التغيرات الهيكلية أثرت في الطلب العالمي على النفط

قبل 9 سنوات

التغيرات الهيكلية أثرت في الطلب العالمي على النفط
أكد المستشار الاقتصادي والنفطي الدكتور محمد سالم سرور الصبان أن السياسة النفطية للمملكة تسير على الطريق الصحيح، نافيا وجود تآمر سياسي من قبل بعض دول الأوبك تجاه الدول الأخرى، مشيرا إلى أن المملكة وكذلك الأوبك مستمران على ترك السوق النفطي يصحح نفسه، خاصة أن ترك الأوبك حاليا للأسواق حتى تصحح نفسها ليس للمرة الأولى، بل فعلت ذلك خصوصا في الثمانينات من القرن الماضي، حينما وجدت المنظمة نصيبها في الأسواق قد بدأ في التآكل التدريجي، إذ أن تثبيت المملكة لسقف إنتاجها النفطي هو الأصلح.

وبين الصبان أن الارتداد السعري للنفط يبدأ في منتصف أو نهاية العام الحالي 2015، لكنه لن يصل إلى الأسعار السابقة.

* ما يحدث لسوق النفط حاليا تكرار لما حصل في الماضي، فماذا تقول؟
- أسواق النفط متخمة منذ فترة بفائض في المعروض لا يقل عن مليوني برميل يوميا، لعدد من العوامل، أولا: تسيد العوامل الجيوسياسية في منطقتنا خلال الأربع سنوات من 2011 لمنتصف العام الماضي 2014، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط وبقائها على ارتفاعها طوال هذه الأعوام لأكثر من 110 دولارات للبرميل في المتوسط، وهو ما نتج عنه تغيرات عديدة هيكلية أثرت على العرض والطلب العالمي على النفط، وشجعت شركات النفط العالمية سواء المنتجة للنفط التقليدي أو الصخري على الاستثمار في الحقول ذات التكاليف المرتفعة، كما تحققت قفزات كبيرة في إنتاج النفط وعلى الأخص الصخري الذي ينتج في الولايات المتحدة الذي وصل الى حدود أربعة ملايين برميل يوميا، ومضى بالإنتاج الأمريكي حتى زاد مجمله إلى أكثر من تسعة ملايين برميل يوميا، العامل الثاني: هو تأثير الطلب العالمي على النفط لسنين عديدة ماضية من خلال إجراءات ترشيد الاستهلاك، والمعايير المطبقة في معظم دول العالم، لزيادة كفاءة الاستخدام، خاصة في قطاع النقل الذي يبقى جبهة رئيسية للنفط بعد أن فقد معظم نصيبه في القطاعات الأخرى كتوليد الكهرباء والصناعات المختلفة، وقد لاحظنا تزايد إحلال مصادر الطاقة الأخرى في كثير من القطاعات محل النفط، فالسيارات الكهربائية على سبيل المثال أخذت نصيبا متزايدا في الأسواق، كما أن النقل العام في مختلف الدول بات يعتمد على الغاز والكهرباء والوقود الحيوي، كما نجد أن الدول الصاعدة كالصين والهند وغيرها التي يعول عليها في معظم الزيادات المتوقعة في الطلب العالمي على النفط، بدأت تتفادى أخطاء الدول الصناعية السابقة، من خلال تبني إجراءات تزيد من كفاءة الاستخدام ووضع المعايير الملزمة لذلك، وإحلالها لمصادر الطاقة الأخرى محل النفط لتحقيق الوفر اللازم في فاتورة وارداتها، إضافة إلى أن الاتفاقيات الدولية الحالية أو التي ستبرم نهاية هذا العام في باريس لمواجهة تغير المناخ المحتمل ستدفع العالم وبصورة انتقائية إلى مزيد من تخفيض استهلاكه من النفط كأحد عناصر الوقود الأحفوري.

علما أن جميع هذه التغيرات الهيكلية أثرت في الطلب العالمي على النفط، وأدت إلى إضعاف العلاقة بين النمو الاقتصادي والنمو في الطلب على النفط، بل بعض الدول الصناعية فصمت هذه العلاقة، لنجد أنها تنمو اقتصاديا بينما طلبها على النفط ينخفض.

