قصة اديب نفعته الصدقة (تعذيب مصطفى امين 1385هجري ) رائعة

قبل 11 سنة

سجن القبة .. يوليو سنة 1965

كان من بين رسائل التعذيب التي لجأوا إليها أن صدر قرار بمنعي من الأكل والشرب والحرمان من الأكل مؤلم ولكنه محتمل الجسم يتحمل الجوع ولكن العطش عذاب لا يحتمل خاصة أننا في أواخر شهر يوليو الحرارة شديدة قاسية وأنا مريض بالسكر ومرضي السكر يشربون الماء بكثرة..
وفي اليوم الأول تحايلت على الأمر دخلت إلى دورة المياه فوجدت فيها إناء للاستنجاء وشربت من مياه الاستنجاء...
وفي اليوم التالي فوجئت بأنهم عرفوا أنني شربت ماء الاستنجاء فوجدت الإناء خاليا ووجدت معه ورق التواليت واضطررت أن أشرب م ماء البول حتى ارتويت.
وفي اليوم الثالث لم أجد بولا لأشربه!
الجوع لمدة ثلاث أيام أمر محتمل أما العطش فهو عذاب مثل ضرب السياط كنت أسر في زنزانتي كالمجنون الحر في شهر يوليو مؤلم لساني جف حلقي جف أحيانا أمد لساني وألحس الأرض لعل الحارس نسي نقطة ماء وهو يغسل البلاط. وبينما أنا أدور حول نفسي وأنا أترنح ورأيت باب الزنزانة يفتح في هدوء ورأيت يدا تمتد في ظلام الزنزانة تحم كوب ماء مثلج.
فزعت تصورت أنني جننت بدأت أرى شبحا يمكن أن يكون هذا ماء أنه سراب تماما كالسراب الذي يرونه في صحراء .. تذكرت ما قاله لي أحمد حسنين باشا الذي اكتشف واحة الفرافرة في صحراء ليبيا كان إذا اشتد بهم العطش رأوا أمامهم الماء، وأسرعوا إليه وارتموا على المكان فوجدوه رملا هذا هو السراب ولكنه ليس في الصحراء وإنما هو في سجن المخابرات.
وما لبثت أن وجدت أن الكوب حقيقي ومددت يدي ولمست الكوب فوجدته مثلجا فعلا وقبضت على الكوب بأصابعي المرتعشة ورأيت حامل الكوب يضع إصبعه على فمه وكأنه يقول لي لا تتكلم.
وشربت الماء ... ألذ ماء شربته في حياتي لا أعرف طعم الشمبانيا ولكن الماء المثلج أسكرني.. ولو كان معي مليون جنيه في تلك اللحظة لأعطيتها للحارس المجهول...
عادت الروح مع هذا الكوب عاد الدم يجري في عروقي عاد عقلي إلى رأسي.. هذا الماء غسلني من الداخل أعاد البصر إلى عيني أحسست بقوة غريبة أغناني الماء عن الطعام بل أغناني عن الحرية أحسست بسعادة لم أعرفها طول حياتي كل ذلك من أجل كوب ماء مثلج.
ثم اختفى الحارس المجهول بسرعة كما ظهر بسرعة وأغلق باب الزنزانة بهدوء!
ورأيت ملامح الحارس المجهول شاب أسمر قصير القامة ولكني أحسست أنه ملك الجمال أنه أحد الملائكة شعرت في بعض اللحظات أن اليد التي حملت كوب الماء البار د ليست يد بشر إنها عناية الله أحسست براحة غريبة أنني رأيت عناية الله في الزنزانة لعل هذا هو السبب الذي جعل أحد الزبانية يقول أن الله مسجون في الزنزانة المجاورة لي لا أن الله موجود في كل مكان –في زنزانتي أنا!
ومضت أيام التعذيب دون أن أرى الحارس المجهول.. ثم نقلت من غرفة التعذيب في الدور السفلي إلى غرفة ملحق بها صالون نعم صالون في سجن المخابرات!
وكانوا يغيرون الحراس كل يوم ..وذات يوم رأيت أمامي الحارس المجهول.. وكنا على انفراد وقلت له هامسا: لماذا فعلت ما فعلت؟
لو ضبطوك كانوا سيفصلونك!
قال باسما: يفصلونني فقط.. ؟ كانوا سيقتلونني رميا بالرصاص!
قلت: ما الذي جعلك تقوم بهذه المغامرة!


قال: إنني أعرفك وأنت لا تعرفني.. منذ تسع سنوات تقريبا أرسل فلاح في الجيزة خطابا لك يقول فيه أنه فلاح في أحد القرى وأن أمنية حياته أن يشتري بقرة وأنه مكث سنوات يقتصد في قوته وقوت عياله حتى جمع مبلغا ثم باع مصاغ زوجته واشترى بالمبلغ بقرة.
وكان أكثر أهل القرية تقي وورعا وصلاة وصياما وبعد ستة أشهر فقط ماتت البقرة!
مع أن جميع البقر الذي يملكه الفلاحون في القرية الذين لا يصلون ولا يصومون ولا يعرفون الله بقي على قيد الحياة!
وفي ليلة القدر بعد ذلك بشهور دق باب البيت الصغير الذي يملكه الفلاح ودخلت محررة من «أخبار اليوم» تجر وراءها بقرة!
وكانت أخبار اليوم قد اعتادت أن تحقق أحلام مئات من قرائها في ليلة القدر من كل عام...
وسكت الحارس المجهول ثم قال:
هذا الفلاح الذي أرسلتم له البقرة منذ تسع سنوات هو أبي !!
ألم أقل لك أن عناية الله كانت معي في الزنزانة؟!

قصة اديب نفعته الصدقة (تعذيب مصطفى امين 1385هجري ) رائعة
عندك أي منتج؟
الكل: 2

جزاك الله خيراً ،،،

قصة جميلة ومعبرة وتجسد أنه من فعل الخير في الرخاء لابد أن يجد من الله له خيراً وذكراً في الشدة ،،،

صباح جميل ولك مني والقراء أجمل تحياتي ،،،

رائـــــــد ،،،

اهلا بمتذوق الادب ولو لم تكن اديبا لما لفتت نظرك القصة .... بصراحة لقد راتها ثلاث مرات من قبل

ففيها الضيق والفرج متلازمان وفيها الوفاء يسطع شعاعه وليس لصانع للمعروف الا الاحسان فهما عود ولحاء

أضف رداً جديداً..