عقوق الأبناء والبنات يقود لجرائم بشعة "تسترها" الأبواب المغلقة

قبل 10 سنوات

- أم أنس: ابني الكبير يشبه والده كثيراً في أخلاقه، وينهرني ويضربني.

- أم مكلومة: في لحظة غضب شكوت ابني لأنه يضربني؛ ولكنني لم أتحمل سجنه؛ فطلبت من القاضي العفو عنه.

- أبو عبدالله: برغم سوء معاملة ابني وإهماله لي، لم أتحمل إهانة الضابط له.

- الدكتور عيسى الغيث: عقوق الوالدين ليس ظاهرة، وغالبيتها ممن لديهم مشاكل عقلية أو نفسية أو من مدمني المخدرات والخمور.

- عبدالرحمن القراش: العقوق بسبب البيئة المحيطة بالابن والابنة والتفرقة بين الأولاد في العطاء.

- مصدر قضائي: العقوق من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف.

- المستشار القانوني أحمد المحيمد: عقوق الوالدين مظهر اجتماعي سلبي وحالات فردية ليست جديدة في المجتمع.

ريم سليمان، دعاء بهاء الدين- سبق- جدة: هدف واحد ينتظره الوالدان من مختلف معاني ورموز التضحية التي يقدمانها لتنشئة أبنائهم؛ فغريزة الأمومة وكفاح الأب، تجعلهما ينتظران الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة كنوع من الثواب والجزاء لهما. وصدمة كبيرة يتلقاها الوالدان من حصد سيئ زرعوه ورعوْه وعلموه لابن عاقّ أو بنت عاصية لا أساس له، يسبّهما ويلعنهما ويضربهما في بعض الأحيان، جرم بشع حذّر منه الله تعالى في كتابه الكريم عندما قال تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً}.

فأي بشر هذا الذي تُسوّل له نفسه إهانة والديه، صراخ ونحيب وبكاء من غدر الأبناء والبنات، حتى صارت أروقة المحاكم تئن من هول ما تراه.

ولعل المُشرّع أدرك بشاعة ذلك الحدث، واعتبره من الجرائم الكبرى حتى يرتدع الشباب ويدركوا فداحة هذا الجرم، وعلى الرغم من أن عقوق الوالدين ليس بظاهرة؛ إلا أن وجود أكثر من 127 حالة داخل أروقة المحاكم لآباء وأمهات يطلبون حمايتهم من ظلم وإيذاء أبنائهم يُعد مظهراً اجتماعياً سلبياً، علينا جميعاً أن نتوقف عنده.

"سبق" تعرض قصصاً واقعية، وتدقّ ناقوس الخطر، وتتساءل: هل أصبحنا نحتاج لقانون يحمي الوالدين من إيذاء الأبناء؟

بكاء وحسرة
قالت أم أنس لـ"سبق ": انتهت عِشرة 16 سنة زواج بالطلاق، وكانت ثمرتها ولدان وبنت، كرّست بقية عمري لتربيتهما؛ بيْد أني لاحظت أن ابني الكبير الذي بلغ عامه الرابع عشر يشبه والده كثيراً في أخلاقه؛ فهو كان يرى والده دائماً وهو ينهرني ويضربني.

وأضافت: "بدأ والد أبنائي يوغر في صدر ابني الكره، وطلب منه نقل أخباري وتحركاتي، وكان دائماً ما يستميله له بالهدايا، إلى أن جاء الوقت الذي بدأت أسمع من ابني نفس العبارات التي كان يشتمني بها والده، وأصبح يقول لي عندما أُحدّثه في أي موضوع "يا ابنة الخبيثة ويا أم الدواهي"، ويرفع صوته عليّ، وبِتّ لا أملك سوى البكاء والتحسر.. فلذة كبدي الذي طالما خدمته عمري كله، يرفض مساعدتي وخدمتي في أي شيء".

وتابعت: "في إحدى المرات قام بدفعي حتى سقطت على ظهري لمجرد أن سألته عن سبب عودته في وقت متأخر من الليل؛ حتى أصبحت أشك فيه وأتلمس كذبه، وأدعو الله أن يأخذه أو يأخذني حتى أستريح من العذاب الذي يسببه لي يومياً".

