حينما يزهد الناس في صلاة الجماعة ،والملأ الأعلى يختصمون في كتابة أجرها لعظمتها
شرح حديث " فيم يختصم الملأ الأعلى"
د/ محمد بن عبد الله الخضيري
خرج الإمام أحمد والترمذي عن معاذ بن جبل t قال :( احتُبس عنا رسول الله ذات غداةٍ في صلاة الصبح حتى كدنا
نتراءى قرنَ الشمس فخرج رسول الله سريعاً فثوب بالصلاة وصلى وتجوّز في صلاته فلما سَلّم قال : كما أنتم على مصافكم ثم أقبل إلينا فقال : إن سأحدثكم ما حبسني الغداة : إني قمتُ من الليل فصلّيتُ ما قدر لي فنعستُ في صلاتي
حتى استثقلتُ فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة فقال : يا محمد فيم يختصم الملاء الأعلى ( وهم الملائكة ) قلتُ :
لا أدري رَبِّ قال يا محمد فيمَ يختصم الملأ الأعلى ؟ قلتُ : لا أدري رب قال : يا محمد فيمَ يختصمُ الملأ الأعلى قلت : لا
أدري رب فرأيته وضع كفّه بين كتفي حتى وجدت بردَ أنامله في صدري وتجلّى لي كلُ شيء وعرفتُ فقال : يا محمد فيمَ
يختصمُ الملأ الأعلى ؟ قلتُ : في الكفارات والدرجات قال : وما الكفارات ؟ قلتُ نقلُ الأقدام إلى الجُمعات وفي لفظٍ "
المشي على الأقدام إلى الجماعات " والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء على الكريهات فقال وما الدرجات ؟
قلتُ : إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة والناس نيام قال : سَلْ قلت : اللهم إني أسألك فعلَ الخيرات وترك المنكرات وحبَّ
المساكين وأن تغفر لي وتَرْحمني وإذا أردت فتنةً في قومِ فتوفني غيرَ مفتون وأسألك حُبَّكَ وحبَّ مَنْ يحبُك وحبَّ عملٍ
يقرّبني إلى حُبِّك " وقال رسول الله e : إنها حق فادرسوها وتعلموها ) . هذا الحديث العظيم يدل على أن الملائكة وهم
الملأ الأعلى يختصمون ويتنافسون فيما بينهم في الأعمال التي تقرّب بني آدم إلى الله عز وجل وتُكفّر بها عنهم الخطايا ،
ولقد أخبر عنهم بأنهم يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم في هذا الحديث : ذكرٌ للكفارات :
السبب الأول: وهي إسباغ الوضوء وتكميله وإتمامه وتبليغه وخاصةً على الكريهات والمراد بها على حالةٍ تكره النفسُ فيها
الوضوء إما عند نزول المصائب فإن النفس حينئذٍ تطلب الجزع فالاشتغال عنه بالصبر والمبادرةِ إلى الوضوء والصلاة من علامة
الإيمان كما قال الله تعالى :( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين ) .
وإما في حالة شدت البرد ولا ريب أن إسباغ الوضوء في شدة البرد مما يشق على النفس وتتألم به "وكل ما يؤلم النفسَ
ويشق عليها فإنه كفارة للذنوب وإن لم يكن للإنسان فيه صنعٌ ولا تَسبّب كالمرض ونحوه كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة".
السبب الثاني: المشي على الأقدام إلى الجماعات وإلى الجُمُعات ولا سيما إن توضأ الرجل في بيته ثم خرج إلى المسجد
لا يريد بخروجه إلا الصلاَة فيه ففي صحيح مسلم عن النبي e قال :( من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله
ليقضي فريضةً من فرائض الله كانت خطوتاه : إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجةً ).
وكلما شق المشي إلى المسجد كان أفضلَ ولهذا فُضّل المشي إلى صلاة العشاء والفجر كما جاء في النصوص الصحيحة .
