دروس مفيدة ..!!

قبل 11 سنة

للمشروعات الصغيرة ...!!

تعطي التجربة الأمريكية في دعم المشروعات الصغيرة دروسا مهمة للدول التي تسعى لجعل هذا القطاع هو المحرك لاقتصادياتها، فرغم أننا أمام أكبر اقتصاد رأسمالي في العالم، فإن ذلك لم يمنع الدولة من حماية هذه المشروعات ومساندتها حتى تتخطى كل العقبات التمويلية والتسويقية. ورغم أن بعض ملامح التجربة قد لا يتفق مع خصوصية البيئة الاقتصادية العربية، فإنها تظل تجربة مليئة بالدروس للدول السائرة في طريق توسيع مجال المشروعات الصغيرة.

ومن أجل حماية هذا القطاع، تدخلت الدولة الأمريكية لتصدر في عام 1953 قانونا خاصا تؤكد فيه على دورها في الحفاظ على تكافؤ الفرص عن طريق حماية مصالح المشروعات الصغيرة، كما تم تخصيص وكالة فيدرالية لمساعدة هذه المشروعات تحت اسم "الإس بي إيه".

ويعمل حاليا بهذه الوكالة حوالي 3000 عميل بميزانية تقترب من 500 مليون دولار سنويا، وهي تملك 69 فرعا في الأراضي الأمريكية. وقد استفادت حوالي 20 مليون منشأة صغيرة خلال 50 عامًا من دعم الإس بي إيه، وساهمت في انتقال عدد من المشروعات الصغيرة إلى شركات كبرى مثلما حدث لشركات آبل وإنتل وفيدرال إكسبريس، وكومباك وأمريكا أون لاين.

واستطاعت الوكالة خلال عقد التسعينيات رفع معدل النمو السنوي للمشروعات الصغيرة إلى 3.8%، ووصل عدد المشروعات إلى أكثر من 22 مليون مشروع غير زراعي، وتقوم بتوظيف حوالي 53% من القوى العاملة، كما تحقق 47% من المبيعات الكلية للولايات المتحدة، مساهمة بنسبة 50% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي تاركة النصف الآخر للمشروعات الكبيرة.

وساعدت الإس بي إيه أيضا في تحويل الكثير من الأيدي العاملة من النشاط الزراعي والصناعي إلى قطاع التجارة والخدمات، حيث تزداد فرص تأسيس مشروعات صغيرة، علاوة على طرح فرص عمل لاستيعاب المسرحين من الشركات الكبرى "للمزيد من التفاصيل انظر موقع وكالة الإس بي إيه".

وظائف لدعم المشروعات

وحتى تحقق الإس بي إيه هذه المعدلات في المشروعات الصغيرة لعبت بعض الأدوار لعل أبرزها ما يلي:

- مرشد للبيزنس، توفر الوكالة متطوعا أو مرشدا من ذوي الخبرة لكل مشروع صغير، حيث تملك الوكالة ما يقرب من 13 ألف متطوع في مختلف المجالات الاقتصادية (تجارة، صناعة، بنوك، تأمينات، استيراد، تصدير). ويقوم المرشد بتوفير المعلومات اللازمة لتأسيس الشركة، وكيفية الحصول على التمويل اللازم، وخطة التنمية والتسويق والتحليل المالي والتحكم في التكاليف ودراسة السوق والتصدير وغيرها من الأمور. ويبلغ عدد الشركات المستفيدة من هذا البرنامج 150 ألف شركة سنويا.

- محاضرات وندوات: حيث تنظم الوكالة 3000 ندوة سنويا يحضرها رؤساء الشركات الصغيرة الحاليون أو المرشحون لهذا المنصب، وتتناول هذه المحاضرات بعض الموضوعات، مثل اختيار النظام القانوني للشركة، وكيفية وضع خطة العمل وغيرها. ويصل عدد رؤساء الشركات الحاضرين إلى 100 ألف سنويا.

- برامج التأهيل، حيث أنشأت الوكالة 57 مركزا لتنمية المشروعات الصغيرة بالتعاون مع الجامعات والقطاع الخاص والحكومات المحلية، فضلا عن تأسيس 950 مركزا فرعيا في الجامعات والغرف التجارية. وتهدف هذه المراكز لتأهيل وإرشاد قادة المشروعات وتقديم المساعدة لهم في الإدارة والتنظيم والتسويق والتمويل، وكذلك تقديم المساعدات الفنية في العملية الإنتاجية وعمل دراسات الجدوى وتأهيلهم للحصول على برامج تمويل الإس بي إيه. وتبلغ تكلفة هذا البرنامج 60 مليون دولار سنويا، ويتم تمويل نصفه من الإس بي إيه، والنصف الآخر تموله الشركات والجامعات.

