شروط عمر رضي الله عنه على النصارى

قبل 9 سنوات

من كتاب : ( شروط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على النصارى ) لابن السماك , ص28
حدثنا عبيد بن محمد بن خلف البزار, حدثنا الحسن بن الصباح البزار, حدثنا محمد بن كثير المصيصي الصنعاني, عن مخلد بن الحسين, عن واصل قال:
((أُسِر غلامٌ من بني بطارقة الروم -وكان غلاماً جميلاً- فلما صاروا إلى دار السلام وقع إلى الخليفة, وذلك في ولاية بني أمية؛ فسماه بشيراً, وأمر به إلى الكتاب؛ فكتب وقرأ القرآن وروى الشعر وقاس وطلب الأحاديث وحج. فلما بلغ واجتمع أتاه الشيطان فوسوس إليه وذكره النصرانية دين آبائه؛ فهرب مرتداً من دار الإسلام إلى أرض الروم؛ للذي سبق له في أم الكتاب. فأتي به ملك الطاغية فسأله عن حاله, وما كان فيه, وما الذي دعاه إلى الدخول في النصرانية؟ فأخبره برغبته فيه. فعظم في عين الملك؛ فرأسه وصيره بطريقاً من بطارقته وأقطعه قرىً كثيرةً؛ فهي اليوم تعرف به, يقال لها: قرى بشير.
وكان من قضاء الله وقدره أنه أُسر ثلاثين رجلاً من المسلمين؛ فلما دخلوا على بشير, سائلهم رجلاً رجلاً عن دينهم, وكان فيهم شيخٌ من أهل دمشق يقال له: واصل؛ فساءله بشيرٌ؛ فأبى الشيخ أن يرد عليه شيئاً؛ فقال بشيرٌ: ما لك لا تجيبني؟
قال الشيخ: لست أجيبك اليوم بشيء!
قال بشيرٌ للشيخ: إني سائلك غداً فأعد جواباً, وأمره بالانصراف.
فلما كان من الغد بعث بشيرٌ؛ فأدخل الشيخ إليه
فقال بشيرٌ: الحمد لله الذي كان قبل أن يكون شيءٌ, وخلق سبع سماوات طباقاً بلا عون كان معه من خلقه؛ فعجباً لكم معاشر العرب حين تقولون: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}!.
فسكت الشيخ
فقال له بشيرٌ: ما لك لا تجيبني؟
فقال: كيف أجيبك وأنا أسيرٌ في يدك؛ فإن أجبتك بما تهوى أسخطت علي ربي, وهلكت في ديني, وإن أجبتك بما لا تهوى خفت على نفسي؟
فأعطني عهد الله وميثاقه وما أخذ النبيون على الأمم أنك لا تغدر بي ولا تمحل بي , ولا تبغي بي باغية سوء, وأنك إذا سمعتَ الحق تنقادُ له.
فقال بشيرٌ: فلك علي عهد الله وميثاقه وما أخذ الله عز وجل على النبيين وما أخذ النبيون على الأمم: أني لا أغدر بك ولا أمحل بك , ولا أبغي بك باغية سوء , وأني إذا سمعت الحق انقدتُ إليه.
قال الشيخ: أما ما وصفت من صفة الله عز وجل؛ فقد أحسنت الصفة. وأما ما لم يبلغ علمك ولم يستحكم عليه رأيك أكثر, والله أعظم وأكبر مما وصفت؛ فلا يصف الواصفون صفته. وأما ما ذكرت من هذين الرجلين؛ فقد أسأت الصفة! , ألم يكونا يأكلان الطعام ويشربان ويبولان ويتغوطان وينامان ويستيقظان ويفرحان ويحزنان؟
قال بشير: بلى.
قال: فلم فرَّقتم بينهما؟
قال بشير: لأن عيسى ابن مريم -عليه السلام- كان له روحان اثنتان في جسد واحد: روحٌ يعلم بها الغيوب وما في قعر البحار وما ينحاث من ورق الأشجار. وروحٌ يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي بها الموتى.
قال الشيخ: روحان اثنتان في جسد واحد؟!!
