لقد شرع الله لكم في ختام هذا الشهر التكبير في ليلة العيد قال تعالى : { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } . وشرع لكم صدقة الفطر فهي واجبة على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد ، ويُستحب إخراجها عن الحمل في البطن وهي من غالب قوت البلد : تمراً أو شعيراً أو زبيباً أو إقطا . ومقدارها صاع عن كل شخص ، أي ما يعادل ثلاثة كيلوات تقريباً ويجزئ عن هذه الخمسة كل حب يقتات في البلد كالأرز والذرة والدخن ولا يجوز فيها إخراج الدراهم ولا تجزئ ، لأن ذلك خلاف السّنة . فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الطعام وقدره بالصاع فلا بد من التقيّد بأمره صلى الله عليه وسلم . قال الإمام أحمد : لا يعطى القيمة – قيل له : قوم يقولون : عمر بن عبدالعزيز كان يأخذ القيمة ، قال : يدعون قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون قال فلان ، فما دام في المسألة قولٌ للرسول فلا قول لأحد . ويُخرج الإنسان صدقة الفطر عن نفسه وعمّن يقوم بنفقته . ومحل إخراجها هو البلد الذي وافاه تمام الشهر وهو فيه ، ومن كان في بلد وعائلته في بلد آخر فإنه يخرج فطرتهم مع فطرته في البلد الذي هو فيه ، وإن عمدهم يخرجون عنه وعنهم في بلدهم جاز . وإن أخرج عن نفسه في بلده وأخرجوا عن أنفسهم في بلدهم جاز . والذي يُعطون صدقة الفطر هم فقراء البلد الذين تحل لهم زكاة المال ، سواء كانوا من أهل البلد أو من الفقراء القادمين عليه من بلد آخر . ولا يجوز نقل صدقة الفطر إلى بلد آخر بأن يرسلها إلى فقراء غير بلده ، إلا إذا لم يوجد في بلده فقراء من المسلمين فإنه يرسله إلى فقراء أقرب بلد إليه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها إلى فقراء البلد الذي يفطر فيه الصائم ليلة العيد . وقد نص على ذلك فقهاء المذاهب الأربعة : فقد نصوا رحمهم الله على أن على المسلم توزيعها في البلد الذي وجبت عليه فيه ، فعلى هذا لا يجوز إرسالها إلى فقراء الجهات الأخرى خارج المملكة ، ومَن أراد أن يساعد فقراء البلدان الأخرى فليساعدهم بغير صدقة الفطر ، لأن صدقة الفطر عبادة مقيدة بمكان وزمان لا يجوز إخراجهما عنهما ، وقد ذكر لنا أن قوما يطلبون من الناس تقديم دراهم ليرسلوها إلى بلد آخر يُشترى بها طعام هناك ويوزع على الفقراء فيه . وهذا لا يجزئ عن صدقة الفطر لأن وقت إخراجها هو ليلة العيد ، بعد ثبوت الهلال إلى الخروج لصلاة العيد ، في البلد الذي وافاه تمام الشهر وهو فيه ، والعبادات توقيفية لا يجوز التصرف فيها حسب الأهواء والآراء ، ومن فاته إخراجها في يوم العيد فإنه يخرجها بعده قضاء . ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين . ولا بد أن تدفع في وقت الإخراج إلى المستحق أو إلى وكيله ، ولا يكفي أن يجعلها أمانة عند شخص ليس وكيلاً للمستحق . ويجوز للفقير أن يخرج فطرته مما أعطِي من الصدقات ويجوز دفع صدقة الجماعة إلى فقير واحد ، ويجوز دفع صدقة الشخص الواحد إلى جماعة من الفقراء . والحكمة في صدقة الفطر أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين وشكر لله تعالى على إكمال الصيام ، فأدوها – رحمكم الله – على الوجه المشروع طيبة بها نفوسكم من أوسط ما تطعمون أهليكم { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلمُوا أن الله غني حميد ، الشيطان يعِدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم } . ومِن الحكمة في مشروعية صدقة الفطر إغناء الفقراء عن السؤال في يوم العيد ليفرحوا مع المسلمين ويتوسعوا بها ولذلك حددت بما يكفي الفقير في هذا اليوم وهو الصاع ، ومِن الحكمة في تحديدها بالصاع أيضاً تيسيرها على المتصدق حتى لا تثقله لأنه قد لا يكون عنده سعة من المال . وهي واجبة على عموم المسلمين لا على الأغنياء فقط . ولعل من الحكمة في جعلها طعاماً لا نقوداً ليكون هذا أيسر للمحتاج . لأنه قد لا يجد في يوم العيد من يبيع الطعام ، ولأن في جعلها طعاماً إظهاراً لها بين الناس لأنها من الشعائر الظاهرة . ولو جعلت نقوداً لكانت صدقة خفية ، إلى غير ذلك من الحكم . فاتقوا لله عباد الله واعتنوا بإخراجها قال تعالى { قد أفلح مَن تزكّى وذكر اسم ربّه فصلى } . والله المستعان . -------------- منقول .