السبب الثالث: فهو الجلوس في المساجد بعد الصلوات والمراد بهذا الجلوس انتظارُ صلاة أخرى كما في صحيح مسلم
أن النبي e قال : ألا أدلكم على ما يمحو اللهُ به الخطايا ويرفع به الدرجات ... قال إسباغ الوضوء على المكارة ...) ويدخل
في فضل الجلوس في المساجد بعد الصلوات من جلس لذكرٍ وسماع علم وتعليم ونحو ذلك .
وأما من جلس قبل الصلاة في المسجد لانتظار تلك الصلاة خاصة فهو في صلاة حتى يصلي كما صحَّت بذلك الأحاديث عن نبينا e .
وإنما كان ملازمة المسجد مكفراً للذنوب لأن فيه مجاهدة النفس وكفاً لها عن أهوائها فإنها تميل إلى الذهاب والمحادثة للناس .
ولقد كان العابد الصالح زيادَّ مولى أبن عباد يلازم مسجد المدينة فسمعوه يعاتب نفسه قائلاً لها : أين تريدين أن تذهبي ؟
إلى أحسنَ من هذا المسجد تريدين أن تبصري دار فلانٍ ودار فلان .
وأما الدرجات المذكورةُ في هذا الحديث : فهي ثلاث :
الأولى: إطعام الطعام وفي المسند وسنن الترمذي بإسناد حسن عن علي عن النبي e أنه قال :( إن في الجنة غرفاً يُرى
ظاهرها من باطنها وباطنُها من ظاهرها قالوا : لمن هي يا رسول الله ؟ قال لمن أطعم الطعام وأطاب الكلام وصلى بالليل والناسُ نيام ) .
وفي الصحيحين أن رجلاً قال يا رسول الله :( أي الإسلام خيرٌ ؟ قال : تطعم الطعام وتُقرئ السلام على مَنْ عرفتَ ومن لم تعرف ).
قال الحافظ بن رجب رحمه الله : ( ويتأكد إطعام الطعام للجائع وللجيران خصوصاً ) .
وفي الصحيح عن أبي موسى الأشعري عن النبي e قال :( أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني ) .
وأفضل أنواع الإطعام :( الإيثار مع الحاجة كما وَصَفَ اللهُ بذلك الأنصار رضي الله عنهم في قوله : (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) .
وقد ثبت في الصحيحين أن سبب نزولها أن رجلاً منهم أخذ ضيفاً من عند النبي e يضيفُهُ فلم يجد عنده إلا قوت صبيانه ،
فاحتال هو وامرأته حتى نوما صبيانهما وقام إلا السراج كأنه يصلحه فأطفأه ثم جلس مع الضيف يريه أنه يأكل معه ولم يأكل
فلما أصبح غداً على رسول الله e فقال له : لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما البارحة ) ونزلت الآية .
والثانية : من الدرجات : لينُ الكلام وفي رواية " إفشاء السلام " وهو منه ، وقد قال الله تعالى " وقولوا للناس حسنا ".
وقال تعالى :( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسنُ ) .. وقال e :" والكلمة الطبية صدقة "( أخرجاه في الصحيحين ) .
وفي صحيح مسلم عن النبي e أنه قال :( والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم
على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) .
والجمع بين أطعام الطعام ولين الكلام يكمل به الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
الثالثة: الصلاة بالليل والناس نيام وهو من موجبات الجنة واستمع إلى قوله تعالى :( إن المتقين في جناتٍ وعيون .. آخذين
ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين .. كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون .. وفي أموالهم
حقٌ للسائل والمحروم ) .
ومن جزاء المتهجدين في الليل :كثرةَ الأزواج من الحور العين في الجنةَ فإن المتهجّد قد ترك لذة النوم ولذة التمتع بأزواجه
طلبا لما عند الله فعوّضه الله خيراً مما تركه وهو الحور العينُ في الجنة
جزاك الله خير
كلام جميل
ونسال الله لنا ولكم الرحمه والمغفره والعتق من النيران
الحمد لله اننا مسلمين فديننا فيه الخير العظيم على عبادات يسيرة
بارك الله فيك .,.,.
الله اكبر ما اعظم السنة
ونسال الله لنا ولكم الرحمه والمغفره والعتق من النيران