دوامة المديونية العامة بمصر هي في حقيقتها عرَض لمرض يتمثل في هشاشة البنية الهيكلية للاقتصاد المصري، فهو اقتصاد ريعي من ناحية، ومن ناحية أخرى تزداد فيه حالة التبعية للخارج بدرجة كبيرة.
فقد ظل المسؤولون منذ منتصف التسعينيات يعلقون كل مشكلة اقتصادية على الأحوال الإقليمية والدولية، وكأنها مخرج لهم من تقصيرهم في إدارة الاقتصاد المصري بشكل صحيح.
فكون الاقتصاد عرضة للتقلبات الخارجية معناه زيادة درجة التبعية، وكثير من الدول الصاعدة تأثرت بالأحداث الاقتصادية السلبية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ومع ذلك استكملت أجندتها التنموية، وتحسنت بها العديد من المؤشرات الاقتصادية الدالة على وجود أجندة وطنية للتنمية تقوي من مقومات الاقتصاد المحلي.
منذ سنوات والحكومات المتعاقبة تتلقى إنذار تزايد خطر المديونية العامة، وكانت دائما تهون من مخاطر ذلك مشيرة إلى الدين لا يزال في الحدود الآمنة.
ولجأت الحكومات لحيلة الخطاب الإعلامي من خلال تقسيماتها للدين المحلي للتقليل من شأنه، كأن تفصل البيانات الحكومية بين الدين الحكومي ودين الهيئات الاقتصادية ودين بنك الاستثمار القومي، وعادة ما كانت تنسب الحكومة دينها فقط إلى الناتج المحلي الإجمالي ليظهر بقيمة أقل من سقف ال60%.
و يظهر أن أعباء الدين العام بمكونيه (المحلي والخارجي) تتحملها الدولة، سواء في صورة فوائد أو أقساط .
"ما يزيد من مشكلة الدين العام في مصر أنها تدار بصورة سيئة، حيث اكتفت الحكومات السابقة بمجرد إعادة استهلاك الديون القديمة بديون جديدة وبسعر فائدة أعلى"
و من المتعارف عليه في قياس حجم الدين العام ومدى خطورته، أن لا يتجاوز نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي، و
ومما يزيد من مشكلة الدين العام في مصر أنها تدار بصورة سيئة، حيث اكتفت الحكومات السابقة بمجرد إعادة استهلاك الديون القديمة بديون جديدة وبسعر فائدة أعلى، ولم تتبن حكومة واحدة منذ تفاقم أزمة الدين العام تقديم برنامج لسداد الدين العام، وعدم تجاوزه مرحلة الخطر.
ولا يزال مارثون إصدار سندات وأذون الخزانة مستمرا، من خلال الإعلان الأسبوعي لوزارة المالية، باقتراض من 5 إلى 7 مليارات جنيه، وحقيقة الأمر أن الهيئات والمؤسسات الدائنة للحكومة المصرية لا تحصل على أصل الدين، لأنه يعاد تدويره من خلال شراء أدوات الدين الجديدة.
لقد قفز الدين العام المحلي من 97 مليار جنيه في عام 1991 إلى 246 مليارا في عام 2000، ثم إلى 888.7 مليار جنيه في عام 2010، ثم تزايدت قيمته بمتوسط يزيد على 200 مليار جنيه خلال الفترة من عام 2010 إلى 2014.
أما الدين الخارجي فبلغ 31 مليار دولار في عام 1992، ثم انخفض في عام 2000 ليصل إلى 25.8 مليار دولار، وعاد للزيادة مرة أخرى في عام 2010 ليصل إلى 30.7 مليار دولار، واستمرت الزيادة في قيمة الدين الخارجي لتصل إلى 36.1 مليار دولار في عام 2013، إلا أن الطفرة الكبيرة كانت مع نهاية عام 2014، حيث بلغ الدين الخارجي 46 مليار دولار.
ولا توجد دولة في العالم ليس عليها ديون، ولكن العبرة بكيفية إدارة هذا الدين وعدم تجاوزه الحدود الآمنة، وبخاصة إذا ما كنا نتحدث عن اقتصاد ريعي يعتمد في عوائد الريع على مصادر خارجية وليست داخلية بنسبة كبيرة.
"لا توجد دولة في العالم ليس لديها ديون، ولكن العبرة في كيفية إدارة هذا الدين وعدم تجاوزه الحدود الآمنة، وبخاصة إذا ما كنا نتحدث عن اقتصاد ريعي يعتمد في عوائد الريع على مصادر خارجية"
ومن هذه المداخيل عوائد قناة السويس والسياحة والبترول -الذي فقد هذه الميزة مؤخرًا حيث أصبحت مصر منذ عام 2008 مستوردا صافيا للبترول- وكذلك تحويلات العاملين بالخارج. وبذلك فإن هناك مجموعة من المخاطر تتربص بمستقبل الاقتصاد المصري نتيجة تفاقم الدين العام:
وقد أكد عدد من الاقتصاديين أن الدين العام وصل إلى «مرحلة الخطر» بعد تجاوزه نسبة 97% من الناتج المحلى الإجمالى، وتخطى المعدلات الآمنة لسلامة الهيكل المالى والمقدّرة بنحو 60% فقط، مشددين على اتخاذ الحكومة خطوات للحد من تفاقمه، والذى يضر بالاقتصاد والأمن القومى لمصر. و إن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى تتجاوز نسبة 100% (بعد إغفال الدين الخارجى وخدمة الدين عند احتساب الدين العام، مقارنة بالناتج المحلى الإجمالى) أن معدلات الاقتراض لتلبية احتياجات أو سد عجز الموازنة السنوى أمر لا بد من إنهائه والبحث عن حلول أخرى لزيادة الإيرادات دون الحاجة إلى الحصول على أموال خارجية، سواء فى صورة قروض أو حتى منح، لأن زيادة المنح من الدول الأخرى لا تصب فى صالح قوة الاقتصاد المصرى أمام المجتمع الدولى. و إن ارتفاع الدين المحلى بهذا الشكل يمثل خطراً على الاقتصاد القومى وقدرة مصر على الالتزام بمديونياتها الداخلية والخارجية. ويرجع تفاقم الدين إلى استسهال الحكومات المتعاقبة سداد عجز الموازنة بالاستدانة، دون النظر إلى المخاطر التى تلحق بالاقتصاد، جراء تراكم هذه المديونية، و أن العجز السنوى للموازنة العامة للدولة أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات الاقتراض، ومن ثم الدين العام المحلى والخارجى. أن تفاقم الديون يؤثر على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزامتها المحلية و الخارجية واستمرار ارتفاع عجز الموازنة، إضافة إلى إعاقة الاستثمار المحلى ومصادر تمويله، نتيجة ابتعاد البنوك المصرية عن دورها الحقيقى، وهو تمويل مشروعات القطاع الخاص، لزيادة معدلات التنمية والاتجاه إلى ضخ السيولة المتاحة لديها فى أذون الخزانة والسندات الحكومية، للاستفادة من هامش الربح المرتفع، مما يعنى أن نسبة كبيرة من السيولة يتم توجيهها لعلاج عجز الموازنة، بدلاً من توفيرها للمستثمرين، لبدء مشروعات جديدة وتوفير فرص عمل حقيقية. وان بلوغ الدين 97% من إجمالى الناتج القومى تصاحبه مخاطر اجتماعية، تتمثل فى غضب المواطنين من الحكومة، لأن الارتفاع فى معدل الديون مقابل الناتج المحلى الإجمالى سيؤثر بدوره على نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى.و إن استمرار وتيرة ارتفاع الدين العام، خاصة الدين الداخلى دون وجود إجراءات مالية عاجلة للحد من تفاقم الدين العام يمثل خللاً فى الهيكل المالى للاقتصاد القومى. وأ أن تنامى الدين العام وأعبائه يؤدى إلى تقلص قدرة الحكومة على الإنفاق الخدمى، كما أن استمرار الاستدانة من الداخل يؤثر سلباً على حجم الاستثمارات المحلية، فهى تسحب سيولة مالية متوافرة فى الأسواق، مما يؤدى بشكل غير مباشر إلى تراجع الإنتاج المحلى. و أن المبررات التى استندت إليها الحكومة فى إصدارها المزيد من أذون وسندات الخزانة للوفاء بالتزاماتها السيادية غير منطقية لأنها تتجاهل تصاعد الإنفاق العام عاماً بعد عام، مما يعنى أن أى نمو متوقع للموارد العامة سيتم توجيهه إلى الإنفاق على الخدمات والبنية الأساسية والمشروعات الكبرى، ولا يسمح بتوفير جزء من الموارد العامة لسداد المديونية. و إن الزيادة المستمرة للدين العام لها نتائج سلبية تتمثل فى إعاقة قدرة الحكومة عن تخصيص الموارد الكافية للإنفاق على الخدمات وإعاقة توزيع الدخل لمصلحة فئات غير محدودى الدخل، إضافة إلى زيادة عجز الموازنة وإيجاد ضغوط تضخمية تغذى ارتفاع الأسعار، ومن الضرورى تحجيم هذا الدين، خاصة إذا كان يستخدم فى أغراض استهلاكية لا إنتاجية. و أن تزايُد خدمة الدين تعنى زيادة الأعباء على الأجيال المقبلة، ولا بد أن تواجه فوراً بإجراءات تساعد فى تخفيض الديون الحكومية تدريجياً. لابد ان نعترف بأنها تخطت الحدود الآمنة،ولابد من السعى إلى العودة بها إلى الحدود الآمنة تدريجياً. ..!!
طارق عامر الذى يتحدث اليوم عن فوائد تخفيض سعر الجنيه هو الذى بدأ مهمته كمحافظ للبنك المركزى بإلغاء قرار سابقه ورفع سعر الجنيه بغير أى مبرر اقتصادى ! ... نعم، هو نفسه طارق عامر - لاعب البوكر المبتدئ - الذى حدثنا منذ قليل عن أن الدولار سينخفض سعره إلى أربعة جنيهات فى المستقبل القريب ثم عاد ليوحى اليوم باتجاه البنك المركزى لاتباع سياسة أكثر مرونة فى تحديد سعر الصرف، وهو ما فسرته وكالات الأنباء بأنه تمهيد لتخفيض جديد فى قيمة الجنيه !! ـ
واضح إننا شعب بيتعلم بالغالى، وبالغالى قوى ... لكن السؤال المحير هو ما الثمن الذى نحن على استعداد لتحمله قبل أن نصل إلى مرحلة التعلم؟! ... متى نتمكن من النظر من خلال الغربال الذى صار مهترئاً لدرجة لا يمكنه معها أن يحجب النظر من خلاله؟! ـ