المكان : شاطئ بحر القصب المسمى حاليا بخليج السويس،
الزمان : في مثل هذا اليوم العاشر من المحرم المعروف بعاشوراء قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة
-----------------------------------------------------------
من بعيد بدت العاصفة الرملية ،
أصوات تتعالى تدريجيا مع اقتراب الغبار الثائر،
صليل معادن و دبيب مدوٍ يتصاعد ، يبدو أنه وقع سنابك خيل يختلط بصهيلها الذى يتضح رويدا رويدا،
يبدو أنه ما كانوا يفرون منه .
ليست عاصفة رملية إذا إنما هى سحابة تراب أثارته سنابك خيل الطاغية .
تردد الخبر بين الجمع الواقف على مشارف بحر هائج ترتطم أمواجه بأقدامهم ثم تعود آفلة إلى منبعها لتتلوها أمواج أخر،
توجهت أنظار الجمع القلق إلى الجيش الجرار الذى يقترب بخطى حثيثة،
يبدو أنه لا فائدة ،
سرى ذلك الشعور فى قلوب قوم ما انفكوا عن الإرجاف لأعوام و قد أفسدت فطرتهم عقود من الظلم و الاستعباد جعلت شعار لومهم لمنقذهم و قائدهم : " أوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا " ،
لم يتغيروا على ما يبدو،
اليأس نفسه و الخوف الذى طالما صاحبهم يظهر الآن من أعين تدور فى محاجرها كالذى يغشى عليه من الموت ،
إنا لمدركون ..
كلمتان حوتا عديدا من المؤكدات اللفظية نطق بها بنو إسرائيل بأصوات رعديدة تقطر بالفزع و تنضح بفقدان الأمل ،
و كأنهم نسوا كل ما مر بهم ،
وكأن كل الآيات التى رأوا فيها تجليات قدرة ربهم يجريها على يدى قائدهم قد تم محوها من أذهانهم ،
يا لضعف ذاكرتكم !
أنسيتم العصا المتحولة و اليد البيضاء من غير سوء آية أخرى ،
أغفلتم عن الجراد و القمل و الضفادع و الدم التى ابتلى بها عدوكم و مذلكم و قومه بينما نجاكم الله منها ؟
ويحكم ، أين عقولكم ؟!
إنه نبيكم و منقذكم الذى ما كذبكم يوما ،
أولم يعدكم أن يهلك ربكم عدوكم و يستخلفكم فى الأرض من بعدهم فينظر كيف تعملون ،
فمالكم كيف تحكمون ؟!
ثم كانت الصفعة ؛
صفعة يقين على قلب كل مرجف واهن أكد بيأس أنهم مدركون ،
صفعة بكلمة من ثلاثة أحرف بددت غيابات الإرجاف البادى من صياحهم ،
كلا ....
قالها الكليم وضيئة تتلألأ بأنوار العقيدة ،
كلا ...
قالها حاسمة قاطعة لا شك فيها ،
و كيف لا يفعل و هو من ارتقى على درجات الثقة درجة تلو أخرى ،
كيف لا يفعل و قد تعلم الدرس مرة بعد مرة ،
تعلم أنه لا يخاف لدى الله المرسلون ،
تعلم ألا يخاف و هو الأعلى بإيمانه ،
تعلم أنه بآيات ربه و من اتبعه الغالبون ،
و تذكر الوعد الربانى ؛
الوعد الذى كلمه به ربه منذ أعوام مخاطبا إياه و أخاه :
لا تخافا إننى معكما أسمع و أرى ،
هذا الوعد الذى وجد قلبا خصيبا لتنمو فيه جذور الثقة المطلقة فى مآل الأمر و تنبت منها شجرة طيبة من يقين راسخ أصلها ثابت و وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها .
و كان من أُكُلِها أن قال بعد حرفه الحاسم :
" إن معى ربى " ،
إنه يدرك معنى المعية ؛ معية الملك الحق ،
فكيف يخاف أو يشك ؟!
إن معه ربه يسمع و يرى ،
لا شك إذاً أنه سيهدى ،
لذا قالها بحزم نافذ : " سيهدين " ،
لكن كيف ؟!
لا توجد أسباب ؛
من أمامهم بحر لجى ثائر لا يأمن أصحاب السفن على أنفسهم فيه ، فما بالك بقوم قد أجهدهم طول المسير فى صحراء مصر الشرقية وقد جفت حلوقهم و جلودهم تحت حر شمسها ، و لا مركب لهم إلا أقدام قد كلت من عناء الرحلة ،
و من خلفهم طاغوت و جيش هادر لا هم لهم و لا غاية إلا إفناءهم ،
من أين أتيت بهذا اليقين يا موسى ؟!
