كتب د. أشرف محمد دوابه
أستاذ التمويل والاقتصاد المساعد، كلية المجتمع جامعة الشارقة الإمارات العربية المتحدة
عن ترشيد الاستهلاك
في الوقت الذي تطالعنا فيه الصحف الأجنبية ووكالات الأنباء عن أن الأزمة المالية العالمية كان لها دور في كبح جماح المستهلك الأوروبي وكذلك الأمريكي، الذي كان يعد الأضخم استهلاكا في العالم، لا تزال دولنا العربية للأسف تعاني من مرض الإنفاق الاستهلاكي، الذي هو بمثابة قنبلة اقتصادية موقوتة ستنفجر لتدمر الاقتصاد إن آجلا أو عاجلا.
وإذا كان هذا التوجه العالمي قد ساعد في تبنيه سياسة اعتمدتها البنوك لجأت إليها مضطرة بعد أن تسببت القروض الاستهلاكية في إحداث الأزمة، فإن الغريب أن البنوك بالدول العربية لا تزال تسير في هذا الطريق المدمر، وأصبح التسابق بينها محموما في تسويق منتجاتها المصرفية، وفي مقدمة ذلك بطاقة الائتمان، التي أصبحت تحاصر المواطن العربي من خلال سعي مندوبي المبيعات بالبنوك إلى استخدام سياسة النفس الطويل والقصير حتى تجعل من المواطن أسيرا لتلك البطاقات وما يترتب عليها من سير الفرد في حلقة مفرغة من الديون لا ينفك عنها.
فالمواطن العربي لا يكاد يذهب إلى عمله إلا ويجد لقاء حميما أو اتصالا هاتفيا ينتظره من مندوب أحد البنوك ليقنعه بالحصول على بطاقة ائتمانية أو قروض شخصية وتمويلات بمزيد من الإغراءات والشروط الميسرة لشراء سيارة أو شراء سلع استهلاكية معمرة وغيرها، وكأن خزائن البنك قد فتحت من أجله.
ولم يتوقف الأمر على البيع الشخصي من خلال مندوبي المبيعات، بل يتم جر المستهلك إلى هذا النمط من الإنفاق بكل السبل، فأبرز المآخذ التي يضعها الاقتصاديون على قانون إدارة الأصول المزمع إصدارة بمصر، والذي سيمنح المصريون من خلاله أسهما من شركات القطاع العام، أنه سيساعد على نشر الثقافة الاستهلاكية، فالمواطن قد يلجأ إلى بيع هذه الأسهم من أجل الحصول على سلع غير ضرورية.
أنفق ما في الغيب
هذه الإستراتيجية غيرت من النمط الاستهلاكي للمستهلك العربي، ولم تعد العبارة غير المرغوبة "أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" هي السائدة، بل تعدت طموحات المستهلك لما هو أكبر وأبعد من ذلك بكثير، حيث أصبحت رؤيته "أنفق ما في الغيب" أملا في حدوث زيادة في دخله، وهو ما ساهم في سيادة ثقافة الاستهلاك غير الرشيد.
فعلى سبيل المثال كشف تقرير صادر في يونيو 2008 عن دائرة التخطيط والاقتصاد في إمارة أبو ظبي أن حجم الإنفاق الاستهلاكي الخاص (العائلي) وصل إلى 320 مليار درهم، يشكل ما يقارب من نصف الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن ارتفع بنسبة 122% خلال السنوات الخمس الماضية من 144 مليار درهم عام 2002 إلى 320 مليار درهم عام 2007 بمتوسط معدل نمو سنوي بلغ 18%، وهو ما يعادل أكثر من ضعف معدل النمو الاقتصادي الحقيقي للدولة خلال الفترة نفسها.
وأظهر التقرير أن نتائج المسح الميداني حول دخل وإنفاق الأسر في إمارة أبو ظبي خلال العام الماضي وحتى نهاية الربع الأول من هذا العام أظهرت الميول الاستهلاكية لدى أفراد المجتمع حيث تستقطع نحو 60% من دخل الأسر، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 87% تقريبا لدى الأسر التي يقل دخلها الشهري عن 10 آلاف درهم.
ثقافة سلبية
هذه الثقافة السلبية خاصة في ظل تفشي الطاعون المالي العالمي سوف تؤدي إلى مخاطر لا يقتصر أثرها على الجانب الاقتصادي فقط، بل يمتد للجانب الاجتماعي والسياسي والشرعي، فعلى مستوى المخاطر الاقتصادية تؤدي سيادة ثقافة الاستهلاك إلى انهيار المقومات الأساسية للنمو ممثلا في الادخار والاستثمار، فالدخل القومي هو محصلة الاستهلاك والادخار، وزيادة الاستهلاك سوف تكون بالطبع على حساب الادخار الذي يساعد على زيادة التكوين الرأسمالي مما يساعد بدوره على زيادة الإنتاج والتشغيل، ومن الحقائق الثابتة أن البلدان ذات الادخار المرتفع قد نمت بصورة أسرع من البلدان ذات الادخار المنخفض، كما أن التسليم بتعظيم الاستهلاك كهدف رئيس في حياة الفرد يحول بينه وبين التضحية من أجل الآخرين، وهو الأمر الذي ينعكس أثره سلبا على نصيب الأجيال القادمة من الموارد، وفي نهاية المطاف لا يسلم أداء السوق والحكومة من التأثير السلبي لذلك الاستهلاك.
