- الهيجان: الصحة لديها إرث تاريخي في تدني مستوى الخدمات الصحية
- الرزين: تأخُّر قضايا الهيئة الطبية يكمن في تأخُّر رأي الخبير
- الأحيدب: تعصُّب الوزير للطبيب لا للمهنة جعل الأطباء في مأمن من العقوبة
- رئيس الهيئة الصحية: الصحة لا تتدخل في أحكام الهيئة
- وزارة الصحة لا ترد على استفسارات الإعلاميين وتتجاهل اتصالاتهم
غزوان الحسن، ريم سليمان، دعاء بهاء الدين– سبق: مثلت الأخطاء الطبية أقسى حالات الألم النفسي في نفوس ضحاياها؛ فما أصعب أن يستجير مريض بطبيب ثم يخذله! وأخذ ازدياد تلك الأخطاء داخل المستشفيات السعودية، الحكومية منها والخاصة، يؤرق مرتاديها؛ ما أفقد الكثير منهم الثقة في الخدمات المقدمة لهم. ولعل غياب الإحصاءات الدقيقة الموضحة نسبة الأخطاء الطبية تقف عائقاً أمام تحديد حجم الكارثة.
"سبق" تسلِّط الضوء مجدداً على ملف الأخطاء الطبية أملاً بتحريك ضمائر وقلوب المعنيين؛ لوضع نهاية لهذا المسلسل الذي طال عرض حلقاته.
فتح بطن بالخطأ
نتيجة لتشخصيه الطبي الخاطئ فتح أحد الأطباء في مستشفى الولادة والأطفال بحائل بطن امرأة في شهرها الثاني، معتقداً أن حَملها خارج الرحم، إلا أنه بعد فتح البطن تأكد أن الحمل داخل الرحم! وقال زوج المواطنة "سعد العوفي" لـ"سبق" إن الطبيب الموجود بالمستشفى أكد له أن زوجته تعاني من نزيف حاد داخل الرحم، وحَمل خارج الرحم؛ ويجب القيام بعمل جراحي على الفور، وبعد الانتهاء من العمل الجراحي تبيّن أنه كتب في التقرير: "لا يوجد نزيف داخلي والحَمل داخل الرحم والعملية استكشافية"!
وتساءل العوفي: "كيف يتم فتح بطن حامل بالشهر الثاني للاستكشاف؟! من يتحمل هذا الخطأ الطبي؟!".
وتابع العوفي: "تقدمت بشكوى رسمية ضد الطبيب لمدير المستشفى".
حقنة بالخطأ
بدأ المواطن "سعد العتيبي" حديثه لـ"سبق" قائلاً: "فقدت ولدي بعد انتظار سبع سنوات نتيجة لخطأ طبي من قِبل إحدى الطبيبات؛ إذ كانت زوجتي تراقب الحمل منذ الأشهر الأولى، وفي الشهر الرابع بدأت تشعر بآلام شديدة؛ ما جعلها تراجع الطبيبة التي أعطتها حقنة وبعض الأدوية، وبعد يومين فقط سقطت زوجتي، وضاع فلذة كبدي الذي انتظرته كثيراً، وتقدمت بشكوى ضد الطبيبة للمستشفى، وفوجئت بعرض المستشفى تعويضاً مادياً عن الخطأ، ورفضت، وأحمد الله الآن؛ إذ عوضني ربي بتوأم هما كل حياتي".
خدمات متدنية
وأرجع عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالرحمن الهيجان الخطأ الطبي إلى ضَعف عملية التعليم التنظيمي من الأخطاء في المستشفيات، وضعف إمكانات المستشفيات من الكادر الطبي والتجهيزات، مؤكداً أن وزارة الصحة لديها إرث تاريخي في تدني مستوى الخدمات الصحية، محاولةً القيام بدورها. مطالباً بضرورة تسليط الضوء بشكل أكبر على مستوى الخدمة الطبية، ومعتبراً خوف الأطباء من إعلان أي خطأ وإنكاره أزمة بحد ذاته.
وحول غياب النِّسب والإحصاءات في قضية الأخطاء الطبية، قال الهيجان: "لا نحتاج لمعرفة الأرقام؛ فحالة واحدة فقط تمثل أزمة؛ ويجب الوقوف عليها".
أرقام طبية
وكشف آخر كتاب إحصائي سنوي لأعمال الهيئة الشرعية لعام 1433 عن صدور 335 قراراً ضد العاملين في القطاع الصحي بنسبة 49.9 %، وصدور 282 قراراً ضد العاملين في وزارة الصحة بنسبة 42 %، و37 قراراً ضد العاملين في القطاعات الصحية العسكرية، وضد العاملين في القطاعات الصحية الجامعية 3 قرارات، وبلغ عدد المدعين 672 مدعياً، في حين كان المدَّعى عليهم 1390، أُدين منهم 512 بنسبة 36.8 %، وبلغت نسبة المدانين من المدعى عليهم 70 ممارساً طبياً بنسبة 29 %.