دلنا إذا على المفر وخبرنا بربك عن طريق النجاة .
و من أدراكم أنه يعرف بعد ؟!
إنه يصدق ربه ، و هذا قد يسبق علمه بالتفاصيل لكنه يوقن أنه سيعلم فى الوقت المناسب ،
و هاقد علم ،
قد جاء الوحى ،
وصل روح القدس القوى الأمين ،
ها هى العصا ترتفع من جديد لا لتتحول هذه المرة إنما لتحول ؛
لتحول مغرقا عميقا ، إلى ملاذ آمن ، و سبحان من جعل المغرق ملاذا ، و الملاذ مغرقا !
نعم ؛
لقد كان الملاذ يوما مغرقا لولد نوح عليه السلام ، فلم ينجه جبل آوى إليه و لم يعصمه ارتفاعه من أمر الله ،
و ها هو المغرق يتحول إلى الملاذ الوحيد الذى سيأوى إليه موسى و قومه ،
مشهد مهيب لم تر الدنيا مثله ؛
جبلان عظيمان من الماء كأنهما شلالان يهدران عن اليمين و الشمال و بينهما أودية ضيقة يختلط طين أرضها بشعب مرجانية حادة يجاهد القوم فى تفاديها و المرور من خلالها ،
يا له من مشهد و يا لها من آية !
لقد انشق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم ،
مر بنو إسرائيل يسارعون الخطي ، و لو نظر أحدهم إلى جبل الماء بجواره لربما أفزعه ظل قرش يتجول ، أو سرب مخلوقات بحرية يسبح بحثا عن رزقه ، و لا تفصل بينهم و بينه إلا أمتار.
لكن الله أراد لهم أن يمروا ،
و أن يأمنوا و ينجوا .
--------------------------------------------------------------------------
ومن بعيد كان المشهد مختلفا :
الزمان: قبل قليل من الأحداث السابقة
المكان : على بعد مئات الأمتار منها ،
إنه ركب الطاغوت و جيش الظالم مدعي الألوهية و الجبروت ،
مائة ألف فارس على مائة ألف أدهم بخلاف العبيد و الخدم ،
إنه ركب فرعون .
ابتسامة عريضة تعلو شفتيه الغليظتين و قد بدا له مبتغاه من بين سحائب الغبار التى تثيرها سنابك خيله و رجله ،
ها هو الجمع يظهر من بعيد على ضفاف بحر بلاده ،
ليس لهم من ملجأ منى الآن ؛
هكذا قال لنفسه ،
الآن حان وقت الخلاص من أولئك المتمردين الذين يشككون فى ربوبيته ، و يزعزعون ركائز أسطورته ،
آن الأوان ليكونوا عبرة لمن يأتى خلفهم و تسول له نفسه أن يحذو حذوهم ،
ازدادت ابتسامته اتساعا و هذه الأفكار تتردد فى ذهنه متذكرا أحداث الساعات و الأيام السابقة ،
نشوة رهيبة تملأ صدره العريض حين استرجع قدرته على تشويه موسى و من معه ببعض كلمات استخف بها قومه فأطاعوه ،
إن هؤلاء لشرذمة قليلون ،
هكذا حقرهم و سفه من شأنهم أمام قومه ،
ثم جاء وقت التحريض ،
إنه حريص أن يبدو فى مظهر المشاور الذى لا يأخذ قرارا بمفرده ،
تنهد و كادت تفلت منه ضحكة ساخرة حين تذكر كيف حرك قومه كقطيع من الماشية بقوله ؛
و إنهم لنا لغائظون ،
و إنا لجميع حاذرون ،
لقد تحدث بلسانهم و سيطر على أفكارهم و ما أراهم إلا ما رأى ،
يا ليتها حتى كانت خطبة عصماء طويلة ،
إنها بضع كلمات خدع بها شعبا من المستخفين استحقوا أن يكونوا بذلك من الفاسقين ،
و ها هو قد دنا من بغيته و اقتفى أثر عدوه و اقتربت المواجهة التى اشتاق إليها منذ أعوام أذله فيها موسى مرة تلو أخرى،
نعم أذله ،
حتى ولو لم يعترف بذلك أمام أحد ، لكنه كان يوقن بذلك فى قرارة نفسه،
لقد هزمه فى كل تحدٍ ،
علا عليه فى كل مفاصلة ،
و هل ينسى يوم النيروز ؛
يوم الزينة حين ألقى سحرته ساجدين و آمنوا برب موسى و هارون ،
