من المؤسف أن البعض لايعرفوا الإصول التأريخية لزواج المتعة الذي يسمى(سيغية أو صيغة) بالفارسية. فهو لايرجع إلى العصرالإسلامي كما يظن البعض وإنما سبقه تأريخيا. وهناك من يرجعه إلى العهد الصفوي وهذا غير صحيح أيضا، بالرغم من زيادة نشاطه لتشجيع الشاهنشاهية الصفوية على ممارسته. على سبيل المثال نجد أن ناصر الدين شاه القاجار كان له ما يقارب(100) زوجة مؤقته. وكان منافسه رجل الدين(آقا نجفي) يتباهى بأن زوجاته اكثر من القاجارنفسه! إنه من مخلفات الديانة الزرادشتية وما قبلها. ويذكر لنا الكاتب (دي لوري) بأن " هذه الممارسة هي تقليد فارسي قديم وفقا للإسطورة المتداولة بين الفرس بأن رستم ملك الفرس عقد أول زواج مؤقت مع (تلمينية) إبنة الملك سامانغام وقد أنجبا طفلا سمياه زوهراب وهو الملك المعروف". ودعم المؤرخ (س ج بنيامين) هذا الرأي بكتابه الموسوم(بلاد فارس والفرس) حيث ذكر" كان للمسلمين الشيعة الحق في عقد زواج مؤقت مع المجوسيات مما يدل بشكل مؤكد بأن أصل هذا الزواج الديانة الزرادشتية وهو سابق للإسلام". ويتفق أيضا مع هذا الرأي الكاتب (كورزون) حيث يؤكد في كتابه(فارس.. البلاد والقضية) بأن" اصل زواج المتعة هو الدين الزرادشتي، وهو سابق للإسلام". ويضيف المؤرخ سورشيان في كتابه(تقاليد وقوانين الزواج في إيران القديمة) بأنه وفقا للديانة الزرادشتية" يحق للزوج ان يقدم زوجته أو إبنته الى أي رجل من قومه يطلبها كزوجة مؤقته لفترة محددة". ويؤكد المؤرخ بيرخانيان هذا المنحى أيضا في كتابه ( إيران المجتمع والقانون) بقوله" أن المرأة الفارسية حسب الديانة الزرادشتية يمكن أن تبقى زوجة دائمة لزوجها الأصلي وفي الوقت نفسه تصبح زوجة مؤقتة لرجل آخر والطفل الذي يولد من الزوج المؤقت ينسب الى الزوج الدائم".
ويشير الكاتب( Yanna Richard) في كتابه(L” ISLAM CHI”ITE) بأن زواج المتعة خرافة "أشبه بقصص ألف ليلة وليلة حيكت لإشباع رغبة الرجال الجنسية، وإنه ينحدر من أصل فارسي سابق للإسلام، ويبدو أنه لا يمارس حاليا إلا في إيران لاسيما في المزارات الدينية كأفضل محل لإصطياد الزبائن, حيث النساء يلبسن الشادور الأسود لتمييزهن والغرض منه حصولهن على المال". في حين يرجع الكاتب( Chardin) في كتابه( رحلات الفارس شاردان إلى بلاد فارس والشرق) الأمر إلى الظروف المناخية في إيران بقوله" إن سبب زواج المتعة عند الفرس هو الفسق في هذه البلاد الحارة، التي يغلي فيها الدم اكثر من غيرها". و يشير الشيخ أبو زهرة في كتابه(الديانات القديمة) بأن بعض الروايات ذكرت بأن "مزدك طلب من قباذ أن يبعث بامرأته لكي يتمتع بها المزدكيون". هذه الحقائق وغيرها جعلت الحائري تعترف على مضض بأنه فعلا" يوجد شكل من أشكال الزواج المؤقت في ايران ما قبل الاسلام". لكنه كما يبدو إعتراف خجول فهي لم تتطرق بشكل وافي ومفصل عن أصوله الزرادشتية فقد قفزت على هذه الحقيقة بقصد واضح.
