يقول:
كنت في صغري صبيح الوجه، خفيف الدم، أمتلك مواهب شتى في أول صورة جماعية لي في صف الروضة، وضعت بالقرب من ابن المدير في الصف الأول، ووضعت بالقرب منا كرة كبيرة، لكي تكون أول ما تلفت نظر الناظر هذه الكرة، فيكون ابن المدير هو الأول المستأثر بالنظر، ثم أنا، فمن غير المعقول أن يصف بجانب ابن المدير، أجلح أملح، وهكذا فزت بالصف الأول في التصوير في جميع المراحل الدراسية.
وأثار فضولي ابن المدير، وبدأت أسائل نفسي: لماذا نال ابن المدير هذه الأهمية؟ وتمنيت كثيرا لو كان أبي مدير المدرسة، وبدأت أراقب المميزات التي تمطر على ابن المدير.
ابن المدير دائماً الأول، ومشارك، وبالطبع فائز في جميع المسابقات المدرسية، فهو يفوز بمسابقة القرآن، ويفوز في الموسيقى، ولم أستوعب قط كيف يكون مطوعا وليبراليا في الوقت نفسه.
ابن المدير هو أول من يركب الحافلة في جميع الرحلات والفعاليات التي تشارك فيها المدرسة، حتى لو كان بصفة غير مشارك، وحتى لو كانت الفعالية لغير المرحلة الدراسية التي ينتمي إليها.
ابن المدير هو أول المستقبلين لأي وفد ومسؤول يزور المدرسة، بل وقبل والده المدير.
أصبت في ركبتي وجلس أبي ثلاث سنوات يطارد من مستشفى حكومي إلى آخر، وحصلت على موعد عملية بعد ثلاث سنوات، وكانت أثناءها ركبتي قد تضررت كثيرا، وتم استبدالها بركبة صناعية.
أصيب ابن المدير في ركبته، وفي الشهر نفسه ذهب للعلاج في الخارج، وتغيب عن المدرسة شهرين كاملين ومتى؟! قبل اختبارات الثانوية العامة، وصدق أو لا تصدق كان هو الأول ليس على صفه فقط، بل على جميع الفصول، بل كان الأول على المنطقة.. سبحان الله! كيف صب عليه الذكاء تخرج، وبالطبع قُبِل في الجامعة، وتخرج فيها وتوظف وتزوج وأنجب، أما أنا فظللت فترة دون عمل، وحين ضاق بي السبيل، توجهت إلى العمل الحر، وبدأت من الصفر حتى فتح الله عليَّ وحمدت الله كثيرا.
وفي أحد الأيام وصلتني رسالة جوال تخبرني بوفاة ابن المدير، حزنت عليه، مرتين، مرة ﻷنه زميل حياة، وحزنت لوالده، فقد استخدم كل الطرق المشروعة وغير المشروعة ليدعم ولده، إلا أن مَلَك الموت لم يضل إليه سبيلا.
ذهبت إلى المقبرة، دفعني الفضول لألقي نظرة على قبره، سبحان الله، إنه الشيء الوحيد الذي سأتساوى فيه مع ابن المدير، سأوضع في قبر مثل قبره ودون واسطة.