يا له من يوم محرج و وصمة عار فى تاريخه ،
صحيح أنه أطاح بأولئك السحرة المتمردين المتآمرين لكن المرارة لم تفارق حلقه قط ؛
مرارة الهزيمة و فزع المشهد حين رأى عصا موسى تلقف أفاعى أتباعه ،
و المرارة الأكبر حين اضطر أن يبعث لموسى يرجوه أن يدعو ربه ليكشف الرجز و المجاعة و الآفات التى حلت بقومه ،
اختفت الابتسامة و تلاشت النشوي ، حين بلغت الذكريات هذا المبلغ ،
لقد اجترأ موسى على تحديه فى كل موضع ، و قلَّب عليه أقرب الناس إليه ، حتى وصل الأمر إلي امرأته التى آمنت بموسى ، وإلي صاحبه و قريبه الرجل المؤمن الذى وقف هو الآخر يتحداه على الملأ ،
لكن لا بأس ،
ها قد حانت لحظة الانتقام ،
سيذكر التاريخ طويلا هذا اليوم و سيجعل عاشوراء عيدا يحتفل به المصريون و يتذكرون كيف نكل إلاههم بهؤلاء المتمردين الذين يبدون قليلى الحيلة من بعيد،
لكن .. ما هذا ؛
ما هذا الذى يحدث للبحر ؛
ما هذا الصوت الهادر الذى يصم الآذان ؟!
تسمر الجيش فى مكانه ، و جفلت الخيل ، و كادت أن تسقط براكبيها لهول المشهد ،
إنه الموج يتعالي ،
ما يحدث وتراه العين شيء مستحيل ؛
لقد صار الموج يصافح السحاب و كأنه طود شاهق !
هلموا أيها الرعاع ،
تحركوا،
أدركوهم ،
لا يمكن أن يفلتوا هذه المرة ،
أسرعوا فلقد كادوا يغيبون عن البصر و تطويهم ظلال جبلى الماء ،
هيا اقتحموا ، ما لكم تترددون ؟
إن كان موسى قد عبر فما يمنعنا من العبور خلفه ؟!
إنها مجرد ظاهرة طبيعية لعلنا فقط لم نسمع بها من قبل ،
هيا أيها الجبناء ،
ها أنا أتقدمكم و لا يرهبنى هدير الماء و لا ظلال متجول الحيتان ،
تقدم الجند على مضض حين رأوا قائدهم الأحمق يقتحم تلك المخاضة المرعبة ،
تقدموا يهمهمون باعتراض مكتوم ، لم تمكنهم نفوسهم المستخفة الفاسقة من البوح به ، رغم أنهم يشعرون بقدر الحماقة التى هم مقبلون عليها ،
إنهم يعلمون جيدا أن هذه معجزة جديدة من معجزات موسى فكيف يأمنون ألا تسلط عليهم ؟
يا لكبر قائدنا و غروره !
هلموا أيها الجبناء ،
رددت جبال الموج صيحة قائدهم يستحث خطاهم للحاق به فى قعر البحر المشقوق ،
بدأ القلق يخبو شيئا فشيئا و قد صاروا فى منتصف المسافة تقريبا ، و ظهرت أ ضواء الضفة الأخرى على مرمى البصر ،
ها قد اقتربنا و يبدو أنه قد صدق قائدنا ،
أسرعوا الخطي فهاهو موسى و قومه يظهرون على الضفة الأخرى و قد عبروا بسلام ،
وفرعون يحث الخطي و يكاد يطير بفرسه ،
هل هو قلق ؟
هل هو خائف أن نكون وحدنا بين جبلى الماء ؟
أين ثقته التى كانت تقطر من حروفه منذ قليل حين حمسنا للدخول ؟!
فجأة : التأم البحر، انطبق ،
هكذا وبدون مقدمات ،
عاد البحر لسابق عهده و ارتطم جبلا الماء !
غاب الجند فى الأعماق و كتمت الأمواج صرخاتهم فلا تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ،
" فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون" ،
صوت مكتوم منفرد هو المسموع الآن ؛
صوت يغرغر مختنقا بعبرات تختلط ملوحتها بملح البحر و طميه الذى يدسه جبريل فى فمه الفرعونى المنعم ،
" آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " ،
يا لها من عبارة طويلة بالنسبة لهذا الموقف العصيب ،
كل تلك الحروف و الكلمات و ليس فيها الكلمة الأعظم ،
ليس فيها اسم الله !
