خلال فترة الإجازة الصيفية للمدارس والجامعات يتحمس كثير من العوائل للسفر والسياحة، حيث اجتمع فراغ الأبناء وطول إجازتهم مع الحر الشديد الذي يصل إلى 50 درجة مئوية في ذروة موسم الصيف في بعض مدن المملكة، ولكل عائلة وجهة، إما أن تكون جديدة ليستكشفوا العالم من حولهم ويخوضوا مغامرة سياحية مختلفة، وإما أن تكون وجهة اعتيادية سبق أن زاروها وارتاحوا لها وفضلوا أن يكرروها في كل عام. ومع هذه الرحلات والزيارات لمدن مختلفة حول العالم وبعد أن تستمتع العائلة بأجواء تعد ربيعية وذات درجات حرارة معتدلة وطبيعة خلابة، تتسلل فكرة في الذهن هي: لماذا لا نشتري عقارا في هذه المدينة، وتكون وجهتنا السياحية الدائمة؟ ثم يقنع الشخص نفسه بأن ذلك يعد استثمارا مجديا كذلك، ويسأل مَن حوله ممن قد لا يملك الخبرة العقارية في تلكم الدولة ليؤكد له أن الاستثمار مجدٍ، لأنه يعرف صديقا لابن خالته سبق أن اشترى عقارا في تلكم المدينة، وربح من تلكم الصفقة شيئا مجديا. ما سردته أيها القارئ الكريم ليس قصة خيالية، بل سيناريو متكرر، وهنا أنا لست ضد الاستثمار العقاري في الخارج، لكن ضد فكرة الاستثمار غير المدروس والعشوائي، الذي وقع ضحيته عديد ممن يجهل سلبيات وإيجابيات الاستثمار في الخارج، ولذا من الجيد أن نتعرف على تلكم السلبيات والإيجابيات، ليكون قرارنا الاستثماري منطقيا وليس عاطفيا. تتركز الإيجابيات في التالي: توزيع المخاطر الجغرافية، لأن العقار سلعة محلية وتتأثر بما يحصل حولها على مستوى الحي أو المدينة أو الدولة من تغيرات إيجابية وسلبية، سواء على النطاق الاقتصادي أو السياسي، ولذلك من وسائل تقليل المخاطر في المحفظة العقارية أن تكون متنوعة من حيث موقعها الجغرافي، وبلا شك لا بد من معرفة أن لكل موقع سلبياته وإيجابياته، فلا تتوقع في الدول المستقرة والمتقدمة مثل بريطانيا عوائد عالية، لأن مخاطر الاستثمار العقاري فيها متدنية، بينما إذا استثمرت في الدول النامية أو الناشئة فلا شك أن الاستقرار الاقتصادي والسياسي أقل، وبالتالي المخاطر أعلى والعوائد أعلى. الاستفادة من الدورات الاقتصادية والعقارية، والمتتبع لحال الدول حول العالم سيجد أن هناك تباينا بين دوراتها العقارية، فتجد أن أجزاء من العالم تعاني ركودا في مقابل انتعاش أجزاء أخرى وهكذا، ولذا فإن تتبع هذه التحركات الاقتصادية ودوراتها سيعطي مجالا كبيرا لصاحب المحفظة الاستثمارية في توزيع نشاطه العقاري وتركيز استثماراته في المناطق التي يتضح أنها تنتعش، وفي المقابل يتخارج من المناطق التي من المتوقع أنها وصلت القمة، وبذلك يكون أداء المحفظة جيدا على المديين المتوسط والبعيد، وهذه استراتيجية ليست بالهينة وتحتاج إلى إدارة فعالة ومصادر بيانات ومعلومات دقيقة للتمكن من تنفيذها. التعرف على أسواق وأساليب استثمارية جديدة ومبتكرة، وتعد هذه من أهم المميزات، حيث يتيح الاستثمار في الخارج فتح قنوات اتصال بالمهنيين والمحترفين في المجال العقاري والاستفادة من التجارب، واستكشاف عديد من أنواع الاستثمارات العقارية التي لن يتمكن المستثمر من معرفتها في السوق المحلية. أما أبرز السلبيات فهي: تذبذب العملة، فغالبا ما يقيم المستثمر أصوله بعملته الأصلية مثل الريال السعودي، ولتذبذب العملة جانب إيجابي في حال وجود انخفاض في عملة السوق المستهدفة وقت الشراء، بينما يعد سلبيا في حال الرغبة في البيع أثناء انخفاض العملة، وهناك شواهد كثيرة على هذا الموضوع من الأسواق القريبة من السعودية، مثل مصر عندما عومت الجنيه المصري وانخفض بشدة مقابل الدولار، وكذلك الليرة التركية التي بدأ انخفاضها بشدة مقابل الدولار منذ 2014 حتى الآن. اختلاف القوانين والتشريعات العقارية، وهذه من أهم الأمور التي تجب مراعاتها وتعد سلبية للشخص الجديد على السوق، لأنه سيكون عاجزا عن فهمها ويحتاج إلى متخصصين للاستعانة بهم، ومن أهم الإشكالات التي يقع فيها مشترو العقارات في الخارج هو نوع الملكية، التي يعتقد بعض المشترين في الخليج أن كل الأسواق مشابهة لسوقهم من حيث إن التملك حر، بينما الواقع أن لكل دولة طريقة في التملك، مثلا في بريطانيا يكثر في المناطق السكنية ما يعرف بحق الانتفاع Leasehold الذي يعطي لمشتري العقار حق انتفاع لمدة محددة ثم يحتاج إلى تجديدها، وفي البوسنة مثلا لا يمكن للفرد الأجنبي تملك العقار، فلا بد من إنشاء شركة بوسنية يتم التملك عن طريقها، كما أن من المهم فهم نظام الضرائب والاستعانة بالمحامين والمحاسبين المتخصصين في هيكلة الشراء، لتقليل الضريبة قدر المستطاع، سواء للشراء أو الضريبة السنوية أو ضريبة الدخل أو ضريبة الأرباح الرأسمالية، كما تجب معرفة كيف ستؤول العقارات للورثة، لأن بعض الدول تفرض نسبة تستقطعها من قيمة العقار قد تصل إلى 40 في المائة عند انتقال العقار إلى الورثة بعد وفاة المالك. التغيرات الجذرية في السوق المستهدفة، وذلك بحصول تغيرات سياسية بأن تحكم جهة لا ترغب في الاستثمار الأجنبي أو تحجم منه، وكذلك قد تحصل بعض الانقلابات السياسية، كما قد تدخل بعض الدول في ركود اقتصادي بعد فترة انتعاش. الخلاصة، أن الاستثمار العقاري في الخارج جيد ومهم لمن يرغب في تنويع محفظته العقارية، لكن لا بد من تحديد الهدف من الاستثمار، وكذلك التعامل مع الثقات في تلكم الأسواق، والاستعانة بالجهات الرسمية مثل الملحقيات التجارية والأقسام القانونية في السفارات السعودية.
http://www.aleqt.com/2018/07/14/article_1419686.html