزويلا والأرجنتين، واتسع العجز التجاري في دول كإندونيسيا وجنوب إفريقيا أيضًا.
وأثر تباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا والصين على الدول الناشئة التي تمتلك علاقات تجارية قوية مع هذه الدول، فقد أثر تباطؤ الطلب في الصين على تشيلي وإندونيسيا وجنوب إفريقيا.
ولم تكن كافة الأنباء سيئة للأسواق الناشئة، فالهند على سبيل المثال، استفادت فعليًا من انخفاض أسعار النفط لأنها من كبرى الدول التي تستورد الطاقة بشكل كبير، وبالتالي يقل إنفاقها على الوقود، وربما يؤدي انخفاض التضخم بفعل انخفاض أسعار النفط إلى رفع البنك المركزي الهندي معدلات الفائدة، كما تعد المكسيك من بين الدول التي تتأثر بنمو الطلب الأمريكي.
وخلاصة ذلك أنه في الوقت الذي من السهل فيه رؤية الأسواق الناشئة ككتلة موحدة من الدول تتكبد خسائر بارتفاع الدولار الأمريكي، إلا أن الحقيقة والواقع مخالفاً إلى حد كبير، حيث إن ارتفاع العملة الأمريكية يمكن أن يتمخض عنه الكثير من الرابحين.
الرجل الذي تنبأ بالأزمة العالمية يتحدث من جديد.. منتقدًا الفيدرالي هذه المرة
تحدث المستشار الاستثماري والرئيس التنفيذي لشركة "يورو باسيفيك كابيتال" "بيتر شيف" الذي تنبأ بدقة انهيار سوق الإسكان عام 2008 ووقوع أزمة مالية عالمية عام 2010، مع موقع "ماركت ووتش" ولكن هذه المرة مهاجمًا الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي متهمًا إياه بتضخيم أسعار الأسهم والسندات بسياسة التيسير الكمي المبالغ فيها والسياسات النقدية غير التقليدية.
وقال "شيف" إن الركود الاقتصادي الذي يحاربه الفيدرالي هو الدواء، وربما تحتاجه الأسواق في أعقاب إجراءات التيسير الكمي التي عززت قيم الأسهم مؤقتًا.
كان "شيف" محقًا بشأن الأخطاء التي لا تحصى بسوق الإسكان عام 2006، ولكن توقعاته بانهيار الدولار والاقتصاد الأمريكي وانفراط عقد الاقتصاد العالمي لا زالت غير واردة التحقيق، فقد ارتفع الدولار مقابل أغلب عملات العالم، ولاسيما اليورو.
وعلى مدار سنوات، حذر معارضون من أن سياسات التيسير الكمي التي ينتهجها الفيدرالي بضخ سيولة بمليارات الدولارات في النظام المالي سوف تؤدي في النهاية إلى تضخم أسعار الأسهم، والتي ستنهار فور انتهاء العمل بالبرنامج.
ولكن ما شهدته الأسواق بعد انتهاء العمل ببرنامج التيسير الكمي من جانب الفيدرالي، هو ارتفاع الأسهم الأمريكية نحو مستويات قياسية جديدة، بينما تتجه معدلات التضخم نحو الانخفاض بشكل خطير، الأمر الذي تسبب في قلق بالغ لدى الأسواق، وسط تكهنات أخرى باقتراب موعد رفع معدلات الفائدة مما أجبر المستثمرون على التسابق لشراء الأسهم.
وتكمن وجهة نظر المقبلين على شراء الأسهم في أن الاقتصاد الأمريكي في طريقه للتعافي بقوة مقارنةً باقتصاديات آسيا وأوروبا، كما أن الثقة في السوق الأمريكي نتج عنها ارتفاع الدولار بنسبة 11% منذ مايو/أيار الماضي مقابل سلة من العملات الرئيسة.
وفي هذا الصدد، يلمح "شيف" إلى أن الذهب هو الملاذ الآمن للاستثمار بالنسبة إليه، لتوقعه انخفاض الدولار وارتفاع المعدن النفيس في المقابل حينما تدرك الأسواق أن هناك مبالغة في أسعار الأسهم، كما يرى أن السبب وراء تكهناته بانخفاض الدولار هو التدخل المبالغ فيه من جانب الفيدرالي.
ويتوقع "شيف" أن يبدأ البنك المركزي الأمريكي برنامجًا رابعًا من التيسير الكمي كإشارة مبدئية على الضعف الخطير بأسواق الأسهم أو الاقتصاد وهو ما يؤدي بدوره إلى فقدان الثقة في الفيدرالي، وبالتبعية في الدولار.
وفي الرسم البياني أدناه، يظهر أن المعدل الحالي للذهب بالنسبة لمؤشر "S&P 500" يشير إلى ثقة المستثمرين في الدولار الأمريكي وسوق الأسهم، ويمكن ملاحظة الفارق عما كان عليه المعدل خلال عام 2000 حينما وقعت الأسهم تحت براثن فقاعة واضحة.
وعلى الرغم من عدم مرور الأسواق تاريخيًا بإجراءات الفيدرالي غير التقليدية المتمثلة في التيسير الكمي المبالغ فيه، إلا أن "شيف" يرى صورة مروعة، ففي الوقت الذي ربما تكون فيها الأسواق على حق في نقطة معينة، إلا أنه من غير المرجح حدوث تضخم مبالغ فيه لأن الفيدرالي يعلم جيدًا كيف يواجهه، فهو ما يجعل البنوك المركزية حول العالم تتخذ إجراءاتها لمواجهته.
ولكن الفيدرالي سوف يرحب بارتفاع التضخم فوق المعدل المستهدف "2%" للتأكد من أن الاقتصاد في نمو مستمر ويكتسب زخمًا إيجابيًا.
ويجب التنويه إلى أن "شيف" كان محقًا بالفعل إزاء الأزمة الأخيرة، ولكنه لم يكن موفقًا فيما يتعلق بآثارها على الدولار الذي ارتفع مقابل العملات الأخرى، وحتى الآن، تبتعد توقعاته كثيرًا عن الواقع حيال هذا الأمر.