المواطن- وهيب الوهيبي
شدد الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي -الدكتور صالح بن سليمان الوهيبي- على ضرورة دعم ومساندة الوجود العربي والإسلامي في أمريكا الجنوبية، وتجسير التواصل مع الهيئات والمؤسسات والجمعيات والمراكز الإسلامية والجاليات العربية هناك.
وحذر الوهيبي من تغلغل الوجود الشيعي -الذي تدعمه إيران- في بعض الدول بأمريكا الجنوبية، مضيفاً أن إيران حاولت اختراق الوجود الإسلامي في “ساوباولو” بالبرازيل بقوة، وأسسوا مسجداً للشيعة هناك، مستغلين بعض ذوي الأصول اللبنانية من الشيعة، ولكن الجالية المسلمة تصدت لهم، وخاصة الشباب المسلمون من أبناء الجالية.
وقال الدكتور الوهيبي: إننا سعينا -بصفتنا مؤسسات مجتمع مدني- مع الجاليات العربية والإسلامية في أمريكا الجنوبية، لتأسيس منظمة مثل “كير” -مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في أمريكا الشمالية- للدفاع عنهم، وما زالت الجهود متواصلة لتأسيس هذا الكيان.
جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها الوهيبي في “منتدى الجمعة” بالرياض، الذي أسسه المرحوم معتوق شلبي، وقدم للمحاضرة وأدار اللقاء الشيخ خالد العثمان، وكانت بعنوان “الوجود العربي والإسلامي في أمريكا الجنوبية”، تعرض فيها إلى نشأة الوجود العربي والإسلامي ومراحل الهجرة إلى أمريكا الجنوبية، ونسبة الوجود الإسلامي في كل دولة منها، والمؤسسات والجمعيات والمراكز الإسلامية هناك، ودور الندوة العالمية للشباب الإسلامي، والمشكلات التي تواجه الوجود العربي والإسلامي هناك، والرؤية المستقبلية للعرب والمسلمين.
وأوضح الوهيبي أن معظم دول أمريكا اللاتينية تتحدث لغات متعددة، ولكن يغلب عليها اللغتان الإسبانية والبرتغالية، نظراً إلى احتلال إسبانيا والبرتغال هذه الدول.
وأجاب الدكتور الوهيبي عن سؤال محوري “لماذا تتحدثون الآن عن أمريكا اللاتينية؟! وقال: هناك عدة أسباب تجعل من المهم الحديث عن الوجود العربي والإسلامي في هذه القارة وهي:
أولاً: إن دور العالم الإسلامي بدأ يتعاظم ويكون أكثر تأثيراً، خاصة بعد عام 1990م حين بدأت شعوب أمريكا الجنوبية تتنبه إلى الوجود الإسلامي.
ثانياً: دور العرب والمسلمين في هذه البلدان فقد تعاظم دورهم بعد أن كانوا عمالاً بسطاء، وصار اليوم منهم رجال أعمال وساسة وبرلمانيون ومنهم من انخرط في الحياة السياسية والحزبية.
ثالثاً: موجات الغلو التي أيقظت الغرب، وخاصة بعد أحداث (11 سبتمبر).
وقال الدكتور الوهيبي إن أمريكا الجنوبية قارة كبيرة، مساحتها أكثر من (18) مليون كم2 (17.850) مليون كم2، ومنطقة واسعة، وسكانها تجاوزوا نصف مليار نسمة، وتشمل (14) دولة، منها دول لها تأثير قوي الآن على الساحة الدولية، مثل البرازيل والأرجنتين.
وأشار إلى أن البرازيل دولة ضخمة فيها غابات الأمازون التي تمثل رئة العالم، وأن اللغة السائدة في البرازيل هي الإسبانية، فغالبية السكان وهم (200) مليون يتحدثون بها.
أما عن الديانة، فقال الوهيبي: يغلب على أمريكا الجنوبية الديانة الكاثوليكية بسبب المستعمر الإسباني والبرتغالي، ولكن الأمريكيين اخترقوا البرازيل بمنظماتهم الكنسية ونجحوا في أن يكون (20%) من البرازيليين من الأنجلو.
وأضاف أن البرازيليين لا يعيرون الدين أي اهتمام، ولكن القضية هي قضية الوجود الإسلامي في أمريكا الجنوبية بشكل عام، والتي نحن بصددها الآن.