- توفير معلومات، تلعب الوكالة الفيدرالية دورًا أساسيًّا في توفير جميع المعلومات اللازمة للمشروعات الصغيرة، عن طريق مراكز معلومات توفر برامج كمبيوتر خاصة بإدارة الشركات وقواعد بيانات عن أنواع المشاريع، وكذلك مكتبة تحتوي على 400 كتاب عن تأسيس الشركات بجانب شرائط الفيديو وكيفية إدارتها هذا بجانب خدمة هاتفية خاصة بهم، حتى يمكن الاستفسار عن أي شيء يتعلق بالشركات الصغيرة. فضلا عن وجود موقع إلكتروني خاص بالإس بي إيه تتوافر عليه كافة المعلومات عن هذه الإدارة وبرامجها.

طريقة التمويل

وتلعب الوكالة الفيدرالية دورا مهما في عملية تمويل المشروعات الصغيرة عبر طرق مختلفة لعل أبرزها:

- ضمان القرض: حيث تلعب الوكالة دور الكفيل أو الضامن للقرض الذي يحصل عليه مشروع معين، لا سيما مع صعوبة حصول مشروع صغير على قرض دون ضمان؛ لأن احتمالات الخسارة مرتفعة، ولذلك تقوم الإس بي إيه بضمان المشروع أمام البنك، وبالتالي تصبح مسئولة عن رد القرض في حالة الإفلاس.

وبناء على هذه الفكرة التي تمثل 90% من التمويلات للمشروعات الصغيرة، أقامت الوكالة 219 ألف شركة بقيمة تصل إلى 45 مليار دولار. وتعرض 1.5% منها فقط للإفلاس. ويتم الضمان لـ75% من القروض التي لا تتعدى المليون دولار، وتصل إلى 85% للقروض الأقل من 150 ألف دولار.

- التمويل المباشر: وذلك عن طريق منح قروض مباشرة للمشروعات الصغيرة خاصة تلك التي يديرها النساء، وتبلغ قيمتها 20 ألف دولار، كما يتم التمويل المباشر لمشروعات في مناطق تعاني من مشكلات اقتصادية، أو كوارث طبيعية.

دور تسويقي للدولة

ولأن التسويق هو أصعب مراحل المشروعات الصغيرة؛ لذا فإن الحكومة الفيدرالية الأمريكية تدخل كأحد المشترين لمنتجات هذه المشروعات وفقا لاتفاق مع الإس بي إيه، حيث تستوعب ما يقرب من 40 مليار دولار من قيمة منتجات المشروعات الصغيرة سنويا، أي خمس المشتريات الأمريكية من الأسواق في العالم. يضاف إلى ذلك الأسواق المفتوحة التي تدخلها هذه المشروعات وتقدر بـ22 مليار دولار حسب بيانات الوكالة الفيدرالية.

ويخضع هذا الاتفاق الذي تنفذه الإدارات الأمريكية المختلفة لمراقبة من الكونجرس، لا سيما أن بعض الإدارات تتخطى أحيانا الاتفاق بإتاحة أكثر من الـ20% من أسواقها للمشروعات الصغيرة، وفي أحيان أخرى تخفق بعض الإدارات في التنفيذ، خاصة وزارة الدفاع التي يصعب عليها شراء مستلزماتها من تلك المشروعات.

كما يمكن للإدارات الأمريكية حجز أسواق كاملة لهذه المشروعات، خاصة الأثاث والخدمات التي تصل قيمتها إلى 100 ألف دولار، ويمكن أن تتخطاها إذا كانت هناك عروض قيمة من جانبها.

أما الأسواق المفتوحة فإن الإس بي إيه تتدخل أيضا لتفرض تواجد المشروعات الصغيرة فيها، حيث تعقد اتفاقات مع الشركات الكبرى لترك جزء من العقود الموقعة أو المناقصات التي ترسي عليهم، وتزيد قيمتها عن 500 ألف دولار للمشروعات الصغيرة خاصة التي تديرها أقليات أو نساء.

ولدى الإس بي إيه مكتب يتعامل مع الإدارات الأمريكية المختلفة للدفاع عن مصالح المشروعات الصغيرة، ويخضع لرقابة الكونجرس. ويقوم المكتب بالتعرف على احتياجات المشروعات الصغيرة، وصياغة اقتراحات وتقديمها للرئيس الأمريكي والكونجرس لتحسين المناخ القانوني، والضريبي لهذه المشروعات وتخفيف القيود الإدارية عليها.

كما يعد المكتب تقريرا سنويا حول أوضاع المشروعات الصغيرة في الولايات المتحدة، فضلا عن القيام بدراسات قطاعية لتوضيح مشكلات هذه المشروعات واقتراح مشروعات القوانين لتخفيف الأعباء المفروضة عليها.

وبالرغم من العوائق التي تواجه عمل وكالة الإس بي إيه خاصة على صعيد مدى التزام الإدارات الأمريكية بدعم المشروعات الصغيرة، فإنها استطاعت توفير بيئة اقتصادية صحية لنمو هذه المشروعات، وهو ما يلزم أي مشروع صغير ترغب الدولة في أن يصبح عنصرا فاعلا في اقتصادها القومي.

مجلة "مشاكل اقتصادية" الفرنسية،

دروس مفيدة ..!!
عندك أي منتج؟
عفواً.. لايوجد ردود.
أضف رداً جديداً..