العقوبة و التهديد لطفلك .. هل تحل المشكلة ؟

قبل 10 سنوات

العقوبة و التهديد هل تحل المشكلة ؟

قد لا يتفق الآباء على شكل العقوبة التي عادة ما ينفذونها بحق أبنائهم كلما ارتكبوا خطأً معيناً إلا إن الجميع يعتقد بأن أسلوبه في هذا المجال هو الأسلوب الأصلح بل ويسوق المئات من الأدلة على الأثر الإيجابي الذي تركه هذا الأسلوب على سلوك أبنائه.

بداية أرى من الضروري الإشارة قبل كل شيء إلى أهم الحالات التي تدفع الآباء الى تنفيذ العقوبات بحق أبنائهم؛ وألخصها في التالي:


1-السلوك السيء الذي يصدر عن الطفل والمتمثل في الكلمات النابية التي قد يستعملها ضد الآخرين أو الإساءة إليهم وهو ما يوصف عادة ب(قلة الأدب) وبالتالي لا يجد الآباء خياراً آخر غير تنفيذ العقوبة الرادعة بحق الطفل.

2- التصرف الخاطئ الذي يصدر عن الطفل كما لو كان ثرثاراً أو لا يبالي لأتساخ ثيابه أو يبعثر أغراضه وحاجياته.

3- حالة العناد وعدم الاستجابة لأوامر الآباء ورغباتهم.

هناك أمران مهمان يجب أن يأخذهما الآباء بعين الإعتبار قبل أن يقدموا على أية اجراءات بخصوص سلوك أولادهم:

أولاً: إن على الآباء وهم يفتشون عن التدابير اللازم اتخاذها لمواجهة سلوك أبنائهم السيء أن يدركوا حقيقة أنهم يحاولون من خلال هذه التدابير تهذيب سلوك أبنائهم وليس التنفيس عن غضبهم وسخطهم، فهم لا يبحثون عن حل لمشكلة في داخلهم بل لمشكلة في داخل أبنائهم.

وثانياً: إن على الآباء وخصوصاً اولئك الذين يستخدمون العقوبة القاسية تجاه أبنائهم التريُّث قليلاً وتذكر نقطة مهمة هي أن ما دفع بأبنائهم إلى ارتكاب هذه الأخطاء هو التربية السيئة التي تلقاها هؤلاء الأبناء من الآباء أنفسهم، فما هو ذنب هؤلاء الأبناء إذن لكي يتعرضوا للعقوبة القاسية؟
ولابد من الإشارة هنا الى انه ليس هناك من يطلب من الآباء ترك أبنائهم دون عقاب بل المطلوب هو اختيار العقوبة المناسبة التي تحقق الغرض منها، ومادام الهدف هو تهذيب سلوك الطفل فإن كل ما يحقق هذا الهدف هو المطلوب في الواقع.

هناك نوعان أساسيان للعقوبة التي تنفذ بحق الأبناء والتي تختلف مظاهرها وأشكالها في مجتمعاتنا حتى أصبحت تعد من المستلزمات الأساسية لعملية التربية وهي:

1- العقاب الجسدي ويكون عادة باستخدام الضرب الذي يعدّ الشكل الشائع لهذا النوع من العقاب أو دفع الطفل وشده أو حجزه في زاوية من المنزل أو حرق أجزاء من بدنه وغير ذلك من أنواع العقاب الجسدي غير الجائز شرعاً وقانونا.

2- العقاب النفسي ويكون عادة بشتم الطفل وسبه أو قول الوالدين للطفل أنهما لم يعودا يحبانه أو يخاصمانه ولا يتحدثان معه لفترة طويلة وغير ذلك من أشكال العقاب النفسي.

إن المسألة لا تتعلق بصحة هذه العقوبات أو خطأها، بل العبرة كما أشرنا فيما تحققه من نتائج إيجابية او سلبية على سلوك الطفل وبالتالي فإن العقوبة تبقى مقبولة إلى الحد الذي لا تترك فيه أثاراً سلبية، ومتى ما كان الطابع الغالب على العقوبة سلبياً تماماً فإن هذه العقوبة ستكون مرفوضة جملة وتفصيلا.

إنّ الأمر الأساسي المرجو من العقوبة التي تمارس بحق الأبناء هو إفهامهم أن ما ارتكبوه هو أمر خاطئ كان يجب عليهم أن لا يرتكبوه أبداً، فلو أمكن إفهامهم ذلك عبر الكلام الهادئ واللطيف فهل تعد هناك حاجة للعقوبة؟ خصوصاً وإن الكثير من الأطفال تتم معاقبتهم بسبب أفعال ارتكبوها وهم لا يعرفون

حقيقتها، بل والأنكى من ذلك هو حالة التذبذب في المعاملة مع الابناء من قبل الآباء وهو ما يعرض الأبناء للارباك والحيرة وعدم الوضوح في الرؤية؛ بمعنى أن يترك الطفل دون محاسبة لفعلة سيئة في فترة معينة ثم يحاسب على فعلة مشابهة في فترة أخرى الأمر الذي يجعل الطفل حائراً لا يميز بين الصواب

والخطأ ولا يدري أحسنٌ ما قام به ام سيء؟.. ولو كان سيئاً فلماذا لم تتم محاسبته أول مرة.


تحدث أحد الباحثين عن خطورة التهديد ودوره في المجال التربوي فقال: “إذا كانت العقوبة لغرض التأديب، فليطمئن الوالدان بأنَّ التهديد يضعف من أثر التأديب، كأن تهدِّد الأم صغيرها بالضرب أو حرمانه من شيء يحبه ونفَّذت التهديد، فالسلبيات تدخل في أنواع العقوبة المؤذية التي لها آثار سلبية فضلاً عن

عدم جدواها في التأديب، وإذا لم تنفذ التهديد فهو خطأ جسيم آخر لأنه يضعف من شخصيتها أمام الطفل”,ويضيف الباحث قائلاً: “ومن هنا نلاحظ أن التهديد سواء نفذ أم لم ينفذ فلا فائدة مَرْجوَّة منه، ولا يصل بالوالدين إلى الهدف الذي ينشدانه في تأديب الطفل حتى بالتهديد المثير للذعر، ويجب على الوالدين تجنبه لأنه يؤثر على مشاعره ويزيد في مخاوفه ويثير قلقه.


إن الهدف من العقوبة ليس إيجاد حل لمشكلة في داخل الآباء بل حل للمشكلة التي يعاني منها الطفل وتصحيح سلوكه السيء، لهذا فعلى الآباء أن لا يقعوا فريسة المشاكل النفسية التي يعانون منها والتي قد تدفعهم لاتخاذ القرار الخاطئ وهم يهمون بمعاقبة أبنائهم.

يرى علماء التربية أن هناك عوامل نفسية تكمن وراء استخدام الوالدين أنواع العقوبة القاسية وهي ما يلي:

1- تعرض الوالدين في صغرهم لنفس العقوبة التي يستعملونها مع أبنائهم، كردة فعل نفسية يندفع إليها الفرد عندما لا يتمكن من رد الأذى عن نفسه في الفترة التي كان فيها صغيراً ضعيفاً.

2- تنفيس لحالة الغضب التي يعايشها المعاقب بسبب توتره من كلمة أو إهانة أو مشكلة يعاني منها ولا يقدر على مواجهتها فتنعكس على الأبناء .

3- شعور الوالدين بالعجز تجاه تصرفات أبنائهم الخاطئة أو مع الآخرين، لضعف شخصيتهم، وعدم ثقتهم بأنفسهم، الأمر الذي يدفعهم إلى تنفيذ العقوبة القاسية بحق أبنائهم للتغطية على ضعفهم والظهور بمظهر القوة .
وهناك عدد من الإجراءات التي يوصى بها الآباء كبدائل للعقوبة التي ينفذونها بحق أبنائهم لسلوكهم السيء.

وهنا لابد من القول أن أية عملية إصلاح تتطلب الصبر والتأني وذلك لكي تحقق الفائدة المرجوة منها وإلا فليست هناك عصا سحرية يمكن أن تقلب الأمور رأساً على عقب في لحظة واحدة أو تحول الطفل المشاغب العنيد إلى حمل وديع, وهذه البدائل هي:

1- على الآباء أن يوثقوا علاقتهم بأبنائهم لأن ذلك حق من حقوق هؤلاء الأبناء أولاً، ولأن القربة المستمرة تدفع الأبناء إلى تقليد آبائهم وبالتالي تتحسن عاداتهم ويتهذب سلوكهم.

2- منح الابناء الثقة بالنفس عبر اصطحابهم لمجالس الكبار مثلاً والأسواق والمتاجر وجعلهم يقومون بعملية البيع والشراء وغيرها من الأمور بأنفسهم وذلك بهدف إشعارهم بذاتهم وتنمية شخصيتهم.

3- اختيار الوقت المناسب لتوجيه الابناء وذلك بصورة غير مباشرة وعبر القصص والمواقف المفتعلة، ومن هذه الأوقات وقت الطعام أو المشي معهم.

4- استخدام القصص كوسيلة مفيدة لتوصيل المعاني التي يريدها الآباء، وبإمكانهم شراء مجموعة من القصص المفيدة وتقديمها كهدية لأبنائهم.

5- استخدام المقاطعة والخصام كأسلوب أساسي في العقاب، وفي حال كانت علاقة الآباء قوية وحميمة بأبنائهم فإن هؤلاء الأبناء سوف لن يسمحوا أبداً بفقد العلاقة الحميمة.

6- على الآباء وقبل اتخاذ أي اجراء بحق أبنائهم أن يسوقوا بعض الأعذار والتفسيرات المحتملة لسلوك أبنائهم وهو ما يهديء من غضبهم وبالتالي يتمكنوا من معالجة الأمر بهدوء وروية.

العقوبة و التهديد لطفلك .. هل تحل المشكلة ؟
عندك أي منتج؟