ألهذه الدرجة ثقل لسانك الأثيم عن النطق باسم الله ؟!
تدعى الإيمان الآن ؟
" آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" ،
و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن .
ازداد الاختناق و توالت السكرات و الحسرات و الندم على ما فات ،
لكن هيهات هيهات ،
لقد هلك ،
و مات ،
مات أفجر طاغية عرفته البرية ،
مات من قال أنا ربكم الأعلى و ما علمت لكم من إله غيرى ،
مات الذى قال أليس لى ملك مصر و هذه الأنهار تجرى من تحتى،
ها هى تجرى من فوقه البحار و لات حين مناص ،
ها هو يغيب رويدا رويدا تحت الأمواج ،
و لكن كلا ،
لابد أن يكون آية ،
لابد أن يعرف الخلق أنه قد هلك لا يقولن أحدهم إله علا فى سماء ،
لابد أن يروه و الطين فى فمه و الرعب على قسماته ،
" فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ" ،
اليوم ،
يوم عاشوراء ،
الذى ظننت يا فرعون أنه سيكون يومك وعيدك الذى سيتحاكى فيه الناس عن بطولاتك و أمجادك ،
لقد ظل يوما مشهودا ،
يوما من أيام الله الذى جحدته و استكبرت على عباده ،
يوما أظهر الله فيه عبده عليك ، و تركك آية لمن خلفك ،
و صدق الموقن الكليم فى حرفه الواثق ؛
كلا ،
إن معى ربى سيهدين ،
فها هو قد هداه و نصره ،
لم تزل الرحلة طويلة ، ولم يزل الطريق شاقا ، و الله ينظر كيف يعملون ،
لكنه سيبقى اليوم المشهود ،
يوم ظهر الحق و زهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا ،
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" .
من كتاب العودة إلى الروح
بقلم
د. محمد علي يوسف
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" .
يوم عاشوراء ،
الذى ظننت يا فرعون أنه سيكون يومك وعيدك الذى سيتحاكى فيه الناس عن بطولاتك و أمجادك ،
لقد ظل يوما مشهودا ،
يوما من أيام الله الذى جحدته و استكبرت على عباده ،
يوما أظهر الله فيه عبده عليك ، و تركك آية لمن خلفك ،
و صدق الموقن الكليم فى حرفه الواثق ؛
كلا ،
إن معى ربى سيهدين ،
فها هو قد هداه و نصره ،
لم تزل الرحلة طويلة ، ولم يزل الطريق شاقا ، و الله ينظر كيف يعملون ،
" فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ" ،
أتدري؟ قد يكون الإنسان قصير العلم؛ لكنه عالي المروءة، رجل في خصاله .. هذا خير في نفسه وخير للأمة ممن له باع طويل في العلم أو الدعوة لكنه جبان القلب خسيس رعديد ، يلبس خصال الخير التي جاء بها الشرع بباطل طباعه ليخفيها عن الناس! المشكل أنه قد يبتلى الأول بالثاني يزين له العجز والجبن بزخرف من القول ويستدل له بنصوص ومواقف ينزلها على غير محالها .. وكثيرا ما يلتبس الورع بالجبن، وتلتبس الحكمة بالتواني؛ بجامع الترك في كل .. لكن الله يعلم المفسد من المصلح! هنا .. قد يألف الأول القعود والبطالة المبررين حتى يغلب الكسب الطبع فينتكس مخادعا نفسه بأن هذا مقتضى الشرع! وهذا يفسر لك سبب شجاعة بعض العامة وإقدامهم المحمود حين أدبر من يقتضي وضعه تقدمه! وقد يفطن إلى لبس الحق بالباطل وأن الدين بريء من خلق الثاني، فينقلب عليه .. ثم إن عصمه الله من الشطط في رد الفعل = عدل مع الثاني - وإن تركه وجفا عنه - ولم يهدر كل فضائله، وحذر الناس مع ذلك من مسلكه .. وإلا انقلب عليه شر انقلاب ولم يعرف له فضلا، وقد يزين له الشيطان ذلك وينفخ فيما لديه من جرأة وإقدام وشجاعة فيلبسها بما تلتبس به من غلو يخرجها عن عدل الشرع إلى جور النفس وظلمها وسوء خلقها. والمخرج من ذلك كله: صدق اللجأ إلى الله والاستعانة به على تزكية النفس، ومجاهدتها المرة تلو المرة بلا يأس ولا ملل، وإدمان النظر في هدي النبي صلى الله عليه وسلم والاستنان بمن قد مات من أولي الأمر العتيق.