وتناول الدكتور الوهيبي مراحل الوجود الإسلامي في أمريكا الجنوبية، وقال إنه كان مبكراً جداً، وبعضهم يجعله سابقاً على اكتشاف كريستوفر كولمبس للقارة، وهناك آثار تدل على ذلك، وبعض من زاروا دول أمريكا الجنوبية شاهدوا هذه الآثار.
وقال إن الوجود الإسلامي في أمريكا الجنوبية بدأ في التشكل وصارت له مؤسساته وجمعياته ومراكزه الإسلامية، وشيدت المساجد والمدارس والهيئات التي تجمع العرب والمسلمين.
وأضاف أن هناك دولتين -في القارة- أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وهما “سورينام” -وهي من الدول المؤسسة لمنظمة التعاون الإسلامي منذ عام 1969م ويشكل المسلمون فيها (20%) من السكان- وكذلك دولة “جويانا”، وهي عضو في منظمة التعاون الإسلامي. وكذلك دولة “ترينداد”، فيها وجود إسلامي قوي من ذوي الأصول الهندية.
وتناول الدكتور الوهيبي مراحل الوجود العربي والإسلامي في أمريكا اللاتينية، وقال: إن المرحلة الأولى تعود إلى نهايات القرن ال(15) الميلادي، 1492م، حين طرد المسلمون من إسبانيا، فهاجر بعض المسلمين إلى أمريكا الجنوبية قبل كرستوفر كولمبس، ولكن التاريخ الرسمي لأمريكا الجنوبية لم يتحدث عن وصول أعداد من المسلمين قادمين من إسبانيا والبرتغال فارين بعقيدتهم، بعد أن بدأت إسبانيا حربها على الإسلام والمسلمين، ولاحقت محاكم التفتيش المسلمين حتى في أمريكا الجنوبية.
وأشار إلى أن المرحلة الثانية كانت في القرن السابع عشر، مع قدوم الرقيق المستعبدين من السواحل الإفريقية، والذين أخذوا عنوة وقسراً من بلدانهم، وعددهم طبقاً للدراسات ما بين (40) و(50) مليوناً، وكان بينهم نسبة من المسلمين، وكان المسلمون هم الفئة المتعلمة، ومنهم من كان يتقن اللغة العربية، وعثر على آثار هؤلاء باللغة العربية مكتوبة بخط أيديهم في بعض دول أمريكا الجنوبية، وهؤلاء ممن قادوا الثورات ضد المحتل الإسباني والبرتغالي وضد الكنيسة، وهناك مناطق في البرازيل تحمل أسماء إسلامية مثل (بهية) و”رسيفي” ويوجد متحف يضمّ بقايا المصاحف وما كتبه المسلمون، وكنيسة بناها المسلمون على شكل مسجد، وهناك بعض أبناء أمريكا اللاتينية تدل أسماء أجدادهم على أنهم من أصول الإسلامية.
وأوضح أن الموجة الثالثة من الهجرة إلى أمريكا اللاتينية، كانت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومعظم هؤلاء كانوا من النصارى في الشام، بعد قيام دولة الاتحاد والترقي في تركيا، ومنهم قلة من المسلمين واليهود.
وكانت الموجة الأخيرة للهجرة العربية والإسلامية إلى أمريكا الجنوبية بعد نكبة 1948، وتجدد الأحداث في لبنان، فهاجرت مجموعة كبيرة إلى هناك.
ولفت الوهيبي إلى المثلث الذي يقع بين البرازيل والباراجواي والأرجنتين، والذي ينشط فيه المسلمون ويشتغلون التجارة.
وأوضح سمات الهجرة الأخيرة، وعدَّدها في عدة أمور: أولاً: أن غالبية المهاجرين أو معظمهم كانوا من المسلمين، وهم الذين شكلوا الوجود الإسلامي في هذه البلاد.
ثانياً: أن معظم المهاجرين ممن يعملون بالتجارة -وهم الذين ابتكروا تجارة التقسيط وأدخلوها هذه البلاد، واشتهروا بالأمانة.
ثالثاً: اهتمام المهاجرين المسلمين بقضايا أمتهم وأوطانهم في المناطق التي هاجروا إليها، وظهور المد القومي بينهم.