طلبت من القاضي العفو عنه
ومن داخل ساحة القضاء قالت إحدى الأمهات المكلومة في ولدها لـ"سبق": "ابني الذي حملته تسعة أشهر في بطني وربيته إلى أن صار رجلاً يافعاً، وعشت عمري كله بعد ما مات والده من أجل تربيته هو وإخوته ليكون هو العصا التي أتكئ عليها في آخر أيامي".

وتابعت: "بيْد أن رفقاء السوء حرموني من ذلك بعد ما شجعوه على تناول المسكرات، إلى أن جاء اليوم الذي يرفع يده ليضربني". وبصوت حزين يملأة خيبة الأمل قالت: "في لحظة غضب شكوت ابني، ووصل الأمر إلى القضاء؛ إلا أنني لم أتحمل، وطلبت من القاضي العفو عنه".

وأضافت: "على الرغم من ما فعله نحوي من إيذاء وشتم إلى أن وصل لمحاولة ضربي؛ إلا أنني لم أستطع أن أتحمل دموعه أمام القاضي".

إحدى الحالات الأخرى التي انتهت داخل قسم الشرطة؛ حيث اشتكى أبو عبدالله إلى الشرطة من سوء معاملة ابنه وعدم صرفه عليه وإهماله له، وحين أتت الشرطة بالابن لم يتحمل الأب إهانة الضابط لابنه، وأخذه في حضنه وبكى، وطلب العفو وإنهاء المحضر.

ليست ظاهرة
من جهته، أكد عضو مجلس الشورى والقاضي الشرعي الدكتور "عيسى الغيث"، أن عقوق الوالدين ليس بظاهرة؛ مشيراً إلى أن غالبية حالات العقوق من أفراد لديهم مشاكل عقلية أو نفسية أو من مدمنى المخدرات والخمور، وقال: "حالات العقوق محدودة جداً إذا ما قيست بعدد السكان في المملكة."

وأوضح لـ"سبق" أن العقوبات التعزيرية مفتوحة في الشريعة الإسلامية، ولا يلزم وجود عقوبة منصوص عليها، وتكون مفتوحة للحاكم الشرعي؛ حيث يحكم بما يراه مناسباً من جلد أو سجن أو الاثنين معاً؛ لافتاً إلى أنه في بعض الأحيان يلجأ القاضي إلى الأحكام البديلة، وقال: "في أغلب حالات العقوق يطلب الأب والأم العفو لابنهما، وفي هذه الحالة يجوز للقاضي أن يصرف النظر عن الدعوى تجاه الابن ويُنذره إذا تكرر عقوقه أنه سوف يعاقب على ما فعله، وما تم العفو عنه من قبل".

ولفت "الغيث" إلى أن القاضي في هذه الحالات يهدف إلى الاستصلاح، ولا يرغب في دخول الابن السجن فيزيد من المشكلة؛ ولذا فكثيرون يلجأون إلى العقوبات البديلة.

وأضاف لـ"سبق" أن لدى النظام السعودي ميزة غير موجودة في أي نظام آخر، وهو وصف جرمي مستحدث لا يحتاج إلى قانون حتى يعاقب، كما في باقي الدول حيث للقاضي لدينا القدرة والمهارة على تكييف أي حادثة جديدة، وتقرير وصفها الجرمي، وتقدير عقوبتها الشرعية ولو بدون قانون خاص بها.

وقال: "اهتمام المشرع ومن أعطاه المشرع الصلاحية لوضع قائمة القضايا الكبرى ودخول عقوق الوالدين من ضمن الـ 20 جريمة كبرى، يشير إلى أهمية هذا الجرم، ومن باب ردع من يعتدي على الوالدين، وبناء على ذلك لا يجوز للنائب العام إخراج المتهم بكفالة في الجرائم الكبيرة بل يرفعها للقضاء وهو من يحدد؛ على عكس الصغيرة والمتوسطة".

