يقول كروجمان أنه عندما تطلع على وجهات النظر السائدة حاليا حول حالة الاقتصاد الأمريكي والسبل التي يمكن اللجوء اليها للتعامل مع الأزمة الحالية سوف تصل إلى نتيجة خلاصتها أن الجميع يعمل باستخدام النموذج الخطأ. فالنظرة السائدة للاقتصاد الأمريكي هو أنه أشبه بأسرة تواجه وضعا اقتصاديا صعبا، حيث انخفضت مستويات دخولها بسبب ظروف خارجة عن إرادتها، وارتفعت مستويات ديونها إلى دخلها، والروشة المقترحة في هذه الحالة هي، ضرورة ربط الحزام، وخفض مستويات الإنفاق، ودفع الديون التي على عاتق الأسرة وتخفيض تكاليف المعيشة بالنسبة لها، ولكن هل هذا هو حال الاقتصاد الأمريكي فعلا، وهل هذه هي السبل لحل المشكلة التي يواجهها.
يقول كروجمان أن طبيعة الأزمة الحالية للاقتصاد الأمريكي لا تتوافق مع هذا النوع من التفكير، فالاقتصاد الذي نعيش فيه تنخفض فيها الدخول بسبب أننا ننفق أقل مما يجب، وان خفض مستويات الإنفاق بصورة اكبر سوف يترتب عليه انخفاض مستويات الدخول بصورة أكبر، أي أن الأمور سوف تسير على نحو أعقد. كذلك فإن الولايات المتحدة تواجه مشكلة ارتفاع في مستويات الديون، ولكن هذه الديون لا تستحق أساسا للأجانب، وإنما للأمريكيين أو المؤسسات الأمريكية، وهذا يمثل فارقا كبيرا عن الحالة التي تكون فيها الديون مملوكة للأجانب. أما الدعوة إلى خفض الإنفاق في الولايات المتحدة فلا بد وان تواجه بهذا السؤال، خفض التكاليف بالنسبة لمن؟، لو قام كل فرد في الولايات المتحدة بتخفيض تكاليفه، فإن الأمور سوف تتعقد بصورة أكبر.
فحاليا يواجه الاقتصاد الأمريكي مزيجا من مصيدة السيولة وانخفاض معدلات الفائدة إلى الصفر، وهذ المزيج ليس كافيا لحل مشكلة التوظف ورفع مستوياته، وجميع ما يطالب به الآخرون للخروج مما تعانيه الولايات المتحدة حاليا يؤدي إلى نتيجة واحدة، وهي أنه يحول الأوضاع نحو الأسوأ. على سبيل المثال لو فرضنا أن الجميع يحاول أن يدخر بصورة أكبر في نفس الوقت، قد يظن البعض أن ذلك سوف يترتب عليه زيادة مستويات الادخار وبالتالي مستويات الاستثمار من جانب قطاع الأعمال وهو ما يؤدي إلى زيادة مستوى الثروة ومن ثم تحسين التوقعات حول المستقبل في الاقتصاد. غير أنه في وقت الكساد عندما يحاول الجميع زيادة ادخاره وتقليل إنفاقه، فإن الدخول تنخفض في الاقتصاد وينخفض مستوى النشاط الاقتصادي وبالتالي حجم الاقتصاد، وعندما يحدث ذلك فإن قطاع الأعمال سوف يستثمر بصورة أقل، أي أنه عندما نحاول أن ندخر بصورة أكبر سوف ينتهي الوضع في الاقتصاد بمستويات ادخار اقل، على العكس من الهدف الأساسي من عملية زيادة الادخار.
من ناحية أخرى زيادة عبء الدين يؤدي إلى مفارقتين أخريين؛ الأولى هي مفارقة تخفيض عبء الدين التي تناولناها في نظرية إرفنج فيشر أعلاه، والتي تتمثل في أن محاولة المدينين تخفيض عبء الدين على عاتقهم سوف يترتب عليها زيادة عبء الدين من الناحية الحقيقية على عاتقهم وبصورة اكبر، وهو ما يعقد مشكلة الدين ولا يحلها، ففي الاقتصاد الذي يحاول فيه الكثير من الأشخاص في ذات الوقت تخفيض مستويات الدين على عاتقهم هو اقتصاد سيواجه انخفاضا في مستويات الدخول والثروة.
