بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وآله وصحبه أجمعين وبعد : فهذا بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو: أحمد قاسم الغامدي حول موضوع الاختلاط الذي قامت بنشره صحيفة عكاظ بتاريخ 23-24 /12/1430هـ . ونقول ما يلي : أولاً :- أن الله تعالى أخذ العهد والميثاق على أهل العلم أن يبينوه ولا يكتموه إبراءً للذمة ونصحاً للأمة . قال الله تعالى{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ } [البقرة:174]. ثانياً :- أن ما صدر عن المذكور في موضوع الاختلاط مشتمل على أغلاط وتخليط ، وجهل بأحكام الشرع ، ونقص في الأهلية في كيفية التعامل مع الأدلة واستنباط الأحكام ، كما أن فيه جرءةً وافتياتاً على أهل العلم ، ومصادرة لأقوالهم وآرائهم ، منذ زمن الصحابة رضوان الله عليهم حتى زماننا الذي نعيش فيه ، وقبل ذلك فيه تعد على الله تعالى إذ يقول سبحانه { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ }[النحل:116] ، وقال تعالى { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }[الحج:46] والأدلة على تحريم اختلاط الرجال بالنساء كثيرة تبلغ حد التواتر ونقتصر على بعض الأدلة من الكتاب ومن السنة والإجماع : • قال الله تعالى { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }[الأحزاب:153] وهذا في حق أمهات المؤمنين فغيرهن من باب أولى . • وقوله تعالى{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (31 ) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ }[النور] ، وفيها أمر صريح بغض البصر ، والاختلاط بين الرجال والنساء يفضي إلى الوقوع في النظر لبعضهم ومخالفة أمر الله عز وجل . • وفي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال : إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : الْحَمْوُ الْمَوْتُ. • ولقد تنبهت أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إلى خطر تساهل المرأة في خروجها من بيتها فقالت : ( لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِى إِسْرَائِيلَ ) أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين . • وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى النساء أن يتوسطن الطريق ويأمرهن بلزوم حافاته حذرا من الاختلاط بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضا أثناء السير في الطريق ، فعن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق : (( اسْتَأْخِرْنَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ )) ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ . رواه أبو داود في سننه في كتاب (الأدب)، باب (في مشي النساء مع الرجال في الطريق)، الحديث رقم (5272) ج4 ص369، وقد حسنه الألباني في (صحيح الجامع الصغير) برقم (942) ج1 ص317 تحققن الطريق: أي تتوسطنه. انظر: لسان العرب، مادة (حقق) . • والمتتبع لما ذكره أهل العلم يفيد أن علماء الأمة المعتبرين في كل عصر ومصر مجمعون على تحريم الاختلاط بين الرجال والنساء وخاصة في دور التعليم فمن خالف ذلك فهو خارق للإجماع وخارج عن الجماعة وقوله يعد شاذاً . ثالثاً :- مخالفته الصريحة لما أفتى به المفتون الرسميون للملكة العربية السعودية ، الذين لا يزن عندهم كاتب المقال مثقال ذرة ، في علمهم واجتهادهم في الفتوى ، ولا مكانتهم ، ولا منزلتهم التي عينتهم الدولة فيها كمفتين للبلاد : 1- فتوى سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى عندما سئل عن حكم اختلاط النساء بالرجال في المستشفيات قال رحمه الله : ( وذلك أن الرجال والنساء الذين يرتادون المستشفيات للعلاج ينبغي أن يكون لكل منهم قسم خاص من المستشفى ، فقسم الرجال لا يقربه النساء بحال ، ومثله قسم النساء ، حتى تؤمن المفسدة ، وتسير مستشفيات البلاد على وضع سليم من كل شبهة ، موافقاً لبيئة البلاد ودينها وطبائع أهلها ، وهذا لا يكلف شيئاً ، ولا يوجب التزامات مالية أكثر مما كان ، فإن الإدارة واحدة ، والتكاليف واحدة ، مع أن ذلك متعين شرعاً مهما كلف ) أهـ . ( فتاوى الشيخ 13/221) وكذلك فتواه المطولة في تحريم الاختلاط واضحة وجلية ونحيل للرجوع إليها ( فتاوى الشيخ 2/ 82-93) . 2- فتوى سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية وتحريمه للاختلاط بين الرجال والنساء وهي مطولة ويمكن الرجوع إليها في موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ، (6/276) من فتاوى الشيخ ابن باز . وفتوى سماحته أيضاً في تحريم الاختلاط في الدراسة ونحيل للرجوع اليها .(فتاوى اللجنة الدائمة 17/54) 3- فتوى سماحة مفتي المملكة المعاصر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله سئل الشيخ ضمن اللجنة الدائمة عن الاختلاط فتوى ( رقم 17929 ) ونصها : ( الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس وغيرها من المنكرات العظيمة والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا ، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء ، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك ) أهـ . 4- فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - الفتوى ( رقم 2922) ونصها : ( اختلاط البنين والبنات في الدراسة حرام ) . وقع عليها أصحاب السماحة والفضيلة الشيخ عبد الله بن قعود والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد العزيز بن باز . • الفتوى (رقم 6758) ونصها ( اختلاط النساء والرجال في التعليم حرام ومنكر عظيم) • الفتوى ( رقم 13947) سؤال عن حكم تدريس الرجال للفتيات ونصها : ( لا يجوز للرجال تدريس البنات مباشرة لما في ذلك من الخطر العظيم والعواقب الوخيمة ) . • الفتوى رقم ( 4945 ) س2: ما حكم المرأة التي تعمل وهي متزوجة ؟ ج2: لا يجوز للمرأة العمل مع الاختلاط بالرجال ، سواء المتزوجة وغيرها ؛ لأن الله -سبحانه- جبل الرجال على الميل إلى النساء ، والنساء جبلهن على الميل إلى الرجال ، مع وجود ضعف فيهن ، فإذا حصل الاختلاط وقعت الفتنة ، وصار سببا في وقوع الفساد ؛ لأن النفس أمارة بالسوء . لكن يجوز العمل في محيط ليس فيه اختلاط بالرجال بإذن زوجها، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء . أصحاب السماحة والفضيلة الشيخ عبد الله بن قعود والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.انتهى. مع العلم أن الإسلام قد أكرم المرأة ،والتاريخ أكبر شاهد للنساء الصالحات اللاتي ساهمن في رقي المجتمعات ، وشاركن في نهضة الأمة ، مع المحافظة على المهمة العظيمة التي خُلقن من أجلها ، فجمعن بين أحكام الدين ، والقيام بمهام الدنيا ، فمنهن التاجرات العفيفات ، كخديجة بنت خويلد ، ومنهن المفتيات للأمَّة ، والحافظات للسنَّة ، كعائشة بنت أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، ومنهن الشاعرات الباهرات (كالخنساء) ، ومنهن المحدثات المسندات ككريمة المروزية ، وغيرهن كثيرات سلفًا وخلفًا ، فما نُقل عنهن أنهن تبرجن تبرج الجاهلية الأولى , أو تمردن على الحجاب , أو خرجن عن الحياء والحشمة والعفاف ، أوتعرضن للفتنة ، لأنهن جميعًا يعملن بما يعلمن من قول الله { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }, ويعملن بقوله تعالى { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ }