التوازن المستحيل .. بين الإسلام والكفر في مصر
بقلم د. طارق عبد الحليم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يتحدث البرلمانيون الديموقراطيون "الإسلاميون" عن الحلول الديموقراطية والسيادة البرلمانية والنيابية، وكأنها هي الحلّ الواقع الذي لا محيص عنه، إن أردنا "الحرية"، التقدم والحداثة، ثم الإسلام! وهذا حديث يصدق عليه مثل العرب "حديث خرافة يا أمّ عمرو". والسبب في خرافة[1] هذا الحديث أنّ تلك الوسائل قد أُنشأت وقُنّنت أصلاً لأمور لا علاقة لها بحرية ولا عدلٍ ولا مساواة، في بلاد الغرب. ودع عنك الساعة البُعد العقديّ في هذه المسألة، وإن كان ارتباطه بها ارتباط اللُّحْمة التي لا تنفك عن جسدها. ثم اليك المَحَاجّة.
تميزت السياسة الديموقراطية الغربية، التي أنشأت قواعدها وأمْلت تفاصيلها قوى الصهيونية العالمية، لحفظ مصالحها الإقتصادية، وللسيطرة على القوى التي قد تخرج عن مسار تلك المصلحة، تميزت بلعبة التوازنات. والتوازنات السياسية، في تلك السياسة، تعنى أن يحتفظَ كلً فريق، وهما عادة فريقان لا أكثر، كما في الحزبين الديموقراطي والجمهوريّ في الولايات المتحدة، وكما في حزب العمال المحافظين في انجلترا، يحتفظ كلّ فريقٍ بقدرٍ من القوة، وعدد من الأوراق التي تهدّد خصمه حتى لا يمحيه من الساحة.
لكن هناك قاعدتان أساسيتان تحكمان هذه اللعبة، بكل صرامة وقوة. الأولى أنّ كلا الكتلتين المتصارعتين تعملان تحت إطارٍ واحدٍ من التوجهات العامة التي تنتصر لمبادئ معينة، لا تحيد عنها سواء حَكَمَ ديموقراطيّ أو جمهوري، أو محافظٌ أو عماليّ، أبيض كان أو أسود، وهي حفظ مصلحة الصهيونية العالمية، من خلال تأمين مصالح المؤسسات الكبرى ودعم البنوك. وقد رأينا ذلك كأوضح ما يكون في حقبة انهيار الإقتصاد الأمريكيّ والأوروبي عام 2007 وبعدها، حين خرجت الحكومة بدفعات خيالية من المال تعد بمئات البلايين من الدولارات، منحة للبنوك، دون قيود على استعمالها أو صرفها! ورغم اعتراض الغالبية على هذا التصرف المريب، إلا أنّ وسائل الإعلام الصهيونية المُجرمة كانت كعادتها في كل مكانٍ ووقت بالمرصاد، خادمة للهدف الصهيونيّ، فمسحت المسألة من ذهن المشاهد العامي المسكين.
ومثال من التاريخ القريب على ذلك التميّع الحزبيّ، أنّ الحزب الديموقراطيّ في أمريكا كان هو المناهض لوثيقة تحرير العبيد، المعروفة بالتعديل الدستوري رقم 13[2] والذي تبناها الحزب الجمهوريّ بقيادة لينكولن، والتي أنهت الحرب الأهلية الأمريكية عام 1865. والعجيب في الأمر أنّ الحزب الديموقراطيّ الذي تقوم مبادئه على نصرة الأقليات كالسود والشواذ وحقوق المرأة، كان هو العائق ضد هذا التغيير، بينما الحزب الجمهوريّ الذي تتمَحور مبادئه حول الرأسمالية ونصرة القوة الإقتصادية، بلا رعاية للأقليات، كان هو من قدّم هذا التغيير وتبنّاه. وما هذا إلا لأنّ الجنوب الأمريكيّ، صاحب النسبة الكبرى من السكان السود، كان في أمّس الحاجة لكسب نصرة السود، لتحسم الحكومة الفيدرالية التي يقودها الجمهوريون حينذاك أمر انتصارها. تبّا إذا للمبادئ، وليقف الجمهوريّ ضد الديموقراطيّ، مع الأسود ضد الأبيض لجلب النصر ودَحر العدو، لا لمحبّة الحق والبحث عنه.