المفارقة الثانية وهي مرتبطة بفرضية المرونة في الأجور والأسعار وتتمثل في الآتي؛ لو أن شخصا ما يحاول بيع اصل ما ويجد مشكلة في إيجاد مشتر له عند السعر الحالي للأصل، فإن رد الفعل الطبيعي سوف يتمثل في لجوءه إلى تخفيض السعر، وبالتالي فقد يبدو من الطبيعي أن الحل لانتشار البطالة هو خفض مستويات الأجور، وهناك بعض التفسيرات لارتفاع معدلات البطالة أثناء الكساد الكبير تتمثل في أن السبب في ارتفاع معدلات البطالة هو أنه في الوقت الذي كان يجب أن تنخفض مستويات الأجور، كانت الأجور ترتفع بالفعل، ولا تنخفض، وبالتالي فإن هناك ادعاء بأن مرونة سوق العمال الأمريكي مطلوبة في الوقت الحالي لمعالجة ارتفاع مشكلة البطالة. غير أنه على المستوى الفردي عندما يقوم عامل بخفض أجره فإنه يصبح اكثر جاذبية لأرباب العمل مقارنة بباقي العمال في سوق العمل، غير أن قيام كل العمال جميعهم وفي ذات الوقت بخفض مستويات أجورهم سوف يترتب عليها أن جميع العمال سوف يكونون في ذات الوضع، ولن تتحسن فرص التوظيف لأي من العمال في سوق العمل، والنتيجة التي ستترتب على ذلك هي انخفاض دخول جميع العمال في سوق العمل، بينما يظل مستوى الدين كما هو. ما هو المقصود بذلك؟ إن الفرضية الكلاسيكية بمرونة الأجور والأسعار لا تؤدي إلى تحسين الأوضاع في الاقتصاد، بل على العكس سوف تحول الأوضاع على نحو أسوأ.
ما العمل إذن؟ يشير كروجمان إلى أنه في الوقت الذي يحاول فيه الجميع تخفيض إنفاقهم وبيع أصولهم، لابد من أن يقوم طرف ما بفعل العكس، أي يقوم بزيادة الإنفاق اعتمادا على الاقتراض، هذا الطرف هو الحكومة. أي أن الإنفاق الحكومي هو الاستجابة الطبيعية للحالة الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي حاليا.
ولكن هل ارتفاع الأجور والأسعار في هذه الحالة سوف يؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية حتى في ظل تصاعد التضخم، الإجابة هي نعم، لأسباب عديدة أهمها أن التضخم سوف يؤدي إلى خفض قيمة الدين من الناحية الحقيقية بالإضافة إلى الآثار الإيجابية للتضخم في أوقات الكساد، وبالتالي فإن الخروج النهائي من الركود لن يكون سوى بزيادة الإنفاق الحكومي.
معظم الصناعة المالية في العالم تتركز في وول ستريت وفي لندن (the city)، غير أن معظم صناديق التحوط Hedge funds) والتي تضارب أساسا في النقود المقترضة) تركزت في جرينتش والتي تبعد عن مانهاتن بحوالي 40 دقيقة بالقطار، غير أن مديري هذه الصناديق كانوا يحصلون على مرتبات خيالية، على سبيل المثال فإن أعلى 25 مديرا لهذه الصناديق من حيث الراتب تقاضوا رواتب ومكافآت في عام 2006 فقط بحوالي 14 مليار دولارا (تخيل 25 شخصا فقط)، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مرتبات (86 ألفا من) المدرسين في مدينة نيويورك.
عندما كان أمثال هؤلاء يشترون المساكن في جرينتش، لم يكن للأسعار أي دور في قرار الشراء، فقد كانوا يحرصون على أن يشترون أكبر القصور القديمة، وفي الكثير من الحالات قاموا بهدمها وبناء قصور أكبر، ووفقا للإحصاءات كان متوسط القصر الذي يتم شراءه حوالي 15 ألف قدم مربعا. بل إن احد هؤلاء المديرين والمتخصص في صناديق التغطية في مجال الرعاية الصحية اشترى قصرا ب 20 مليون دولارا ليقوم بهدمه لكي يقوم ببناء قصرا أكبر على مساحة تزيد عن 30 ألف قدم مربع، وهذه المساحة تقارب مساحة قصر تاج محل في الهند، لقد كان هذا كان هو نمط الحياة لهؤلاء المديرين.
