يعد بنك "جي بي مورجان" واحدا من أهم البنوك الدولية، وغالبا ما تأخذ أسواق المال والأعمال التحليلات الصادرة منه بجدية شديدة، ومن هذا المنطلق أثارت تقديرات البنك بأن العالم مقبل على أزمة اقتصادية بحلول عام 2020 كثيرا من الجدل، حول مدى دقة الأسس التي بنى عليها المحللون الماليون في البنك تقديراتهم؟
وعلى الرغم من أن تقرير بنك "جي بي مورجان" أشار بوضوح إلى أن الأزمة المقبلة ستكون أقل حدة من التي ضربت الاقتصاد العالمي قبل عشرة أعوام، إلا أن فكرة تكرار الأزمات الاقتصادية الضخمة، وعلى فترات متقاربة يوجد حالة من الشعور بالقلق لدى رؤوس الأموال الدولية، ويعزز فرضية أن النظام الرأسمالي يعاني بالفعل مشاكل جوهرية، وخاصة أن الاقتصاد الدولي لم يشف بعد بالكامل من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008.
ويتوقع محللون ببنك "جي.بي.مورجان" أن الأزمة المالية المقبلة ستكون في 2020، واعتبر المحللون في البنك الأمريكي، أن الجانب الإيجابي في هذا الصدد هو أن الأزمة الجديدة من المحتمل أن تسبب قليل من الآلام عن التي خلفتها الأزمات السابقة.
أما الجانب السيئ فقد أوضح التقرير أن تضاؤل السيولة في الأسوق المالية منذ 2008 سيكون شيئا غير متوقع السيطرة عليه وقت الأزمة.
واستند التقدير في حساب تقديراته على نتائج معتمدة على طول التوسع الاقتصادي المحتمل، ودرجة التحوط وتقييمات أسعار الأصول ومستوى رفع القيود والابتكار المالي قبل الأزمة.
ويتوقع التقرير حال حدوث أزمة مالية أن تتراجع الأسهم الأمريكية بنحو 20 في المائة، وتقفز أقساط عوائد سندات الشركات الأمريكية بنسبة 1.15 في المائة، إلى جانب هبوط 39 في المائة في أسعار الطاقة و29 في المائة في المعادن الأساسية.
كما أشارت التقديرات إلى أنه في حالة حدوث أزمة فإن هوامش الديون الحكومية بالأسواق الناشئة ستشهد زيادة قدرها 2.79 في المائة، فيما ستهبط سوق الأسهم في الأسواق الناشئة بنسبة 48 في المائة، وستتراجع عملاتها بنحو 14.4 في المائة.
وفي الحقيقية توجد أسماء اقتصادية كبيرة سبقت بنك "جي بي مورجان" وحذرت أيضا من إمكانية اندلاع أزمة اقتصادية دولية، لكن لم تحدد لها تاريخ كما فعل محللو "جي بي مورجان".
أحد أبرز الأسماء كان ألان جرينسبان المحافظ الأسبق للبنك المركزي الأمريكي، الذي لعب الدور الرئيس لتوجيه السياسة المالية للولايات المتحدة لسنوات، وذلك رغم تغير الرئاسة الأمريكية بين الديمقراطيين والجمهوريين.
فقد سبق وحذر جرينسبان من وجود ما وصفه "بالفقاعتين" إحداهما في مجال السندات والأخرى في سوق الأسهم، مشيرا إلى أن سوق الأسهم والسندات الأمريكية مقيمة بأعلى من قيمتها الحقيقية، وأن إعادة التقييم قد توجد أزمة حادة في الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
لكن منطق جرينسبان في التحليل يختلف نسبيا عن منطق تحليل "جي بي مورجان"، إذ إنه بنى تحليله على إعادة تكرار أزمة 2008، بمعنى امتداد الأزمة المالية من الولايات المتحدة إلى أوروبا نتيجة الترابط الاقتصادي بين ضفتي الأطلسي ومن ثم تكتسح الاقتصاد الدولي.
بينما يرى تحليل "جي بي مورجان" أن الهزة الاقتصادية ستعصف بالاقتصاد العالمي عبر ضرب الاقتصاديات المختلفة في توقيت واحد.
بطبيعة الحال يوجد تيار عريض وكبير من الاقتصاديين والخبراء لا يقبل بهذا النمط من التحليل، ويرفض فكرة إقدام الاقتصاد العالمي على أزمة اقتصادية قريبا أو بحلول عام 2020.
وعلى الرغم من اختلاف أسباب الرفض بين هؤلاء الاقتصادين إلا أن القاعدة الرئيسة التي توحدهم منبعها أن الاقتصاد الدولي ومنذ أزمة عام 2008 وحتى الآن، شاهد العديد من الإصلاحات والتغييرات الهيكلية التي تجعل من انفجاره بذات الصورة التي وقعت قبل عقد من الزمان أمرا مستبعدا.
"الاقتصادية" استطلعت آراء عدد من الخبراء والاقتصاديين الذين ينتمون إلى مدارس مختلفة لمعرفة مدى إمكانية اندلاع أزمة اقتصادية جديدة، وهل تاريخ 2020 الذي تنبأ به المحللون في بنك "جي بي مورجان" واقعي.
هاري بول المصرفي البريطاني والاستشاري في مجموعة "لويدز" المصرفية يعتبر أن الأزمات الاقتصادية الدورية جزء لا يتجزأ من طبيعة النظام الرأسمالي، إلا أنه يشير إلى أن الخبرات التي يكتسبها النظام من تكرار تلك الأزمات، تجعله أكثر قدرة في الحد منها وعدم تكرارها على فترات متقاربة.