رابعاً: إصرار المهاجرين على استخدام اللغة العربية وحفظ هويتهم والصلة بأوطانهم والتزوج منها، وبعض هؤلاء حتى الآن لا يزوج أبناءه إلا من مسقط رأسه في لبنان وسوريا.
خامساً: تأثير الوجود الإسلامي في دول أمريكا الجنوبية.
ثم تعرض الدكتور الوهيبي إلى الوجود العربي في دول أمريكا الجنوبية، وقال إن هناك ما يسمى ب”سلسلة المناداة” من سوريا ولبنان، فيقوم كل مهاجر باستقدام مهاجرين من مسقط رأسه، وهناك قرى بالكامل نزحت من لبنان إلى دول في أمريكا الجنوبية، وخاصة من القرى الدرزية.
وأشار إلى أن العرب الذين هاجروا إلى أمريكا الجنوبية كان يطلق عليهم كلمة “تركس” أي القادمين من الأتراك، وكانت تدل على الاحتقار لأن المهاجرين الأولين كانوا عمالاً بسطاء غير متعلمين وذابوا في المجتمعات هناك، بعد تزوجهم من نصرانيات.
وقال د. الوهيبي، إن الوجود العربي والإسلامي صار الآن قوياً ومؤثراً، بل إن أكبر شارع في “ساوباولو” يحمل اسماً عربياً لبنانياً، وأكبر وجود إسلامي في “ساوباولو”، وهناك مكتب للندوة العالمية للشباب الإسلامي فيها له نشاط متميز، وهناك عدد كبير من المساجد، وفي البرازيل (1.5%) من السكان مسلمون، وذوو الأصول اللبنانية في البرازيل يصل عددهم إلى (10) ملايين، وفي الأرجنتين نسبة المسلمين (1%) من السكان، وفي فنزويلا نسبة مؤثرة من المسلمين هناك.
وعدّد الدكتور الوهيبي أبرز المشكلات التي تواجه المسلمين وهي:
أولاً: مشكلة الذوبان في المجتمعات هناك، وهي من أكبر المشكلات وناجمة عن الزواج المختلط وعدم المحافظة على الأبناء، وقوة تأثير الإعلام الذي يرسخ المفاهيم المحلية وإن كانت الأمور بدأت تتحسن.
ثانياً: التمييز العنصري وسوء المعاملة، خاصة بعد أحداث (11 سبتمبر) واستغلالها للإساءة إلى الوجود الإسلامي.
ثالثاً: التشرذم والتعصب داخل الصف العربي والإسلامي وبين أبناء الجاليات العربية والإسلامية.
وعن ماذا يريد العرب والمسلمون في أمريكا الجنوبية عدّد الدكتور الوهيبي عدة مطالب لهؤلاء أبرزها:
أولاً: إبلاغهم بالدعوة والمنهج الصحيح وأن يكون المبلغ قدوة وأنموذجاً لدينه لتبليغ الدعوة.
ثانياً: فتح قنوات حوار مباشر مع المجتمعات المحلية هناك والعلاقات مع الشعوب.
ثالثاً: دور الدبلوماسية الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية والإسلامية ومن جسور التواص مع الجاليات العربية والإسلامية في أمريكا الجنوبية.
رابعاً: أن تقوم الدول الإسلامية بدورها في دعم الوجود الإسلامي في أمريكا اللاتينية، وإنشاء المدارس والمعاهد والجاليات التي تدرس باللغات السائدة هناك إلى جانب اللغة العربية.
وأكد الدكتور الوهيبي أن الوجود الإسلامي يقوى في أمريكا الجنوبية وأشار إلى تعاون الندوة العالمية مع البنك الإسلامي في دعم المدارس العربية والإسلامية وإنشاء المساجد هناك.
وحذر من الوجود الشيعي الذي يحاول اختراق المسلمين، بينما تحدث عن الوجود الصوفي قائلاً: لا أعلم أن هناك وجوداً صوفياً منظماً، وإن كان هناك صوفية، فهي غير مؤثرة.
وأضاف الوهيبي: لقد أُهمل العرب والمسلمون في أمريكا اللاتينية كثيراً، ولكن بدأنا نتواصل مع المؤسسات الإسلامية هناك ونمد جسور التواصل معهم، ونعمل للوصول إلى غير المسلمين.
*أبوهاجوووس