تدليل زائد أوعنف
ورأى عضو برنامج الأمان الأسري الوطني عبدالرحمن القراش أن سبب ظاهرة العقوق قائم على محورين: الأول داخلي: من خلال البيئة المحيطة بالابن والابنة التي لها تدخل مباشر في خلق شخصية العاق أهمها: التدليل الزائد أو العنف، وعقوق أحد الأبوين لآبائهم -فالعقوق دَيْن يعجله الله في الدنيا- وعدم وعي الأبناء بأهمية البر وقيمته الإسلامية بسبب الإهمال في التوعية، والتفرقة بين الأولاد في العطاء؛ مما يخلق العداوة والغيرة بينهم؛ لافتاً إلى الطلاق وإيغار صدور الأبناء على الطرف الآخر من أجل كسبهم لصفّه، وتعمد إهانة أحد الوالدين للآخر أمام الأبناء أو ضربه.

وتابع: "أما بالنسبة للعوامل الخارجية: فالتيارات خارج البيت التي يتلقى منها الأبناء بعض الأفكار الداعية للعقوق، والصحبة السيئة للأولاد المعينة لهم على العقوق، وعدم وجود توعية كافية في المدارس تؤكد أهمية البر، والإعلام المرئي الذي يشاهده الأبناء يُسهم في خلق العقوق داخله؛ حتى ولو لم يتطور للضرب؛ لافتاً إلى أن العوامل السابقة تجعل الأبناء أشخاصا مهزوزين؛ لا يُقدّرون آباءهم في تعاملهم الذي ربما يؤدي للعنف معهم مستقبلاً، كما لفت إلى إدمان المخدرات والمرض النفسي الذيْن يُعَدّان عاملين رئيسين في العقوق، فتحدث معه الجرائم الكبرى.

القانون الإلهي
وبسؤاله عن الردع القانوني في حماية الوالدين من بطش الأبناء أجاب "القراش": "القانون الإلهي أقوى بكثير من القانون البشري، ومهما كان الردع القانوني البشري؛ فلا يكفي وحده لكفّ يديْ العابث ببر والديه؛ بيْد أنه يعتبر خطوة جيدة للحد من هذه الظاهرة"؛ محملاً الآباء جزءاً من المسؤولية في تفاقم المشكلة؛ حيث العقوق نتاج لبيئة ساهمت بذور التربيه الأولية في حصد نتائجها.

وطالب في ختام حديثه بتضافر الجهود داخل البيت وخارجه، وقال: "يجب غرس القيم وخلق المحفزات التي تُعين على البر، وتساهم في إيجاد بيئة صحية لبذل المعروف، وإيجاد قنوات تربوية رائدة؛ تساهم في تصوير البر بأحلى صورة؛ سواء في المدارس أو الإعلام المرئي والمقروء، كما طالب بإلحاق الآباء والأمهات والمقبلين على الحياة الزوجية في برامج تدريبية، تساهم في تعليمهم طرق ومبادئ تربوية تساعدهم وتعينهم مع أبنائهم".

ظاهرة خطيرة
وأفاد مصدر قضائي لـ"سبق" أن المقصود بالجرائم الكبرى هى التي من شأنها المساس المباشر بإحدى الضروريات الخمس: (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)؛ مبيناً أن طبيعه هذه الجرائم التعدي على حقوق الوطن والمواطنين، وقال إنها جرائم متجددة بتجدد العصر وتقنياته، وتطور فنون الإجرام.

وبسؤاله عن جرائم الاعتداء على الوالدين أجاب: "تُعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف"؛ لافتاً إلى أنها ظاهرة خطيرة، وقال: "إنه ينذر بأن المعتدي على والديه لن يقيم حقاً لسواهما؛ فإذا كانت علاقة البنوة ووشيجة المحبة لم تمنع الولد من الاعتداء على والده؛ فإن هذا مؤشر قوي لا يمكن تجاهله على تأصل مادة الشر في نفسه، واستعداده لأن يعتدي على غير والده، ويخرب الممتلكات ويهتك الأعراض ويهدد الآمنين".

