لأصلُ في الإعلام أن يُسخَّر في الخير والبناء، وسعادة الفرد والمجتمع، وبث روح التفاؤل والاطمئنان بين الناس؛ فالنفسُ البشرية ترتاح للمبشرات؛ لأنها تبعث فيها السكينة، كما أنها تجدّد عند الإنسان العزيمة، وتحيي الأمل المشرق الواعد؛ لذلك أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نكون مبشرين لا منفرين.
لكن التحدي الخطير الذي يواجه الإعلامَ الإسلاميَّ، ما تمر به أمتنا الإسلامية، وما ينزل بكثير من شعوبها من فتن وابتلاءات.. كل هذا يجعل مهمة الإعلام والصحافة على وجه التحديد شاقة ومحفوفة بالمخاطر؛ فنقل الخبر الصادق وتصوير الواقع كما هو دون دسّ أو تزوير ربما لا يبعث على التفاؤل، كما أنه يعرّض ناقلَه للقمع والإرهاب في أغلب الأحيان؛ مما يزيد مهمة الإعلامي المسلم صعوبة وتعقيداً، ويُحمّله مزيداً من الأعباء إن أراد تأدية الأمانة بما يرضي الله تعالى، وما أكثرَ الإعلاميين الذين تعرضوا للقمع والسجن والقتل بسبب نقل الحقيقة كما هي تماماً، دون تزييف!
ولقد أدركت الأممُ المتقدمة سحرَ الإعلام وسلطته الضاغطة المؤثرة، فأنفقت الملايين لتحقيق سياساتها من خلاله، وإقناع الجماهير بشرعية خططها وبرامجها من خلال عملية غسيل الدماغ الجماعية، وصارت وسائلُ الإعلام تقوم بجزء من عمل الجيوش، وأصبحت الحروب الإعلامية تكلف أحياناً أكثر من الحروب التقليدية. وبرغم أن الصحافة تسمى السلطة الرابعة إلا أنها باتت تنافس السلطات الثلاث، بل يتم من خلالها التلاعب بتلك السلطات، وابتزازها أو الانقلاب عليها أحياناً، لأن أجهزة الاستخبارات في كثير من البلدان صارت هي من يؤسس الصحافة ويوجهها، لتحقق أغراضها من خلالها!!
هكذا ينطلق بنا القرن الحادي والعشرون، في تسابق محموم وصراع مجنون بين الدول الكبرى، للسيطرة على العالم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، يرافق ذلك كيد صهيوني ماسوني حاقد على كل ما يمت للإسلام بصلة أولاً وعلى البشرية جمعاء ثانياً.. صراع تغيب فيه العدالةُ والحق والإنسانية، ويعلو صوتُ الحديد والنار فوق كل صوت، ويستمد الباطل شرعيتَه من القوة التي يملكها فحسب!
في هذا الخضم المتلاطم، والأمواج الإعلامية العاتية، التي تستهدف العقيدة والأخلاق وثوابت الأمة، وتحاول إفساد أسرنا، وخطف شبابنا وبناتنا من خلال بهرجها وبريقها الخادع الذي يطبل له جنودُ إبليس {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112].
وفي هذه الظروف العصيبة التي تمر بالأمة الإسلامية حكومات وشعوباً يتطلع المسلمُ إلى إعلامٍ نظيفٍ هادفٍ، يتحلى بالصدق والواقعية، وتتحقق للفرد من خلاله معرفةُ ما يجري حوله بعيداً عن الدجل والخداع الإعلامي (المسيّس)، كما يتلقى هو وأسرته زاداً ثقافياً ومعرفياً، ويتابع أخبار العالم الذي يعيش فيه، ويهتم بأمر المسلمين.
ومن هذا المنطلق علينا أن ندرك خطر الإعلام وأهميته، ونعمل على مواكبة الأساليب المتطورة في هذا المجال ضمن حدود الشريعة الإسلامية؛ فنحن بحاجة إلى إعلام متوازن يعمل على التجديد في الأسلوب والطرح؛ ليكون أكثر قبولاً لدى مختلف الفئات في العالم الإسلامي الفسيح، ويفتح قلبه وبرامجه لكل قلم صادق مبدع، ويرعى كل موهبة متميزة في أي مجال من مجالات الإعلام.
وبرغم وجود مؤسسات إعلامية تؤدي عملها بتميّز وإخلاص واحتساب، إلا أن الساحة الإسلامية العالمية لا تزال بحاجة إلى مزيد من المنارات الوضاءة الصافية، التي تبث بين الناس كلمةً طيبة؛ أصلُها ثابت وفرعها في السماء، وتستمد نورها من الكتاب والسنة، داعية إلى تقوى الله وخشيته في السر والعلن، وملازمة العمل للعلم، مذكرة بقوله سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77].
المصدر: د/محمد عبدالقادر الشواف, شبكة الألوكة .
http://www.mstaml.com/files/121170-1260466616.jpg