ي ظل غياب الرقابة الأسرية، يمثل انعدام التثقيف والتوعية من الجهات المختصة والمسؤولة، وضعف الوازع الديني، وانتشار الأجهزة الإلكترونية، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مثير دون رقابة وحماية، بخلاف العوز والحاجة، أسباباً كفيلة بانتشار ظاهرة هروب واختفاء الفتيات عن منازل ذويهن، وهي الظاهرة التي سجلتها أقسام شرطة العاصمة المقدسة خلال العامين الماضيين بمعدل كبير جداً بلغ ما بين 30 إلى 40 حالة هروب للفتيات لمدد تتراوح بين الشهر والشهرين.
وسجلت أقسام الشرطة التابعة لشرطة العاصمة المقدسة، ممثلة في "شرطة الشرائع، وشرطة المعابدة، وشرطة جرول، وشرطة التنعيم، وشرطة الكعكية، وشرطة المنصور" هذه الحالات، كما سجلت شرطة "الشرائع، والمعابدة، وجرول، والتنعيم" تسع حالات هروب للفتيات في الأسبوعين الماضيين تعددت أسبابها ما بين البعد العاطفي من الأهل، و"الطفش" -حسب تعبيرهن-، ومحاولة التحرر بالذات والاستقلال في السكن.
وهناك أسباب أخرى مثل: طلب الأكل والشرب والملبس، والمثير في هذه الحالات هو ما قامت به إحدى الفتيات الهاربات من منزل ذويها بحي شرق مكة، عندما صرفت 460 ألف ريال في أسبوع، من خلال شراء أحذية وجزم نسائية وحقائب تفوق 19 ألف ريال، غير المشتروات الأخرى، واستئجار الشاليهات على كورنيش جدة، وقالت: إن سبب هروبها هو البعد العاطفي داخل المنزل، وأنها "طفشانة".
وكانت جميع أقسام الشرطة قد تلقت بلاغات التغيب، وتم إحالتها لإدارة البحث والتحري الجنائي بشرطة العاصمة المقدسة، والتي بدورها قامت بواجبها بالقبض على الفتيات وإحضارهن، وهناك من تم تسليمها لذويها، والأخريات جرى تسليمهن لمؤسسة رعاية الفتيات بحي العمرة، في ظاهرة يجب الوقوف عليها، وإيجاد الحلول المناسبة لعدم زيادة أنتشارها.
وفي هذا الجانب قال الأخصائي الاجتماعي رمزي بن صديق القرشي: "بالنسبة لموضوع هروب الفتيات، وهي مشكلة لعل من أهم أسبابها التالي: ضعف الوازع الديني؛ مما يسوّل للفتيات التهاون في بعض الأمور التي تقودها إلى ما هو أسوأ، والتفكك الأسري الذي يذهب ضحيته الأبناء والفتيات، وغياب القدوة الحسنة والتوجيه والنصح والإرشاد والرقابة، والعنف الأسري وما يسببه من خوف وقلق سواء من الوالدين أو من الزوج، وعضل الفتيات عن الزواج، وحرمانهن من حق من حقوقهن الشرعية، وقيام بعض العوائل بتزويج الفتيات ممن يكبرهن سناً، وسوء استخدام التكنولوجيا الحديثة وغياب الرقابة والتوجيه، وبعض العادات والتقاليد الاجتماعية التي لا تمت للإسلام بصلة، عبر تهميش الفتيات داخل الأسرة، وأصحاب السوء والتغرير بالفتيات واستدراجهن للرذيلة".
وأفاد: "أما عن طرق العلاج فيجب أن تكون الأسرة هي المكان الآمن للفتيات من خلال إظهار المحبة والاحترام المتبادل بين أفرد الأسرة، والمشاركة في جميع الأمور، والتوعية المجتمعية بأسباب هروب الفتيات وطرق علاجها، وضرورة وجود جهة إرشادية: إما بالاتصال أو بالحضور للمقر تساعد الفتيات قبل هروبهن في كيفية مواجهة المشكلة والوقوف على ما انتهت إليه مشكلة الفتاة وتقديم الرعاية اللاحقة لهن، وإيجاد حلول من الجهات ذات العلاقة في قضية العضل، والتنويه عنها إعلامياً؛ لعدم حرمان الفتيات من حقوقهن الشرعية".
وأوضح أخصائي علم النفس، حسن العتبي: "أن الأسباب هي: عدم النظج الاجتماعى خاصة أن معظم الحالات من صغار السن أو ما قبل سن 25 سنة، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات السليمة أثتاء التعرض للضغوط الاجتماعية المستمرة لفترات طويلة أو المواقف المباشرة، والانفتاح على وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي وسهولة الوصول لكل شي من خلالها ومعلوم ما بها من فساد وانحرافات سلوكية وأخلاقية، وعدم إشباع الأبناء بعاطفة أسرية كافية تكون حصناً لهم من البحث عنها خارج الأسرة، ناهيك عن الأسر المتفككة اجتماعياً وبعض البيئات ذات المستوى الاحتماعي المتدنى مالياً وتعليمياً وثقافياً".
وأضاف من الأسباب: "عدم وجود الأمن النفسي الذاتي والأمن النفسي الأسري وبالتالي البحث عنه خارج الأسرة من خلال الزملاء والزميلات في الصداقات والعلاقات العاطفية، والانفتاح الكبير الذي وصل إليه المجتمع على العالم الخارجي لم يسايره توجيه وضبط من قبل المؤسسات الاجتماعية والأسرية بدءاً من الإعلام مروراً بالمدرسة والأسرة مع قليل من التوجيه من خلال المساجد ومراكز التوعيه، وعدم وجود توعية نوعية بمفهوم البديل الآخر (الشارع) وما يحتويه من أخطار".
وتابع: "أخطر هذه الأشياء والتي لا يلتفت إليها الآخرون بشكل دقيق، وخاصة في جانبها الإعلامي، وربما تكون هي الأخطر على الإطلاق: الإيحاءات والإشارات والرسائل الإعلامية غير المقصودة، والتي تستعرض مثل هذه القضايا، وتصل إلى متلقيها، وكثرة سماعها وتنوعها تعطى استعداداً في العقل الواعي لوجود حلول لأي مشكلة يواجهها الفرد بارتكاب ما قد خزن من معلومات وخبرات الآخرين، وبالتالي تسلطها فكرياً عليه، وتنفيذها مباشرة عند أي ضغط قد يتعرض له الحدث اأو المراهق".
وعدد الأخصائي العتبي الحلول التالية: "إشباع الجانب الأسري لدى الأبناء من حب وحنان ورفق وإرشاد، وأن نكون أقرب الناس إليهم، ومصادقتهم؛ لأن الظرف لم يعد كما هو بالسابق، فالعالم أصبح بين يد الأبناء يختارون منه مايشاؤون، ويجب أن تسير المؤسسات الاجتماعية وتساير عصرها بكل ما فيه من قوة وحضور جنباً إلى جنب مع هذا الانفتاح لتضييق الهوة الاجتماعية، وتثقيف المحتمع وأبنائه بكل ما يجري بالعالم الخارجي لحمايتهم من مخاطر الانزلاق والضياع، ويحب أن تسن قوانين صارمة وأنظمه قمع مباشر من خلال التعامل مع مثل هذه القضيايا بخصوصية ومهنية محترفة؛ لأن معرفة الأفراد بوجود نظام رادع، يعتبر تغذية رجعية وتحجيماً لمن تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه التصرفات، ومن يساعده ويؤويه، ومن تسبب في ذلك حتى من جانب الأسرة؛ لأن من أمن العقوبه يسيء الأدب".