قال بشير: نعم.
قال الشيخ: فهل كانت ( الروح ) القوية تعرف موضع الضعيفة بينهما أم لا؟
قال بشير: قاتلك الله! ماذا تريد أن تقولَ إن قلتُ إنها لا تعلم؟ وماذا تريد إن قلتُ إنها تعلم؟
قال الشيخ: إن قلتَ إنها تعلم، قلتُ: فما يغني عنها قوَّتُها حين لا تطرد هذه الآفات عنها!؟ وإن قلتَ إنها لا تعلم، قلتُ: فكيف تعلم الغيوب ولا تعلم موضع روحٍ معها في جسد واحد؟!
فسكت بشيرٌ!
قال الشيخ: أسألك بالله! هل عبدتم الصليب مثلاً لعيسى بن مريم أنه صُلب؟
قال بشير: نعم.
قال الشيخ: فبِرضًى كان منه أم بسخط؟ ( هل صُلب عيسى برضى منه أم رغما عنه )
قال بشير: هذه أُختُ تِلك! ماذا تريد أن تقول؟ إن قلتُ: بِرضىً منه، قلتَ: ما نَقَمْتُم؟ ( أي : إن كان عيسى صُلِب برضى منه , فلم تغضبون وتبكون على صلبه ) أعطوا ما سألوا وأرادوا؟ وإن قلتُ: بِسَخَطٍ، قلتَ: فلم تعبدون ما لا يمنع نفسه؟ ( أي : إن كان عيسى صُلب مُكْرَهًا , فيكف تعبدون من لا يستطيع الدفاع عن نفسه )
ثم قال الشيخ لبشير: نشدتك بالله! هل كان عيسى يأكل الطعام ويشرب ويصوم ويصلي ويبول ويتغوط وينام ويستيقظ ويفرح ويحزن؟
قال: نعم.
قال الشيخ: نشدتك بالله! لِمَن كان عيسى يصوم ويصلي؟
قال بشيرٌ: لله عز وجل. ثم قال بشيرٌ: والضار النافع ( حَلَفَ بالله ) ما ينبغي لمثلك أن يعيش في النصرانية ! أراك رجلاً قد تعلمتَ الكلام، وأنا رجلٌ صاحب سيف ( عسكري , ليس متخصصا بالمناظرة بين الأديان ) ولكن غداً آتيك بمن يُخزيك الله على يديه! , ثم أمره بالانصراف.
فلما كان من غد، بعث بشيرٌ إلى الشيخ
فلما دخل عليه الشيخ إذا عند بشير قسٌّ عظيم اللحية.
فقال بشيرٌ للقس : إن هذا رجلٌ من العرب له علمٌ وعقلٌ وأصلٌ في العرب، وقد أحب الدخولَ في ديننا؛ فكلِّمْه حتى تُنصِّرَه
فسجد القس لبشير , وقال: قديماً أتيتَ إلى الخير , وهذا أفضلُ ما أتيتَ إلي.
ثم أقبل القسُّ على الشيخ فقال: أيها الشيخ! ما أنت بالكبير الذي قد ذهب عقله وتفرق عنه حلمه , ولا أنت بالصغير الذي لم يستكمل عقله ولم يبلغ حلمه، غداً أغطِّسك في المعمودية غطسةً تخرج منها كيوم ولدتك أمك!
قال الشيخ: وما هذه المعمودية؟
قال القس: ماءٌ مقدسٌ.
قال الشيخ: من قدسه؟
قال القس: قدسته أنا والأساقفة قبلي.
قال الشيخ: فهل كان لكم ذنوبٌ وخطايا؟
قال القس: نعم؛ غير أنها كثيرة.
قال الشيخ: فهل يقدِّس الماءُ من لا يقدِّسُ نفسَه؟ ( هل يطهر الماء رجلا من الذنوب , إذا هو لم يطهر نفسه بالتوبة ؟ )
فسكت القس؛ ثم قال: إني لم أقدسه أنا!
قال الشيخ: فكيف كانت القصة إذن؟
قال القس: إنما كانت سُنَّةً من عيسى بن مريم.