وأعظم الخذلان أن يلتبس عليك الحق فترى حسنا ما ليس بالحسن. وليس يرجع نعيم الدنيا كله إلا إلى باب واحد: أن يريك الله الحق حقا ويرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه، والا يجعله ملتبسا عليك فتضل وأعظيم نعيم الآخرة ميسور تري الحق سبحانه متجليا لعباده المؤمنين، ذلك بأن الله هو الحق. فالنعيم كله في الحق ومنه وإليه ...!
(واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولوشئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أوتتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)
أقلل عتابك فالبقاء قليل ... والدهر يعدل مرة ويميل
ولعل ايام الحياة قصيرة ... فعلام يكثر عتبنا ويطول
ولعل أحداث وووالمنية والردى يوما ستصدع بيننا وتحول
فلئن سبقت لتبكين بحسرة وليكثرن علي منك عويل
ولتفجعن بمخلص لك حبل الوفاء بحبله موصول وامق
ولئن سبقت ولاسبقت ليمضين من لا يشاكله لدي خليل
وليذهبن بهاء كل مروءة وليفقدن جماله المأهول
وأراك تكلف بالعتاب وودنا صاف عليه من الوفاء دليل
ود بدا لذوي الإخاء جماله وبدت عليه بهجة وقبول
ولعل ايام الحياة قليلة فعلام يكثر عتبنا ويطول ...! مما راق لى ....!
لا إله إلا الله.. من أجمل ما قرأت..
والله كأني أول مرة أسمع القصة بهذا الأسلوب الخرافي ما شاء الله
حسيت كأني معهم .. مشكور يا غالي على النقل ..
إذا أذن الله في بزوغ الفجر .. شدد من ظلمة الليل .. ولكن خلف أستار الظلام تجري سنن الأقدار بحكمته .. وتدور حركة الأكوان بأمره .. لتمضي مشيئته بشروق الشمس جديد من .. إنها حقيقة المرحلة .. دولة الظلم إلى زوال .. والإسلام قادم .. وحركة الكون تمضي في طريق التمكين .. وتلك الأيام نداولها بين الناس .. والله غالب على أمره .. ولكن أكثر الناس لا يعلمون ....!
تدعى الإيمان الآن ؟
" آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" ،
و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن .
ازداد الاختناق و توالت السكرات و الحسرات و الندم على ما فات ،
لكن هيهات هيهات ،
لقد هلك ،
و مات ،
مات أفجر طاغية عرفته البرية ،
مات من قال أنا ربكم الأعلى و ما علمت لكم من إله غيرى ،
مات الذى قال أليس لى ملك مصر و هذه الأنهار تجرى من تحتى،
ها هى تجرى من فوقه البحار و لات حين مناص ،
ها هو يغيب رويدا رويدا تحت الأمواج ،
و لكن كلا ،
لابد أن يكون آية ،
لابد أن يعرف الخلق أنه قد هلك لا يقولن أحدهم إله علا فى سماء ،
لابد أن يروه و الطين فى فمه و الرعب على قسماته ،
" فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ" ،
اليوم ،
فى يوم مشهود
الذى ظننت يا فرعون أنه سيكون يومك وعيدك الذى سيتحاكى فيه الناس عن بطولاتك و أمجادك ،
لقد ظل يوما مشهودا ،
يوما من أيام الله الذى جحدته و استكبرت على عباده ،
يوما أظهر الله فيه عبده عليك ، و تركك آية لمن خلفك ،
و صدق الموقن الكليم فى حرفه الواثق ؛
كلا ،
إن معى ربى سيهدين ،
فها هو قد هداه و نصره ،
لم تزل الرحلة طويلة ، ولم يزل الطريق شاقا ، و الله ينظر كيف يعملون ،
لكنه سيبقى اليوم المشهود ،
يوم ظهر الحق و زهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا ،
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" .
قصدت باب الرجا والناس قد رقدوا
وبت أشكوا إلى مولاي ما أجد
وقلت يا أملي في كل نائبة
يا من إليه لكشف الضر اعتمد
اشكوا إليك أمورا أنت تعلمها
مالي على حملها صبرا ولاجلد
وقد بسطت يدي بالذل مفتقرا
اليك ياخير من مدت اليه يد
فلا تردنها يارب خائبة
فبحر جودك يروي كل من يرد