وعن تصنيف القرارات الصادرة حسب التخصص "موضوع القضية" جاء تخصص النساء والولادة في المرتبة الأولى، وشكل 155 قراراً، بما نسبته 23.1 من القرارات، يليه تخصص الأمراض الباطنية 101 بما نسبته 15 %. وكانت وزارة الصحة قد كشفت خلال العام الحالي عن توجهها لزيادة عدد الهيئات الصحية الشرعية للإسراع في الفصل بتلك القضايا.
وتؤكد الإحصاءات الرسمية أن مجموع قضايا الأخطاء الطبية المعروضة على الهيئات الصحية الشرعية في السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية وصل لـ 5105 قضايا، وصدرت قرارات في 2139 قضية، من بينها 1239 قراراً متعلقاً بوفيات الأخطاء الطبية، وصدر قرار إدانة في 415 منها، استغرقت 6545 جلسة.
تعصب طبي
وقال الكاتب في جريدة عكاظ "محمد الأحيدب" في حديثه لـ"سبق" إن وزارة الصحة تعاني من حالة مرضية باتخاذها موقف المدافع عن الأخطاء الحاصلة، وإن وقوف الوزير متعصباً للطبيب لا للمهنة جعل الأطباء في مأمن من العقوبة.
وتذكر " الأحيدب" الندوة الأولى لوزير الصحة؛ إذ أقحم الإعلام في تضخيم الأمور، متناسياً دور الطبيب في الأخطاء الحاصلة، مطالباً الوزير بأن يقف إلى جانب المريض، وليس الطبيب، وأن يحاسبه على أخطائه بشكل رادع، ومشيراً إلى ضياع الكثير من الحقوق في الهيئة بسبب تأخير القضايا، وقال: "يجب أن يكون للمريض محام متخصص في الطب، يدافع عن حقوقه في الهيئة".
وأوضح لـ"سبق" أن دور الوزير يظهر ويبرز عندما يمنع تلوثاً أُصيب به مريض، وليس عندما نزوره أو حتى نتصور معه، مؤكداً غياب الدراسات الإحصائية بخصوص الأخطاء الطبية؛ فهناك ملفات لدى الهيئة الشرعية تستمر لسنوات بسبب زيادة الدعاوى.
واستعجب من نوعية الأخطاء غير المتوقعة وغير المقبولة التي تظهر حالياً، مؤكداً أن هناك من يموت من عملية زائدة نتيجة إهمال طبيب!
كما انتقد بعض الأطباء في المستشفيات الحكومية الذين يُدفع لهم رواتب هائلة، وبالرغم من ذلك يتركون عملهم ومرضاهم، ويذهبون إلى المستشفيات الخاصة للمزيد من الدخل تحت علم ومباركة الصحة؛ ما ينتج منه التسيُّب.
وفي النهاية ختم حديثه بالتأكيد على أن أهل المريض أو المتوفَّى لا يبحثون عن التعويض بقدر ما يبحثون عن الجزاء والعقاب على الإهمال، في ظل وزارة تدافع عن المخطئين، وهيئة شرعية تعطل الحقوق.
لا مماطلة ولا تأخير
وردًّا على اتهامات البعض بمحاباة الهيئة الشرعية للأطباء وتباطئها في الفصل في الدعاوى، أكد رئيس الهيئة الصحية المتخصصة بالنظر في الأخطاء الطبية في المستشفيات الجامعية والعسكرية لـ"سبق"، القاضي "حمد الرزين"، أن الصحة لا تتدخل في أحكام الهيئة، والهيئة لا تتبع لوزارة الصحة؛ فهي جهة تنظيمية وتابعة لوزارة العدل.
وعن المدة التي تنتظرها الهيئة حتى تنظر القضية قال الرزين: "في القضايا التابعة لي لا يوجد تأخير أو مماطلة، وعادة ما تنتهي القضية في أيام أو أسابيع، ولا تصل أبداً للأشهر". مشيراً إلى أن التأخير يأتي من الخارج؛ فعمل الهيئة مرتبط بعرض القضايا على خبراء، وهنا تكمن المشكلة في إيجاد الخبير المناسب وانتظار رأيه.
وحول ما قاله الكاتب "الأحيدب" بعدم وجود محام لصاحب الشكوى بالهيئة؛ ما يتسبب في كثير من الأحيان في ضياع الحقوق، قال: "هذا غير صحيح؛ فالهيئة لا تمانع في حضور محام عن الطرف المدعي، ولا يحق لنا أن نمنع نظاماً، إلا أننا نصر على حضور الطبيب".
وقال: "بدأت تتزايد الشكاوى بشكل لافت في السنوات الماضية؛ ما يدل على زيادة وعي المواطن"، مؤكداً أن "أي صاحب حق يتجه للهيئة يأخذه، ولا أحد فوق القانون كائناً من كان، سواء أطباء أو مستشفيات أو غيرها، وإذا حدث أي تجاوز أو تقصير بحق للمواطن فإنه يلجأ إلى ديوان المظالم، ويتظلم خلال المحكمة الإدارية".
همسة محرر
في ختام حديثنا نقول: "أيها الوزير.. مكاتبكم الإعلامية والناطقون الإعلاميون هم واجهة عمل وزارتكم؛ قوِّموا عمل تلك المكاتب، ووجهوها للرد عن استفسارات الإعلاميين؛ بهدف الوصول إلى المعلومة الصحيحة من مصدرها".