شهد له الصحابة بالصُّحبة والفِقه؛ فعن ابن أبي مُليكةَ قال: "أوتر معاويةُ بعدَ العشاء بركعة، وعنده مولًى لابن عبَّاس، فأتى ابن عبَّاس، فقال : دعه؛ فإنَّه قد صحب رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ رواه البخاري. وعن معاوية صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "إنَّكم لتصلُّون صلاةً، لقد صَحبْنا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فما رأيناه يُصلِّيها، ولقد نهى عنهما؛ يعني: الركعتين بعد العصر"؛ رواه البخاري. " البداية والنهاية وعن أبي إسحاقَ قال: "كان معاوية؛ وما رأينا بعدَه مثله". دعا له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((اللهمَّ اجعلْه هاديًا مهديًّا))؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. وأخرج أحمد في مسنده عن العِرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((اللهم عَلِّم معاويةَ الكتاب والحساب، وقِهِ العَذاب)). وأخرج ابن أبي شيبةَ في المصنَّف، والطبرانيُّ في الكبير، عن عبدالملك بن عمير قال: قال معاوية: "ما زِلتُ أطمع في الخِلافة منذ قال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا معاويةُ، إذا ملكتَ فأَحسِن)). قال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يذكرون كِسرى وقيصر ودَهاءَهما، وعندكم معاوية!". ولولا فضلُ معاويةَ ومكانتُه عند الصحابة، لَمَا استعمله أميرُ المؤمنين عمر خلفًا لأخيه يزيدَ بعد موته بالشَّام، فكان في الشَّام خليفةً عشرين سنة، وملِكًا عشرين سنة، وكان سلطانُه قويًّا. سُئل عبدالله بن المبارك: أيهما أفضل: معاويةُ بن أبي سفيان، أم عمرُ بن عبدالعزيز؟ فقال: والله إنَّ الغُبار الذي دَخَل في أنف معاويةَ مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل مِن عُمرَ بألف مرَّة؛ صلَّى معاوية رضي الله عنه خَلفَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربَّنا ولك الحمد، فما بعد هذا؟! عن أبي أُسامة، قيل له: أيُّهما أفضل: معاوية أو عمر بن عبدالعزيز؟ فقال: "أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يُقاس بهم أحد"، قال الإمام النووي: "وأمَّا معاوية فهو مِن العدول الفضلاء، والصحابة النُّجباء"؛ شرح النووي على صحيح مسلم. ولَمَّا مات علي رضي الله عنه ذهب الناس إلى الحسنِ بن علي - رضي الله عنهما - ليبايعوه، فبايعوا الحسن، فتنازل الحسنُ عن الأمر لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وحَقن دماءَ المسلمين، وحقَّق ما قاله مِن قبلُ الصادق المصدوق صلَّى الله عليه وسلَّم فقد جاء في "صحيح البخاري": أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم صَعد يومًا على المنبر، وأجلس إلى جانبه الحسنَ بن علي، ثم نظر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الناس ونظر إلى الحسن، وقال: ((أيُّها الناس، إنَّ ابني هذا سيِّدٌ، سيصلح الله به بين فِئتين عظيمتَين مِن المسلمين)). وكانت خلافة معاوية خيرًا للمسلمين؛ انطفأتِ بها الفِتنة، واجتمع المسلمون على رايةٍ واحدة، وعادتِ الفُتوحات، وسار معاوية رضي الله عنه سِيرةً حسنة بالناس، فقرَّب البعيد، ولم يبقَ في أيَّامه معارضٌ؛ سوى قلَّة من الخوارج، وفي عهده اشتهر ما يُسمَّى بالصوائف والشواتي، وهي غزوة الشِّتاء والصيف. عن أمِّ حرامٍ: أنَّها سمعت رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((أوَّلُ جيشٍ من أمَّتي يغزون هذا البحرَ قد أوجبوا))، فقالت أمُّ حرامٍ: يا رسولَ اللَّه، أنا منهم؟ فقال: ((أنتِ منهم))، ثمَّ قال رسولُ اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أوَّل جيشٍ من أمَّتي يغزون مدينةَ قيصر مغفورٌ لهم))، فقالت أمُّ حرامٍ: يا رسول الله، أنا منهم؟ قال: ((لا))؛ رواه البخاري، قال الحافظ ابن حجر: "قال المهلَّب: في هذا الحديث منقبةٌ لمعاويةَ؛ لأنَّه أوَّل مَن غزا البحر، ومنقبةٌ لولده يزيد؛ لأنَّه أوَّل مَن غزا مدينةَ قيصر" ا.هـ. وفي عهده أقام دارًا لصناعة السُّفن في مصر، وفتح القسطنطينية، وفتح تكريت، ورودوس، وبنزرت، وسوسة، وسجستان، وقوهستان، وبلاد السند، وبَنَى القيروان، وتحوَّلت الخلافة في عهده إلى مُلك؛ فعن سفينة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خلافة النبوَّة ثلاثون سنة، ثم يُؤتِي اللهُ الملكَ مَن يشاء، أو مُلكَه مَن يشاء))؛ رواه الترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح. ومِن أقواله وحِكمه رضي الله عنه: "لا حَكيمَ إلاَّ ذُو تَجرِبَة". وكان يقول: "كلُّ الناس أَقدِرُ على رضاه، إلاَّ حاسد نعمة؛ فإنَّه لا يُرضيه إلاَّ زوالها" ---- منقول .