ويضيف: "وفقا لبيانات النمو الاقتصادي ومعدلات التوظيف والتضخم الراهنة استبعد أن يشهد الاقتصاد العالمي أزمة في القريب العاجل، أو كما أشار المحللون في بنك جي بي مورجان في عام 2020، فالتحسن في الاقتصاد الأمريكي ملحوظ، وارتفاع أسعار الفائدة بات واقعا ملموسا، والاقتصاد الصيني لم يتدهور نتيجة الإصلاح الهيكلي كما توقع الكثير من الخبراء، والهند تبرز كقوة اقتصادية وسوق استهلاكية ضخمة، والعامل الآخر المريح هو قدرة الولايات المتحدة والصين عل التعامل مع ديونهما واستمرار القدرة على الدفع".
ويشير هاري بول إلى أن "التكهنات بأن الأزمة الاقتصادية ستتكرر ربما يكون منبعه خلط في التحليل بين الركود التقليدي لدورة الأعمال والركود الناجم عن الأزمة المالية، وهناك بعض مظاهر الركود التقليدي لدورة الأعمال في الوقت الراهن في العديد من الاقتصادات الكبرى مثل اليابان، وربما يكون ذلك أحد تداعيات الأزمة الاقتصادية في 2008 التي لم يتم الشفاء التام منها بعد، لكن يصعب القول إننا أمام مظاهر ركود تؤدي إلى أزمة مالية أو اقتصادية عالمية".
على العكس تماما، تعتقد الدكتورة آجا سيمون أستاذة التجارة الدولية أن الأزمة الاقتصادية باتت قاب قوسين أو أدنى وأن عام 2020 قد يكون البداية الحقيقية لتكرار أزمة 2008.
وتضيف قائلة، إن "الحرب التجارية الراهنة بين الولايات المتحدة والصين، مؤشرا بارزا على إمكانية تسارع وتيرة الأزمة الاقتصادية، فانخفاض معدلات التجارة الدولية، وزيادة معدلات البطالة في اقتصاد بحجم الاقتصاد الصيني ستؤدي حتما إلى أزمة اقتصادية عنيفة وحادة".
وترى سيمون أن ما تم اتخاذه من تدابير في أعقاب أزمة عام 2008 لتفادي تكرار الأزمة الاقتصادية بدأ في التآكل في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
وتقول سيمون إن "أحد الدروس المستفادة من أزمة 2008 أننا في كثير من الأحيان لا نستطيع تحديد الإجراء الذي يكون ضروريا لحماية المستهلكين من الركود، والإدارة الأمريكية الراهنة أضعفت إجراءات إصلاحية سابقة للنظام المصرفي كانت تحد من إمكانية الأزمة، ففي مايو الماضي أعفيت البنوك التي تصل أصولها إلى 250 مليار دولار من المعايير التحوطية المحسنة لأداء البنوك مثل اختبارات الإجهاد وتخطيط القرارات ومتطلبات إدارة المخاطر المتزايدة، وفي نهاية عام 2017 بلغت ديون الشركات الأمريكية أكثر من 40 في المائة من أعلى ذروتها في عام 2008، وحاليا هي في أعلى مستوياتها مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ومن ثم فإن ديون الشركات الأمريكية تواصل الارتفاع كما لو أن أزمة 2008 لم تحدث، في الوقت ذاته ديون الأسر الأمريكية تراوح حاليا بين 15 و17 ترليون دولار مقارنة بنحو 12.68 ترليون عام 2008، ولهذا هناك العديد من المؤشرات في الاقتصاد الأمريكي تنبئ بأن الاقتصاد الدولي مقدم على أزمة عنيفة".
من جانبه، أعرب الملياردير الأمريكي جورج سورس في وقت سابق عن مخاوفه من أن يؤدي ارتفاع الدولار وخروج رأس المال من الأسواق الناشئة إلى أزمة مالية كبيرة أخرى، إلا أنه لم يرق بها إلى حد أزمة 2008، لكنه حذر من في الوقت ذاته من أن تكرار الأزمات الحادة وإن كانت صغيرة ومحدودة، يمكن أن يكوِّن وضعا اقتصاديا عاما وضاغطا، تشعر معها رؤوس الأموال بأن الاستثمار بات عملية محفوفة بالمخاطر، ما يمكن أن يؤدي إلى الإحجام عن الاستثمار، وهو ما يمثل طعنه نجلاء في قلب الاقتصاد العالمي، يمكن بالفعل أن تؤدي إلى هزة تعصف تماما بهيكل الاقتصاد الدولي.
ومع هذا، فإن نقطة الارتكاز بالنسبة للتيار الرافض لفكرة اقتراب الأزمة الاقتصادية، هي أن معدلات نمو الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن لا تشير إلى إمكانية انهيار الاقتصاد الدولي ودخوله أزمة حادة، تنفي تأثير العوامل غير الاقتصادية في معدلات النمو.
آندروا مارك الباحث الاقتصادي يعتقد أن المشهد الاقتصادي بات شديد التعقيد بحيث يصعب إن لم يكن مستحيلا معه فصل العوامل الأخرى وتأثيرها في النمو الاقتصادي عن الصورة الإجمالية.
ويؤكد مارك أن "التيار الذي يستبعد الأزمة الاقتصادية ينكر دور العوامل الخارجية مثل انتشار الأوبئة أو الكوارث الطبيعية التي نفتقد القدرة على التنبؤ بها، مثل الزلازل أو موجات المد البحري تسونامي، وبالطبع هذا يعتمد على حجمها وأين ستقع، لكن وقوعها المتكرر سيؤثر قطعا في المشهد الاقتصادي، كما أن عددا من كبار رجال البنوك أعربوا عن خشيتهم من انعكاس التغير المناخي على النظام الاقتصادي خاصة في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ العالمي.
....
http://www.aleqt.com/2018/09/16/article_1454936.html