للأسف الشديد بعض المحللين يدعي أن الفترات التي شهدت التحرير المالي بعد عام 1980، قد شهدت أيضا نمو اقتصاديا استثنائيا، غير أن بول كروجمان يؤكد بأن الفترات التي شهدت القيود على الصناعة المالية شهدت نموا اعلى من ذلك المتحقق في أثناء فترات التحرير المالي. على سبيل المثال يشير "يوجين فاما" عالم الاقتصاد المالي المشهور من جامعة شيكاغو (صاحب نظريات كفاءة الأسواق) بأن الفترات التي شهدت تحريرا ماليا شهدت نموا اقتصاديا كبيرا، بينما لم يشهد الاقتصاد في الواقع شيئا من هذا القبيل كما يدعي كروجمان. ولكن ما الذي دعا "يوجين فاما" إلى الادعاء بأن فترة التحرير المالي قد شهدت نمو اقتصاديا غير عادي. في وجهة نظر كروجمان (متهكما) ربما يرجع ذلك إلى أن بعض الأشخاص (وليس كل الأشخاص)، بصفة خاصة هؤلاء الذين يرعون المؤتمرات حول النظرية المالية قد حققوا في الواقع نموا غير عادي في دخولهم.
ويؤكد كروجمان على صدق ما يدعيه بحساباته عن متوسط دخل الأسر الأمريكية والتي توصل من خلالها أن متوسط دخول الأسر الأمريكية لم يرتفع بعد التحرير المالي بعد عام 1980، على العكس من ذلك كانت دخول الأسر الأمريكية ترتفع بصورة اسرع في الفترة التي سبقت عام 1980 عن الفترة التي لحقتها، كذلك قام كروجمان بحساب مؤشر منوال دخول الأسر الأمريكية، وتوصل إلى أن هذا المنوال كان ينموا بعد 1980 بمعدلات اقل مما قبلها. ولكن لماذا حدث ذلك؟ على المستوى الكلي بالطبع كانت هناك زيادة في الدخول، لكن معظم هذه الزيادة تركزت في يد عدد قليل جدا من السكان، وهم الفئات الدخلية المرتفعة بصفة خاصة العاملين في القطاع المالي.
من ناحية أخرى قام بول كروجمان بحساب دخول أعلى شريحة دخليه في الولايات المتحدة، شريحة أعلى 1%، وقد وجد أنه بالنسبة لهؤلاء كان النمو في الدخول بعد التحرير المالي مبهرا، حيث تضاعفت دخول هؤلاء بأربعة أضعاف خلال الفترة من 1980 حتى اليوم. وبالتالي حققت الصفوة معدلات نمو هائلة في دخولها، مع التحرير المالية، أما صفوة الصفوة super elite، وصفوة صفوة الصفوة Super doper elite، أو السكان في الشريحة 0.1% والشريحة 0.01% فقد حققت مستويات افضل، حيث أن اكبر 10000 من أثرياء الولايات المتحدة تمكنوا من أن يحققوا نموا بمعدل 660%، وهذا هو السبب في
أرباح لا تتناسب مع ما بذل من جهد. ..!!
( بعد أن تخلّت إدارة نيكسون عام 1971 عن قاعدة الذهب ، و أصبح الدولار عملة الاحتياطي العالمي نتيجة الاتفاق على تسديد مشتريات البترول في العالم بهذه العملة التي تسعى كل دول العالم الى تكوين احتياطاتها من الدولار لتمويل حاجاتها من الطاقة و الغذاء ، صار بإمكان الولايات المتحدة الامريكية أن تكون الدولة الوحيدة في العالم القادرة على طبع أية كميات من أوراق العملة دون أن يُؤثرََ ذلك في التضخم في الداخل !! ، حيث تُصدّر هذه العملات المطبوعة الى الخارج لسد طلبات دول العالم منها !! ، بل يُمكنها بذلك أن تستوردَ البترول مجاناً !! : أي على حساب العالم !! ، من خلال طبع كمية النقود المطلوبة لسداد فاتورة الطاقة !! .