والقاعدة الثانية، أنّ تلك المواجهات والتوازنات لا تخرج عن قاعة المجالس النيابية إلى الشارع بحالٍ من الأحوال. ذلك حتى لا تكون لرجل الشارع كلمة في الأمر، ويكون الحسمُ في يد الحفنة المختارة، التي اشترتها الصهيونية سلفاً. ومن هنا، فإن تلك التوازنات لم تُجدى نفعاً في حسم الخلاف الأهليّ بين الشمال والجنوب الأمريكيّ، حتى حَسمَته يد القوة والسلاح.
فإذا أخذنا هذه الأمور في إعتبارنا، رأينا أنّ تلك اللعبة الديموقراطية برمتها، ما هي إلا خيالات مريضة كخيالات "خرافة".
إن ذلك التوازن الذي نراه في الشارع المصريّ اليوم، بين القوى العلمانية الصرفة الكافرة، والتي، رغم أقليتها، تتمتع بالدعم الماليّ والإعلاميّ الواسع، وبين القوى البرلمانية الديموقراطية "الإسلامية"، الإخوان والسلفيين، وحازم أبو اسماعيل، الواقف على سلم الوسط، الذين يملكون القوة العددية، ويفتقدون الرؤية والإرادة، عنصريّ الثلاثيّ الذي يقرر العمل الذي ثالثهما القدرة، هو توازنٌ لا يمكن أن يُثمر حلاً ولو بعد قرون. ولن يكن هناك تحوّل لصالح جهة إلا إن خرجت الجماهير المسلمة ثائرة ثورة لا تبقى ولا تذر. أما هؤلاء الكفار العلمانيون، فإنّ موعدهم يوم ينتهى أو يتوقف الدعم الماليّ، وكما يقال في الغرب "الغنيّ برئٌ حتي ينفذ ماله"[3]!
إن الحسم في مجال التغييرات الإجتماعية الكبرى لا يتم إلا عن طريق القوة، الحركة البَاتِرة المُستَأصِلة التي لا تدع مجالاً لحوارٍ مع عدوٍ لا يرتضى الحوار. إن البرلمانيين الديموقراطيين "الإسلاميين" يعتذرون بأن القوى العلمانية الكافرة هي قوى "وطنية"، أي تعيش في نفس الوطن، ومن ثم ليست عدواً! ونسأل هؤلاء الغافلين المُغفلين عن الحق، ألم يكن أهل الشمال وأهل الجنوب في الحرب الأمريكية مواطنين يعيشون على نفس الأرض؟ ثم، السؤال الأكبر، ألم يكن كفار قريش يعيشون على نفس الأرض في مكة؟ أيقصد هؤلاء الزائفون المزيّفون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاد "حرباً أهلية" ضد قومه. والله إنّ من زعم هذا، أو زعم ما يدلّ عليه فهو كافرٌ حلالَ الدم والمال والعرض. فإن طبيعة الإسلام وتوجيهه للبشر، هي التي تعلو حتى في غير أهله وعلى غير أرضه، أنّ "الحسم في مجال التغييرات الإجتماعية الكبرى لا يتم عن طريق القوة"، لا عن طريق الصناديق، يا أصحاب العقول المغاليق.
إن ذلك التوازن بين الإسلام والكفر، الذي نراه في الشارع المصريّ الآن، والذي تدعمه سياسة خُوّان الإخوان، وغَفلة السّلفيين، وتميّع حازم أبو اسماعيل، لن يؤدى إلا إلى خَرابها خَراباً لا قِيامة لها بعده. ألا إنّ الطريق، كما شَهدت أحداث التاريخ في كافة أنحاء الأرض، وفي كلّ الحضارات، أن المنهج الإلهيّ هو ما تعلو به الكلمة وترجح به الكفة، فإن كان حقاً فحق، أو باطلاً، فكم علا من باطلٍ اتخذ مظهر الحق ووسائله.
* 31 مارس 2013