هذا عنوان لافتة افتراضية تم غرسها على أعتاب القرن الجديد أو الألفية الثالثة أو الشرق الأوسط الجديد، أو غير ذلك من المسميات التي تختلف في تفاصيلها، وتتفق على شيء واحد وهو: لا مكان للإسلام الأصولي السلفي في العالم الجديد أياً كان اسمه. ومحاكاةً للنمط الأمريكي في طرح الأسئلة ذات الخيارات المتعددة، قام أحد مراكز البحوث بإعداد دراسة مستقبلية مفصـلة تجـيب عـن سـؤال: كيـف سيـكون شكـل العالم بعد 15 عاماً من الآن؛ وتحديداً عام 2020م؟ وشارك في إعداد خيارات الإجابة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين، وتبنى الدراسة المجلس القومي الأمريكي للاستخبارات (الشرق الأوسط، 2/11/2005م) وكان هناك أربعة خيارات أطلقوا عليها اسم «سيناريوهات المستقبل»: 1. إمبراطورية إسلامية من المغرب إلى إندونيسيا. 2. عالم من الفوضى والإرهاب. 3. عالم تسوده العولمة بدون سيطرة أمريكية. (4) عالم تسوده القيم الأمريكية وتحكمه واشنطن. وقد تلقف الرئيس الأمريكي على الفور هذا المضمون وحذر في إحدى خطبه الأسبوعية من الإمبراطورية الإسلامية القادمة. هذا الخوف من الإسلام ـ بشقيه الحقيقي والمفتعل ـ يحتاج إلى سؤال آخر على النمط الأمريكي أيضاً، وهو: تتعدد المناهج والتيارات المطالبة بعودة الإسلام؛ فأيها تخشى أمريكا تحديداً؟: 1. التيار الإسلامي السياسي. 2. التيارات السلفية. 3. الطرق الصوفية. 4. المؤسسات الدينية الرسمية. وقد قدمت مراكز الأبحاث الأمريكية إجابة واضحة عن هذا التساؤل، باختيارها للتيارات السلفية مصدراً عاماً للقلق والتوتر. وهنا نأتي إلى السؤال الثالث وهو: ما هي أفضل الطرق للتعامل مع الخطر الذي تمثله السلفية؟: 1. استبدالها بمناهج وأفكار أخرى. 2. الإقصاء. 3. الاحتواء؟ ونحاول في هذه الورقات أن نقدم الخيار الأكثر ترجيحاً للإجابة عن السؤال الأخير. 1- استبدال السلفية: يقوم مفـهوم الاستـبدال علـى قـيام جهـات الضـغط الغربية ـ بطرق غير مباشرة غالباً ـ بتحفيز وتشجيع تيارات ومناهج أخرى لكي تقوم كبديل للمنهج السلفي في الدول الإسلامية. وترتكز فكرة الاستبدال على وجود رغبة عامة وعارمة لدى الجماهير في التدين. وانبعاث هذه الفكرة ـ التبديل بين أنماط التدين ـ في العقلية الغربية وتناميها لدرجة القناعة يدل على تطور خطير في نظرتهم وتفسيرهم للسلوك الديني للمسلمين، وقد كانت الفكرة القديمة تنحصر في تجفيف منابع التدين واستبدال الدين بأفكار علمانية براقة، ولكن مع فشل هذه الفكرة، بدأ الكثيرون ينتقلون إلى مرحلة تالية، وهي: فلندع المسلمين يتدينون كما يريدون، لكن فلنقدم لهم نحن (التوليفة) المناسبة للتدين. وتكمن خطورة السلفيين بالنسبة لخصومهم في أنهم يقودون الناس في قطار سريع يصلهم مباشرة بين الواقع ومصادر التشريع، أما غيرهم من التيارات فيأخذون الناس في جولة سياحية تطول وتقصر بحسب المنهج، وأحياناً تتحول الرحلة بمجردها إلى هدف منشود. والعناصر الرئيسة المتضمنة لـ (توليفة) التدين الأمريكية: 1. رموز ودعاة مستقلون يقدمون نمطاً متطرفاً في تسامحه واعتداله ليبرز النمط السلفي للتدين على أنه متطرف في فهمه وتمسكه بتعاليم الإسلام. 2. غطاء وحاجز سياسي توفره التيارات السياسية التي تنظر للتيارات السلفية على أنها معوق لتقدمها السياسي، كما أنها على استعداد لتقديم تنازلات دينية في سبيل تحقيق مكاسب سياسية. 3. الربط الوثيق بين السلفية العلمية والدعوية وبين السلفية الجهادية، بحيث يصبح الجميع منهجاً واحداً متعدد المراحل أو المستويات. 