من جانب آخر، أثرت معدلات نمو الطلب العالمي على النفط، وهو ما تعاني منه بعض دول العالم الرئيسية من تباطؤ في نموها الاقتصادي ودخولها مرحلة الركود كاليابان وإلى حد ما دول الاتحاد الأوروبي، إضافة الى تباطؤ بعض الاقتصادات الصاعدة كالصين، وبالتالي الانخفاض في أسعار النفط طبيعيا ويعكس مجموعة عوامل كالعوامل الجيوسياسية التي ظهرت بوضوح خلال السنوات الماضية، ومن الغريب أن بعض مسؤولي الأوبك اعتقدوا أن تدهور أسعار النفط العالمية كان مفاجأة، بينما تحدثنا عن قدومه في أكثر من وسيلة إعلامية خلال العامين اللذين سبقا بداية الانخفاض (يونيو 2014).

* ما موقف الأوبك من تدهور أسعار النفط؟
- الأوبك مرت بأصعب اجتماع لها في نوفمبر الماضي 2014، بسبب سرعة تدهور أسعار النفط العالمية وما صحبه من مناداة بسرعة تخفيض إنتاجها، وبالتالي كانت أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما.. أولا: تخفيض سقف إنتاج المنظمة في محاولة لإعادة أسعار النفط إلى مستوياتها السابقة، رغم ما يحمله هذا الخيار من احتمالية استمرار زيادة الإنتاج من النفط التقليدي والصخري مرتفع التكاليف، بالتالي قد لا تكفي جولة واحدة من تخفيض الإنتاج بل تتبعها جولات أخرى تفاقم من انحسار نصيب الأوبك في سوق النفط العالمية، وقد وضح من خلال المناقشات التي جرت قبل وأثناء اجتماعات الأوبك أنه وبرغم رغبة أعضاء الأوبك والمنتجين من خارجها انتشال الأسعار من مستواها المتدني، لكنهم يشيرون إلى الآخرين وتحديدا المملكة للقيام بتخفيض الإنتاج، مستخدمين مختلف الأعذار التي كان بعضها مقبولا نوعا ما، كوقوع بعض المنتجين تحت طائلة عقوبات دولية، أو حروب أهلية تعم هذه الدولة أو تلك، بينما احتج آخرون بالظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشونها.

وقد نتج عن المناقشات الثنائية والمتعددة عدم التخفيض الجماعي، وتحمل المملكة العبء الأكبر بالإضافة أيضا إلى دول مجلس التعاون الأعضاء في منظمة الأوبك وهو ما رفضته المملكة وشقيقاتها، لكونه مخلا بمعادلة التوزيع العادل لأعباء التخفيض، وعدم حل المشكلة، وما يؤديه أيضا إلى استمرار فائض المعروض العالمي في التفاقم، تضطر المنظمة على إثره إلى مزيد من التخفيض.

ثانيا: ترك الأسعار تأخذ مداها في الانخفاض حتى يتضح السعر الحقيقي الذي يعكس أساسيات العرض والطلب السائدة في أسواق النفط العالمية.

إيقاف تآكل نصيب أوبك في الأسواق لصالح منتجين مرتفعي التكاليف لم يكن مطروحا بصورة جدية في بداية اجتماع الأوبك في نوفمبر الماضي 2014، لكن إجماع دول الأوبك فيما بعد بعدم تخفيض إنتاجهم النفطي أدى إلى تبني البديل الثاني والمتمثل في ترك السوق يصحح نفسه وإن أخذ فترة أطول من المتوقع.

وبالتالي قرار تثبيت سقف إنتاج الأوبك جماعيا الذي لم تعترض أو تتحفظ عليه أي من الدول الأعضاء، يدحض مقولة التآمر السياسي من قبل بعض دول الأوبك على دول أخرى، إذ أيضا اعترفت إيران الأسبوع الماضي بأن انخفاض أسعار النفط سببه الفائض المعروض النفطي في الأسواق.

* وهل صحح سوق النفط نفسه؟
- برغم الطول النسبي لفترة تدهور أسعار النفط (يونيو 2014) وإلى الآن، لاحظنا أن الأسعار لا تزال تتراوح عند مستوى أعلى بقليل من خمسين دولارا للبرميل.

* الفائض في المعروض النفطي لا يزال يتنامى، فما الأسباب؟
- بالرغم من تأثر الإنتاج العالمي من النفط عموما والصخري خصوصا بسبب تخفيض عدد منصات الحفر، لكن ليس هنالك تخفيض فعلي للإنتاج، بل يزداد نتيجة خطط سابقة، وما يتم ذكره بأن معدلات نمو إنتاج النفط الصخري ستتباطأ في السنوات القادمة حال استمرار أسعار النفط عند مستوياتها المنخفضة، نقول بأن هذا الأمر لم ولن يقتصر على النفط الصخري مرتفع التكلفة، بل تعداه إلى النفط التقليدي الذي ترتفع تكاليف إنتاجه بسبب استخراجه من المياه العميقة كنفط بريطانيا في بحر الشمال ونفط البرازيل وأنجولا وغيرها، مما يعني تأثر الاستثمارات القادمة في النفط، ولكن لم نسمع عن إغلاق حقول نفط بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية.