أشكال أخرى من الزواج عند الفرس
كان للفرس أنواع أخرى من الزواج منها تبادل الزوجات ( Polyandry )وزواج الضيزن وهو أن يتناوب الأبناء على زوجة أبيهم بعد موته فيكون أولادهم هم أخوانهم في نفس الوقت! وانتقل هذا الزواج الى العرب وسموه( زواج المقت) والطفل الذي يولد عنه يسمى (المقيت) وعلى العكس من الفرس فإن العرب كما يذكر محمد إبن السائب الكلبي" كانت تحرم في جاهليتها أشياء نزل القرآن بتحريمها. فكانوا لا ينكحون الأمهات ولا البنات ولا الخالات ولا العمات. وكان أقبح ما يصنعون أن يجمع الرجل بين الأختين أو يختلف على امرأة أبيه وكانوا يسمون ذلك الفعل الضيرن". وقد عيًر أوس بن حجر الكندي جماعة من بني قيس تناوبوا على زوجة أبيهم بقوله:
والفارسية فيهم غير منكرة *** فكلهم لأبيهم ضيزن سلف
وقد حرم القرآن الكريم زواج الضيزن " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن" كذلك " ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ". كما حرم الإسلام ما يسمى بزواج المبادلة وهو نقس الزاوج الذي دعمه(مزدك) الذي آمن بالمشاعية الجنسية والأموال( ***************ual Communism ). ويذكر ويل ديورانت في قصة الحضارة "كان الآباء في بلاد فارس ينظمون شئون الزواج لمن يبلغ الحُلُم من أبنائهم. وكان مجال الاختيار لديهم واسعاً، حيث عرف عنهم بأن الأخ كان يتزوج أخته، والأب ابنته، والأم ولدها". ويذكر إبن حزم في كتابه الملل والنحل" والمجوس يعظمون الأنوار والنيران والمياه إلا أنهم يقرون بنبوة زرادشت ولهم شرائع يضيفونها إليه ومنهم المزدقية وهم أصحاب مزدك الموبذ وهم القائلون بالمساواة في المكاسب والنساء". وقد انتقل هذا النوع بدوره إلى العرب في العصر العباسي ومارسته فرق الخرمية والراوندية والقرامطة والخطابية والميمونية والمهاجرين الذين وصفهم إبن النديم في كتابه الفهرست " هؤلاء يقولون بالمعمودية والقرابين والهدايا ولهم أعياد ويذبحون في بيعهم البقر والغنم والخنازير ولا يمنعون نساءهم من أئمتهم ويقبحون الزنا". ولاشك إن الأسلام أمم العلاقة الجنسية بعد مشاعيتها ودجنها بعد إنفلاتها ونظمها بعد فوضاها وهذبها بعد تدنيسها في العصور التي سبقته.
يذكر الكاتب ( Robertson Smith) في كتابه( القرابة والزواج في فجر التأريخ العربي) بأن الشريعة الاسلامية نقلت المرأة من وضعها السابق كسلعة معروضة للبيع الى وضع آخر بإعتبارها طرفا متعاقدا يحصل على حقه من المهر يدفعه الطرف الاخر( الرجل) مقابل السماح له بممارسة الجنس معها، وبذلك منحت صلاحية شرعية لم تكن تمتلكها سابقا. وقد حفظ الإسلام للمرأة مكانتها الإجتماعية. في حين زواج المتعة يعودة بالمرأة إلى الوراء كما ذكر العالم السويسري( Bachofen ) في كتابه الشهير( Mutterrecht)" بعد أن ناضلت بشجاعة وإصرار كي تكبح شهوات الرجل ورغباته الجنسية وتجبره على إحترامها ومراعاة مشاعرها وميولها".
ومن الجدير بالإشارة أن الزواج المؤقت لم يقتصر على الفرس فقط وإنما مارسه اليهود قديما، فاليهود حلوا ببلاد فارس منذ السبي البابلي، وازداد عددهم بشكل كبير في عهد الاشكانيين، وقد صاهروا ملوك الفرس فإمتزج الدمان اليهودي بالفارسي. ويشير المسعودي في (مروج الذهب) بأن دينارد زوجة بختنصر كانت يهودية وهي وراء عودة بني اسرائيل الى بيت المقدس." كما أنشأ اليهود مدرسة (إسورا) في مطلع القرن الثالث الميلادي، فأثروا وتأثروا بالديانة والثقافة الفارسية