4. إفساح المجال في عدد من البلدان الإسلامية لدعاة التصـوف وخـاصة الذين طـوروا خطـابهم في مرحـلة ما بعد 11 سبتمبر، والذي يقفزون فيه على كل ما يثير الغرب في الإسلام، ويقدمون صياغة جديدة قابلة للتسويق في الثقافة الغربية. ونقدم تفصيلاً أكثر لعنصري: دعاة الاعتدال، والمتصوفة الجدد. العنصر الأول: دعاة الاعتدال: وقد بدأ نجمهم في البزوغ في السنوات الأخيرة وخاصة بعد 11 سبتمبر، وأهم صفتين تمثلان جواز المرور لهذه الفئة من الدعاة أنهم يتجاوزون نقاط الاختلاف الساخنة مع الغرب، ويقفزون على قضايا الولاء والبراء والقضايا العقدية إجمالاً، كما أنهم لا يرتبطون غالباً بأي انتماءات لجماعات إسلامية عليها علامات استفهام غربية. وفي الحقيقة فإن هذه الفئة من الدعاة رغم إيجابيات تحققت على أيديهم بإذن الله، فإنهم يلعبون دوراً خطيراً في وقف التوجه الشعبي نحو الإسلام الحقيقي بشموليته لجميع جوانب الحياة؛ فهم يمثلون مكابح للتدين تقف بالناس عند مرحلة معينة متوسطة بين الانحراف عن الدين وبين الإسلام كما يقدمه المنهج السلفي، ليقولوا لهم: نهنئكم بسلامة الوصول؛ لقد أصبحتم متدينين. ولا يُخفي عدد من المفكرين والكتاب الغربيين أن هذا بالفعل هو مفهومهم عن أي إصلاح أو نهضة إسلامية. يقول (روبرت سبنسر) مدير موقع مراقبة الجهاد (jihad watch): يجب على النهضة الإسلامية أو الإصلاح ـ أيهما شئت ـ أن تكون إلغاء واضحاً للحرفية القرآنية، وإن لم تكن كذلك؛ فكيف ستُمنَع هذه الحرفية من الظهور مجدداً؟». ولكن المؤسـف أن التـنازلات التـي يقدمها دعاة الاعتدال قد لا تلقى ترحيباً لدى الطامعين في المزيد، وفي مقدمة هؤلاء الحاقد الأكبر على الإسلام (دانيال بايبس) صاحب الحظوة في البيت الأبيض الذي كتب مقالة بعنوان «كيف نحدد المسلمين المعتدلين؟» نشرتها صحيفة (نيويورك صن)، ويقول فيها: «هـناك المزيـد مـن المعتـدلين المزيـفين الذيـن يصـعب الكشف عـن تطـرفهم، حتـى وإن كان المراقب هو مثلي ويكرس الكثير من الوقت والانتباه إلى هذه القضية». ونحن لم نسمع من قبل عن معتدلين يلبسون «طاقية» الإخفاء، وخاصة أن المسلمين السنة لا يعتمدون «التقية» في دينهم. ويقدم «بايبس» توضيحاً أكثر لمراده: «الإسلامويون ـ يعني المتطرفين ـ يعون الحاجة إلى المسـلمين المعـتدلين وهـم يتـعلمون كيـف يتظاهرون بالاعتدال، ولا شك أن هذا التمويه سيتحسن مع الوقت». العنصر الثاني: المتصوفة الجدد: ونحتاج إلى بعض التفصيل لهذا العنصر نظراً لأهميته وخطورته على الدين الحق، وهناك دلائل كثيرة تشير إلى أن السياسة الأمريكية باتت تنظر إلى الصوفية «المعدلة» على أنها يمكن أن تمثل بديلاً مناسباً للتدين لدى عامة المسلمين، ونذكر فيما يلي بعض هذه الدلائل، ثم نقدم نموذجين للمتصوفة الجدد: ـ في عام 2003م عقد مركز نيكسون للدراسات في واشنطن مؤتمراً عنوانه «فهم الصوفية والدور الذي ستلعبه في السياسة الأمريكية» وكان من أبرز الحضور الدكتور برنارد لويس وهو من أبرز الناقمين على الإسلام، والدكتور كوركوت أوزال شقيق الرئيس التركي الأسبق تورجوت أوزال، ومحمد هشام قباني رئيس المجلس الإسلامي الأمريكي. ـ ووزع في المؤتمر دراسة بيانية توضح الجماعات والمذاهب الإسلامية والمنتمين إليها، وجاء فيها أن مجموعة السلفية هم الذين ينتمون إلى مدرسة ابن تيمية، وأطلقوا عليها «مجموعة الإسلام السياسي» ووضعوها داخل دائرة حمراء، واعتبروا من بينها: الوهابية ـ الجماعات الفلسطينية الإسلامية ـ الجماعات الإسلامية السلفية ـ حزب التحرير ـ جماعة التبليغ. ـ يعتبر المجلس الإسلامي الأمريكي الصوفي الذي أسسه هشام قباني مصدراً مهماً للمعلومات لدى الإدارة الأمريكية عن الإسلام والمسلمين، وكان بول وولفويتز مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق يعقد لقاءات دورية مع أعضاء المجلس للتشاور معهم حول قضايا الإرهاب «الإسلامي».