الأمر الآخر.. لم يستجب الطلب العالمي على النفط بعد انخفاض أسعار النفط بسبب عدم تعافي الاقتصاد العالمي، وتوقع مزيد من التباطؤ في نموه هذا العام (من 3.4% إلى 3.0% لهذا العام 2015). كما أن التغيرات الهيكلية في الطلب العالمي على النفط ساهمت في تحقيق مزيد من الجمود في المرونة السعرية للطلب، وبالتالي تحتاج إلى وقت أطول لإحداث زيادات طفيفة في الطلب.

* وهل ستستمر السياسة السعودية في نهجها؟
- إذا ما أخذنا في الاعتبار جميع العوامل السابقة، فلا أرى هنالك مبررا للمملكة أو دول الأوبك لتغيير ما تبنته. وقد ذكرت محطة (BBC) أنه يجب على المملكة ودول الأوبك الاستمرار في تناول الدواء الذي وصفته لنفسها حتى الشفاء، لأن سرعة إيقافه غير مفيد وربما يؤدي إلى انتكاسة المريض، لا سمح الله، وهذا ما علمنا إياه أطباؤنا الأفاضل.

والمملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - مستمرة على نهجها في السياسة النفطية، مثلما كانت عليه في عهد والدنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يرحمه الله - مما يدل على قناعتها التامة بنجاح هذه السياسة التي تحتاج إلى وقت لازم لإحداث الأثر المطلوب وبالتالي حفاظ المملكة على نصيبها في أسواق النفط العالمية.

* وما تفسيرك للارتدادات السعرية للنفط؟
- البعض يفسرها بأنها بداية لعكس اتجاهات أسعار النفط والعودة إلى الأسعار المرتفعة، في الوقت الذي نحوم فيه حول القاع السعري كما يعتقد، علما أن الارتداد الحقيقي المستديم قد يبدأ في منتصف أو نهاية العام الحالي 2015، لكنه حتما لن يصل إلى الأسعار السابقة التي تجاوزت المائة دولار، بسبب الضعف الهيكلي في أسواق النفط، والدورة الاقتصادية الجديدة التي تعيشها، علما أن السياسة السعودية المتبعة للدفاع عن نصيبها في الأسواق أعطت نتائج أولية مبشرة، خاصة أنها أكبر المنتجين من حيث الاحتياطي والإنتاج النفطي، كما ألجمت كل من انتقدها في الماضي محققة النجاح في الثمانينات باتباعها لذات السياسة، وهي اليوم في طريقها إلى النجاح أيضا، إذ لا ينبغي لها الالتفات إلى ما تتعرض له من انتقادات بعض الدول.

التغيرات الهيكلية أثرت في الطلب العالمي على النفط
عندك أي منتج؟
الكل: 1

منتجو النفط خاسرون ومستوردوه رابحون .. كيف ذلك وإلى متى؟

لم تسلم الدول المصدرة من الآثار السلبية للتراجع الحاد الذي شهدته أسعار النفط التي تواصلت حتى يناير/كانون الثاني قبل أن تسترد بعض مكاسبها خلال الفترة القليلة الماضية، لكن تقييم الآثار تختلف نسبتها من بلد للآخر، حيث انكماش الأسعار وتباطؤ التضخم خصوصا في أوروبا وإعادة توزيع الثروة من المنتجين إلى المستهلكين.

وفي هذا الصدد أشارت شركة إدارة الأصول الشهيرة "بلاك روك" إلى أنه مع توقع استهلاك العالم نفطا بقيمة 3.4 تريليون دولار عام 2015 وبانخفاض الأسعار 50% -على اعتبار سعر البرميل 100 دولار-فإن هذا يعني توفير 1.7 تريليون دولار للمستهلكين في العالم ومستوردي النفط.

هذا على عكس المصدرين، حيث ترى "بلاك روك" أن إيرادات تلك الدول وميزانيتها تعتمد بشكل رئيسي على سعر النفط الخام، في الوقت الذي تتحول فيه الثروات من المنتجين إلى المستهلكين.

ولأن الدول المصدرة للنفط تحظى بمعدلات ادخار أعلى بحوالي 25% من نظيرتها المستهلكة وفقاً لبيانات شركة الأبحاث "إيفركور آي إس آي"، فإن ذلك يعني إعادة توزيع للثروة على مستوردي النفط ومن ثم ارتفاعا في صافي الاستهلاك العالمي وكذلك النشاط الاقتصادي.

