الدكتور أحمد النجار والمصرفية الإسلامية التجربة الانمائية الالمانية لقد أتيح لى فرصة العمل مع الدكتور احمد النجار والرواد الاوائل للمصرفية الاسلامية ، منذ بدايتها ، وعايشت وسجلت وكتبت أحداث ميلاد هذه الصناعة ، ووقفت على جهادهم ، ومعاناتهم فى سبيل بناء أنموذج للصناعة المصرفية الاسلامية، ومارست العمل فى هذه البنوك ، وكانت هذه الصناعة محلا للتقويم فى دراستى للماجستير حيث كان موضوع البحث " مشكلات الافراد فى البنوك الاسلامية. دراسة ميدانية". وفى دراستى للدكتوراة وكان موضوع البحث " التطوير التنظيمى فى البنوك الاسلامية " ورأيت من واجبى أن أنقل لزملائى من الخبراء والباحثين ولشباب الباحثين ، وللعاملين فى هذه المؤسسات، ، تجارب هؤلاء الرواد وهم كثر، وقد أخترت أن أبدأ بالمرحوم الدكتور أحمد النجار. ثم أتبع ذلك بباقى الرواد ان شاء الله تعالى .ورأيت أن تكون هذه السلسلة من المقالات تحت عنوان "الجذور الفكرية للمصرفية الاسلامية." - فى عام 1958 سافر النجار الى المانيا الغربية لدراسة الدكتوراة فى الإقتصاد، وعندما وصل النجار الى المانيا اصيب بدهشة أنه أعيد بناء المانيا فى 14 سنة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 . لماذا أصيب بدهشة لأن الحلفاء دمروا البنية الاساسية ’المصانع ’ البيوت’ عدد الوفيات فى هذه الحرب اقترب من 55مليون نسمة. تساءل النجار لماذا لم نفعل مثلهم ’ ونحن لم تدمرنا الحرب’ وعكف يدرس ويعايش فى هدوء أسباب نهضة المانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، المانيا كانت تعانى من الإنكسار بسبب إتهامها بالنازية وأنها مدمرة للحضارة الانسانية. و من ثم تقسيم المانيا إلى شطرين ’ غربية وشرقية ، تخضعان لنظامين اقتصاديين مختلفين أحدهما رأسمالى ، والثانى شيوعى . دراسة النجار ركزت على المانيا الغربية منبهرا بالإنجازات ومحبا للتجربة متفاعلا معها.(هذه نقطة هامة فى البحث العلمى أن يتفاعل الباحث مع موضوع البحث). أولى مشاهدات النجار هى إعتناق الشعب الالمانى لرؤية تقول " نحن الألمان من أفضل شعوب الارض " أى مطلوب منا تحسين صورتنا وأن نعيد إعتراف العالم بنا أننا بناة حضارة ، وليس نازيين ، وأن تركيب القوى العاملة كان (75% نساء و25% رجال)’ لأن الرجال إما قتلوا فى الحرب أو يعاقبون فى السجون. كيف يتم تحقيق الرؤية ؟ سجل النجار عدد من المشاهدات وتمثل العناصر الأساسية والتى كانت سببا فى تحقيق التنمية فى المانيا ،نشير إليها بإيجاز فيما يلى: بنوك الادخار: وهى بنوك لتعبئة المدخرات مهما كان حجمها من المواطنين ، وهذه البنوك منتشرة فى كل ربوع المانيا ، وكان يتساءل النجار ، كيف لشعب فقير خارج من الحرب يدخر؟. الاقتصاديين يعرفون الإدخار بأنه هو الفائض من الدخل بعد الاستهلاك ، وهم اى الألمان ليس لديهم فائض لأنهم خارجين من الحرب ، ويكتشف أن الألمان يدخرون قيمة السلعة أولا ثم يشترونها ،وعليه يمكن تعريف الإدخار بالنسبة للالمان "بأنه تأجيل إنفاق عاجل الى إنفاق آجل "– وهذا يوضح أنه سلوك أمة راغبة فى البناء وتحقيق النهضة. الوعى المصرفى: أى أن سلوك كل المجتمع الألمانى هو إيداع أية مدخرات ولو قليلة فى البنك ، ووجد أن 95% من الشعب الالمانى له حسابات فى البنك أى أنهم مدخرين ، سواء كان ذلك فى المدن أو القرى. نظام معلومات : يحوى ثلاث عناصر . معلومات "عن حجم المدخرات وآجالها ’" معلومات عن "المشروعات" المطلوب تمويلها وفى اى مجال اقتصادى(زراعى ’ صناعى’ عقارى.. الخ) بعد الحرب اجتمع العلماء وحددوا المشروعات المطلوب تمويلها وفى اى مجال اقتصادى ، وذلك بوضع خرائط تغطى كل المانيا المدن والقرى ، وظل العلماء الالمان يفاخرون ’ بان الحرب دمرت المصانع والبيوت ’ ولكن لم تدمرالعقول ، وكيف يتم تمويل المشروعات وحجم المدخرات لاتفى بحاجات الخطة وهنا تم وضع" نظام معلومات للاولويات "أى ماهى المشروعات التى تحتل الاولوية الاولى ، يقول النجار ان نظام الاولويات بدا بالمشروعات التى تحافظ على كرامة وكبرياء المواطن الالمانى كأولوية أولى ، كى تحقق له الإسقرار، وتحقيق الأامن الاجتماعى له ’ فبدأت الخطة بتوفير المسكن، والماكل، والتعليم ’ والصحة ، والزواج . ماأثر ذلك على الاداء؟ وهذا ينقلنا الى السبب الاخر فى تحقيق نهضة المانيا. الولاء : الشعب الالمانى يدين بالولاء’ والولاء ليس كلمات شعر تقال او اغنية يتغنى بها الشعب الالمانى بل ان"الولاء هواتقان العمل"يقول الدكتور انه كان يشاهد العامل الذى يقوم بتنظيف الشارع كأنه فى محراب عباده ويقول صحة المواطن الالمانى تبدا من هنا من نظافة الشارع ، ولما كان يزور المدارس يجد المدرس يعمل بنشاط وكفاءة عاليه ويقول هؤلاء هم علماء المستقبل ’ العمال فى المصانع ’ فى المزارع ’ الكل يتقن عمله ويسأل النجار لماذا نفعل ذلك ؟، وماهو الدافع إليه ؟، ويكتتشف أن كل الشعب الألمانى مرتبط "برؤية يجب ان تحقق عمليا وليس اقوالا " "نحن الالمان من افضل شعوب العالم" فاذا صنعنا سيارة تكون افضل سيارة فى العالم ’ اذا كتبنا" صنع فى المانيا " نكسب ثقة العالم.، سأترك للقارئ الكريم ’ الاجابة على هذا السؤال هل نجحت المانيا ؟ كل هذا يتم مع وجود اكبرقاعدة عسكرية امريكية على أرض المانيا حتى اليوم .وهذا ينقلنا الى السبب الاخير من وجهة نظر المرحوم الدكتور النجار. "مشروع مارشال" : بعد الحرب العالمية الثانية تم صياغة قانون مساعدات لاعادة بناء اوربا ، ويقرر" قانون مارشال" إعانة نقدية لكل مواطن. ارسل النجار رسالة الى الدكتور محمد عبد الله العربى، ،أحد رواد العمل المصرفى الإسلامى ، والذى بشر بوجود نظام مالى اسلامى يحكى له فيها مشاهداته فى المانيا والكتور العربى هو خال النجار فماذا اجاب الدكتور العربى على النجار.؟ تناولنا فى الفقرات السابقة الأسباب التى شكلت نهضة للأمة الالمانية بعد الحرب العالمية الثانية والمتمثلة فى وجود رؤية ’ وارادة لشعب فقد ممتلكاته ’ ولم يفقد عقله ’ ثم آلية عمل تتضمن خمسة عناصر كانت سببا فى تحقيق التنمية وهى "بنوك الإدخار’ والوعى المصرفى ’ ونظام المعلومات ’ والولاء ’ وقانون مارشال’ " وانتهينا الى ان النجار أرسل رسالة الى أحد رواد الفكر الاقتصادى الإسلامى " محمد عبدالله العربى " يشرح له فيها نتائج بحثه وأجاب الدكتور العربى برسالة يقول فيها : لقد عشت بعقلى وقلبى ومشاعرى مع ماتفضلت به ’ وكأننى أعيش فى العصور الخوالى مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم ’ و صحبه الأطهار , هذا سلوك المسلم الملتزم ’ وهذا منهج الاسلام فى البناء ’ وإعمار الارض ’ وفق منهج الله وشريعته. ان كل ماأشرت اليه موجود فى شريعتنا . فالرؤية قد وضعها الله عز وجل فى كتابه العزيز منذ اربعة عشر قرنا وهى قول الله عز وجل فى كتابه الكريم " كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" اية 110 ال عمران. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الخير فى وفى امتى الى يوم الدين " والخيرية تتحقق باقامة المسلمين للمنهج . ولما بعد المسلمين عن المنهج فقدوا الخيرية. أما فيما يتعلق بالإدخار فقد وضع الإسلام منهجا مترابطا للمال كسبا ، وانفاقا ، واستثمارا وهو أن يكون الكسب من حلال وأن نعتدل فى الإنفاق والبعد عن الإسراف والفائض يتم إستثماره .والنهى عن الإكتناز’ والنهى عن التعامل فى المحرمات ’ والربا ’ وأكل أموال الناس بالباطل’ وبين لنا الاسلام أن المال" كل النعم والطيبات " مال الله ونحن مستخلفون للعمل فيه وفق منهج الله ’ وحض الإسلام على أداء الزكاة فى مصاريفها الشرعية " " انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل" اية 60 التوبة. أما فيما يتعلق بمنهج الأولويات فقد أرسل الدكتور العربى للدكتور أحمد النجار كتاب" الموافقات" للإمام الشاطبى محددا به الأولويات ومقاصد الشريعة الاسلامية وموضحا له أن المقاصد الضرورية التى تحقق للناس المأكل والمسكن والزوجة والصحة، انه بتوفير ذلك تتحقق المقاصد الكلية الخمسة" حفظ الدين و النفس و العقل والنسل والمال". أما فيما يتعلق "بالولاء أى إتقان العمل " فالإسلام حريص على الإتقان " إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه " حديث ضعيف لكن يتم الإستشهادبه ’ فإتقان العمل عبادة لله وهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة. وكان لهذه الرسالة أثرا كبيرا فى توجه النجار نحو الدراسة فى المصادر الاسلامية وبصفة خاصة فى فقه المعاملات ، وفقه العبادات ، والاخلاق. دكتور سمير رمضان الشيخ