عقوبات التعزير
وأوضح المصدر أن عقوبة الاعتداء على الوالدين سواء لفظياً أو حسياً تندرج تحت عقوبات التعزير "التي يُقدّرها القاضي وفقاً للواقعة التي أمامه، وحسبما يراه مصلحاً للولد، وراداً له إلى جادة الصواب"؛ محملاً جزءاً من المسؤولية للوالدين في قضايا العقوق؛ بسبب سوء التربية وقلة الاهتمام بأولادهم، وتركهم تحت عناية الخدم، والابتعاد عنهم حسياً أو معنوياً، ورفض أن تصبح هذه الأسباب مبرراً للاعتداء أو العقوق؛ بيْد أن المحكمة تنظر بشمولية من باب المسؤولية الاجتماعية.

واتهم الإعلامَ بالمبالغة في قضايا العقوق، وقال: "إنها -بحمد الله- لم تبلغ حد الظاهرة، وهذا لا يعني الاستهانة بها؛ ولكن المراد عدم إثارة الأمر وتصويره على أنه سمة للمجتمع السعودي؛ مبيناً أن كثيراً من القضايا المشهرة قد تُصنف في المحكمة على أنها قضية عقوق أبناء على تصنيف المدعي نفسه؛ لكن عند نظر القضية لدى القاضي نجد أنها لا تمت للعقوق بصلة؛ فيعدل القاضي الوصف القانوني للقضية؛ بيْد أن التصنيف المستعمل في إحالة القضية يظل كما هو لم يتغير".

انعدام التربية
فيما أكد المستشار القانوني أحمد المحيمد ما قاله "الغيث"، وقال: "عقوق الوالدين مظهر اجتماعي سلبي؛ بيْد أنه جزم أنها حالات فردية وليست بجديدة في المجتمع؛ علماً بأن السجل الوطني لحالات الإيذاء في المستشفيات لم يسجل سوى أعداد محدودة لا تُقارن بحالات الاعتداء على الأطفال مثلاً".

وأيد اقتراح إنشاء هيئة وطنية لرعاية الأسرة؛ مشيداً بدور الجمعيات الخيرية وإدارة الحماية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية في تفعيل وتطبيق نظام الحماية من الإيذاء، وثمّن الدور الكبير الذي تقوم به وزارة الداخلية من اعتبار العقوق أو الاعتداء على أحد الوالدين جريمة كبرى موجبة للتوقيف، ومعاقباً عليها شرعاً ونظاماً بالغرامة المادية التي تصل لخمسين ألف ريال، والسجن سنة بالحق العام، وتضاعف العقوبة في حالة التكرار، مع عدم الإخلال بالعقوبات الشرعية؛ تطبيقاً لنظام الحماية من الإيذاء.

ورأى أن أبرز أسباب العقوق هي انعدام التربية وسوء الخلق وبذاءة اللسان والتصرف وعدم اللباقة أو الاحترام؛ فضلاً عن الأسباب الأخرى مثل الإدمان أو استخدام المخدرات، مُوضّحاً لـ"سبق" بعض صور العقوق، ومنها: العبوس، ورفع الصوت، ومقاطعة كلام أحد الوالدين بالزجر أو فرض الرأي، واستحقارهم، وعدم احترامهم أو طاعتهم، والتأخر في قضاء حاجاتهم والتسويف بها، عدم السمع والطاعة فيما شرعه الله؛ فضلاً عن الاعتداء بالقول أو الفعل.

عقوق الأبناء والبنات يقود لجرائم بشعة "تسترها" الأبواب المغلقة
عندك أي منتج؟
الكل: 2

وأوضح المصدر أن عقوبة الاعتداء على الوالدين سواء لفظياً أو حسياً تندرج تحت عقوبات التعزير "التي يُقدّرها القاضي وفقاً للواقعة التي أمامه، وحسبما يراه مصلحاً للولد، وراداً له إلى جادة الصواب"؛ محملاً جزءاً من المسؤولية للوالدين في قضايا العقوق؛ بسبب سوء التربية وقلة الاهتمام بأولادهم، وتركهم تحت عناية الخدم، والابتعاد عنهم حسياً أو معنوياً، ورفض أن تصبح هذه الأسباب مبرراً للاعتداء أو العقوق؛ بيْد أن المحكمة تنظر بشمولية من باب المسؤولية الاجتماعية.

لقد وصانا الله سبحانه ببر الوالدين وقرن ذلك بعبادته .

وير الوالدين دين قبما تدين تدان

أضف رداً جديداً..