إعادة التوزيع هذه ستبُقي أثرا سلبياً على الدول المصدرة للنفط الخام مع انخفاض سعره 50 دولاراً وهو ما توضحه الخريطة التالية التي اعتمدت "بلاك روك" في إعدادها على بيانات لصندوق النقد الدولي وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، حيث يبقى الأثر السلبي واضحا على الناتج المحلي الإجمالي للدول المصدرة أكثر من غيرها.

شارك

وأشار بحث "بلاك روك" الصادر الشهر الماضي إلى تقسيم الدول المنتجة للنفط إلى 3 مجموعات لرصد الآثار المرتبة على تراجع أسعار النفط.

1-دول مثل السعودية، الإمارات، والنرويج التي يمكنها تحمل عجز في الميزانية في المدى القصير تستطيع تمويله من احتياطيات كبيرة تملكها من فترة الارتفاع السابقة، ويمكن لها تحمل انخفاض الأسعار النفط (السعودية تعتمد بحوالي 87% من صادراتها على قطاع الطاقة).

2-منتجو نفط بملاءة مالية أقل مثل المكسيك، ماليزيا، البحرين، عمان، وكولومبيا، والتي يمكنها أن تلجأ إلى التقشف المالي زيادة الاقتراض، وهي لديها القدرة على بلوغ أسواق رأس المال نظرا لضعف ديونها الخارجية.


3-تبقى فئة المنتجين مع وفورات نقدية ضعيفة بالتزامن مع إمكانية أقل لبلوغ الأسواق للاقتراض، وهذه الدول هي الأكثر عرضة لانتكاسات مفاجئة في تدفق رؤوس الأموال فضلا عن انخفاض قيمة العملة، وتبقى فنزويلا ونيجيريا مثالين واضحين على تلك النوعية.

ففي الوقت الذي تمثل فيه الطاقة 97% من صادرات السلع في فنزويلا، إلا أن احتياطيها من العملات الأجنبية لا يزيد عن 2% من ناتجها المحلي الإجمالي.

وتسبب انخفاض أسعار النفط الحاد في دفع البلد اللاتيني التي تعد الأرخص عالميا في سعر بيع البنزين إلى إعلان وزير ماليتها "رودلفو ماركو" يوم الجمعة تغييرا في سياسة دعم الوقود الذي يكلفها حوالي 12 مليار دولار سنويا.

ونوه الوزير في حديث نقلته "رويترز" إلى أنه لم يبق مقبولا أن يكون ثمن قطعة حلوى أعلى من لتر البنزين.

هذا يعني أنه قد حان الوقت للدول المصدرة كي تعيد النظر في سياسة دعم الطاقة التي تقدمها والتي باتت تشكل عبئاً على الميزانية حال تواصل بقاء أسعار النفط الخام عند مستويات منخفضة لا تتناسب مع طموحات الحكومات.

ويمثل الرسم التوضيحي التالي حجم الدعم المقدم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي حسب التوقعات المرصودة لعام 2014 والتي تصدرتها فنزويلا بمعدل فاق 12%، ثم إيران، ومصر التي تعد من الدول المستورة التي حلت ثالثة، والسعودية العضو في "أوبك" رابعة.



ويرى بعض المراقبين أنه مهما تعددت الأسباب وراء هبوط النفط، تبقى السياسة لاعباً أساسياً لا يمكن إغفاله، ولأن دهاليزها مغلقة على أهلها إلى حد كبير، يبقى من الصعب استكناه تحركاته.

لكن التخلص من الدعم المقدم للوقود على طبقة من فضة لمستهلكين قد لا يشعر بعضهم بأهمية عدم استنزافه وضرورة الحفاظ عليه-سنت أمريكي واحد يشتري حوالي 5 جالونات بنزين في فنزويلا- أحد الحلول للسيطرة على التداعيات السلبية لتراجع أسعار النفط، بجانب إجراءات تغييرات هيكلية في اقتصادات الدول المصدرة للنفط.

ويبقى الإشارة إلى أن القضاء على الفقر وانعدام المساواة والفساد، أولويات لا بد من تفعيلها بجانب وقف اعتمادية إيرادات المصدرين –خصوصا من "أوبك"- على النفط والطاقة بشكل عام والتي تمثل النسبة الأكبر في صادرات سلع تلك الدول للعالم الخارجي ومن ثم تظل عرضة لتذبذب مؤشر أسعاره باستمرار.

أضف رداً جديداً..