قال الشيخ: فكيف كان الأمر؟
قال القس: إن يحيى بن زكريا أغطس عيسى بن مريم -عليهم السلام- بالأردن ( نهر الأردن ) غَطسةً ومسح برأسه ودعا له بالبركة.
قال الشيخ: فاحتاج عيسى إلى يحيى يمسح رأسه ويدعو له بالبركة ؟! , فاعبدوا يحيى, فيحيى خيرٌ لكم من عيسى إذن !!
فسكت القس
فاستلقى بشيرٌ على فراشه , وأدخل كمه في فيه , وجعل يضحك , ثم قال بشير للقس: قم أخزاك الله, دَعوتُك لتنصِّره , فإذا أنت قد أسلمتَ !
قال: ثم إن أمر الشيخ بلغ الملك؛ فبعث إليه؛ فقال: ما هذا الذي قد بلغني عنك وعن تنقُّصك ديننا ووقيعتك؟
قال الشيخ: إن لي ديناً كنت سُئلت عنه, فلما نصصت عنه سئلت عنه ؛ فلما لم أجد بدًّا للذب عنه ذببتُ عنه.
قال الملك: فهل في يدك حُججٌ ؟
قال الشيخ: نعم ! ادعُ إلي من شئتَ يُحاججني؛ فإن كان الحق في يدي؛ فَلِمَ تَلومني عن الذب عن الحق؟ وإن كان الحق في يديك, رجعتُ إلى الحق.
فدعا الملكُ بعظيم النصرانية ( كبير النصارى ) فلما دخل عليه , سجد له الملك ومن عنده أجمعون.
قال الشيخ: أيها الملك من هذا ؟
قال الملك: هذا رأس النصرانية، هذا الذي تأخذُ النصرانيةُ دينَها عنه.
قال الشيخ: فهل له من ولد أم هل له من امرأة أم هل له من عقب؟
قال الملك: ما لك خزاك الله ؟! هذا أزكى وأطهر أن يدنَّس بالحيض ! هذا أزكى وأطهر من ذلك. ( يعني الملك : أن القساوسة الكبار لا يتزوجون )
قال الشيخ: فأنتم تكرهون لآدمي يكون منه ما يكون من بني آدم من الغائط والبول والنوم والسهر وبأحدكم من ذِكر النساء، وتزعمون أن رب العالمين سَكَن في ظُلمة الأحشاء وضيق الرحم ودنس بالحيض ؟ ( يزعمون أن الله دخل في رحم مريم وخرج في شكل عيسى )
قال القس الكبير : هذا شيطانٌ من شياطين العرب , رمى به البحرُ إليكم ؛ فأخرِجوه من حيث جاء.
فأقبل الشيخ على القس، فقال: عبدتم عيسى ابن مريم لأنه لا أب له ؟ ؛ فهذا آدم لا أب له ولا أم ، خلقه الله عز وجل بيده , وأسجد له ملائكته ؛ فضُمُّوا آدمَ مع عيسى حتى يكون لكم إلهان اثنان !؟
فإن كنتم إنما عبدتموه لأنه أحيا الموتى ؛ فهذا حزقيل تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل، لا ننكره نحن ولا أنتم، مر بميت فدعا الله عز وجل له فأحياه حتى كلمه؛ فضموا حزقيل مع عيسى حتى يكون لكم حزقيل ثالث ثلاثة!؟
وإن كنتم إنما عبدتموه لأنه أراكم العجب ، فهذا يوشع بن نون , قاتل قومه حتى غربت الشمس ؛ فقال لها: ارجعي بإذن الله؛ فرجعت اثني عشر برجاً؛ فضُمُّوا يوشع بن نون مع عيسى يكون لكم رابع أربعة ؟!
وإن كنتم إنما عبدتموه لأنه عُرج به إلى السماء، فَمِن ملائكة الله عز وجل مع كُل نَفْسٍ اثنان بالليل , واثنان بالنهار , يعرجون إلى السماء، ما لو ذهبنا نعدُّهم لالْتَبَسَ على عقولنا واختلط علينا ديننا , وما ازددنا في ديننا إلا تحيُّراً !؟
ثم قال الشيخ : أيها القس , أخبرني عن رجل حَلَّ به مَوتٌ، أيكونُ ( النزاع ) أهونُ عليه أم القتل ؟
قال القس: القتل.
قال الشيخ : فَلِمَ لَمْ يَقْتُلْ عيسى أمَّه، عذَّبَها بِنَزْعِ النفس ؟ , إن قلتَ إنَّه قَتَلها ؛ فما بَرَّ أُمَّهُ مَن قَتَلها !؟ وإن قلتَ إنه لم يَقْتُلْها ؛ فما بَرَّ أُمَّه مَن عذَّبها بِنَزْع النفس ؟!
قال القس الكبير : اذهبوا به إلى الكنيسة العظمى، فإنه لا يدخلها أحدٌ إلا تنصَّر !
قال الملك: اذهبوا به.
قال الشيخ: لماذا يُذهب بي ولا حجة علي دُحضت؟
قال الملك: لن يضرك، إنما هو بيتٌ من بيوت ربك عز وجل، تذكر الله عز وجل فيه.
قال الشيخ: إن كان هكذا فلا بأس.
قال: فذهبوا به؛ فلما دخل الكنيسة, وضع أصبعيه في أذنيه ورفع صوته بالأذان؛ فجزعوا لذلك جزعاً شديداً , وضربوه ولبَّبوه ( أخذوه من عنقه ) وجاؤوا به إلى الملك؛ فقالوا: أيها الملك! أَحَلَّ بنفسه القتل!
فقال له الملك: لِمَ أحللت بنفسك القتل؟
فقال: أيها الملك, أين ذُهب بي ؟ .
قال ذهبوا بك إلى بيت من بيوت الله عز وجل لتذكر فيه ربك عز وجل!
قال: فقد دخلتُ وذكرتُ ربي بلساني وعظمته بقلبي, فإن كان كلما ذُكر الله في كنائسكم يصغر دينكم؛ فزادكم الله صَغاراً!
قال الملك: صدق, ولا سبيل لكم عليه.
قالوا : أيها الملك ! لا نرضى حتى تَقتله.
قال الشيخ: إنكم متى قتلتموني, فبلغ ذلك مَلِكَنا , وَضعَ يده في قَتل القسيسين ( من أهل الذمة ) والأساقفة وخرَّب الكنائس , وكَسَر الصلبان ومنع النواقيس.
قال: فإنه يفعل ؟
قال: نعم! فلا تشكُّوا !
ففكروا في ذلك ؛ فتركوه .
قال الشيخ: أيها الملك ! ماذا عاب أهلُ الكتاب على أهل الأوثان ؟
قال الملك : بما عَبَدوا مَا عَمِلوا بأيديهم.
قال: فهل أنتم تعبدون في كنائسكم إلا ما عملتم بأيديكم ؟ ( أي أنكم تعبدون الأصنام التي على شكل عيسى وأمه الموجودة في الكنائس ) فإن كان في الإنجيل ( مكتوبا أن اعبدوا صنم عيسى وأمه ) فلا كلام لنا فيه, وإن لم يكن في الإنجيل , فلم تُشَبِّه دينَك بدينِ أهل الأوثان ؟
فقال الملك : صدق؛ هل تجدون في الإنجيل ؟
قال القس الكبير : لا.
فقال الملك للقس الكبير : فلم تشبِّه ديني بدين أهل الأوثان ؟ , فأمر الملك بنقض الكنائس ؛ فجعلوا ينقضونها ويبكون.
قال القس: إن هذا لشيطانٌ من شياطين العرب , رمى به البحر إليكم ؛ فأخرجوه من حيث جاء ؛ فلا يَقطر مِن دَمه قطرةٌ في بلادكم؛ فيُفسد عليكم دينَكم ؛ فوكلوا به رجالاً ؛ فأخرجوه إلى بلاد دمشق

شروط عمر رضي الله عنه على النصارى
عندك أي منتج؟
عفواً.. لايوجد ردود.
أضف رداً جديداً..