كما أن سيادة ثقافة الاستهلاك تؤدي إلى تضاعف الحاجات البشرية وتجاوزها قدرة الموارد المتاحة على تلبيتها، وهو ما يعني مزيدا من ارتفاع الأسعار، فضلا عن خلق بيئة غير صحية أمام المنتج المحلي مما يعرضه للانهيار، مما يكرس مفهوم التبعية والاعتماد على الغير بديلا عن الاعتماد على الذات.
ولا يقل الأمر خطورة في الجانب الاجتماعي، فهجوم الثقافة الاستهلاكية يؤدي إلى مخاطر اجتماعية على الأسرة يأتي في مقدمتها نشر ثقافة الدول المصدرة وما ينتج عن ذلك من تبعية ثقافية وفقدان للهوية، فضلا عن افتقاد العديد من السلع لمعايير السلامة الصحية، وكذلك الحيلولة دون وجود قدوة استهلاكية من الآباء للأبناء، بالإضافة إلى إرباك ميزانية الأسرة من خلال استهلاك العديد من السلع التي لا معنى لها، وهو ما يوقع الأسرة في براثن الاقتراض، مما يؤثر على كيان الأسرة وقد يؤدي إلى انفصام عراها.
وعلى مستوى المخاطر السياسية يأتي في مقدمة ذلك مخاطر التبعية نتيجة الاعتماد على الغير في تلبية حاجات المستهلكين، فضلا عما يترتب عن التمادي في سياسة الاستهلاك الترفي غير الرشيد التي يمتد ضررها إلى بنيان الدولة ذاتها.
أما عن المخاطر الشرعية فإن دولنا مهددة بمخاطر الخروج على الأخلاق والآداب والهوية الإسلامية من خلال تقليد الغرب في المأكل والمشرب والملبس ونحو ذلك، وكذلك الإسراف والتبذير والترف، والجري وراء المظاهر الفارهة والكرم المصطنع والشراء الانفلاتي، رغبة في الشراء من أجل الشراء، بل إنفاق المال أحيانا في معصية الله، وهو الأمر الذي لا يرضي ربا، ولا يسعد رسولا، ولا يقيم للفرد وزنا.
دروس الأزمة
إن عالمنا العربي ينبغي أن يستوعب دروس الأزمة المالية العالمية ولا يترك بابا من أبواب أسبابها إلا أغلقه، وقد كان من مسببات تلك الأزمة إفراط البنوك والمؤسسات المالية في الولايات المتحدة الأمريكية في منح القروض العقارية والتغاضي عن تدقيق السجل الائتماني للعميل، وسياسة منح القروض الاستهلاكية في البنوك والمؤسسات المالية العربية لا تختلف عن تلك السياسة، وهو ما يمثل فقاعة قابلة للانفجار، وهذا يحتم على أجهزة الرقابة ممثلا في البنوك المركزية وضع معايير صارمة للرقابة على تلك النوعية من القروض بما ينوع من المحفظة الائتمانية للبنوك، ويرسخ مفهوم التركيز على جودة المبيعات لا حجم المبيعات من خلال تدقيق السجل الائتماني للعميل.
إننا نوقن أنه لا يمكن تصور مجتمع بدون استهلاك، فالاستهلاك هو العملية الحيوية التي قامت عليها الدورات الاقتصادية المنعشة للأمم، كما أنه السبب الأساسي في التطور الحضاري منذ أقدم العصور، وبسببه قامت الثورات الاجتماعية والحروب الدولية، فهو ليس كله شر أو عملية ذميمة كما يصورها البعض، ومن الظلم أن يتم وصف أي شيء مبتذل على أنه استهلاكي، فالرشادة فيه خير، وعملية مفيدة للفرد والمجتمع، والإسراف فيه شر وعملية مضرة بالمجتمع، والتربية الادخارية خير، والخير كل الخير في الوصية القرآنية: { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} (الأعراف 31)، والوصية النبوية: "ما عال من اقتصد".
يعطيك العافية
موضوع جدير بالقراءة
بارك الله فيك وشكراً على مرورك الطيب أخى على
بارك الله فيك
وفيك أيضاً أخى سابق2010
شكراً على مرورك الطيب
ماشاء الله الموضوع حاطينه في الواجهة الرئيسية
وهذا إن دل على شي دل على امتياز الأخ مصرواي بكتاباته الجميلة المبدعة
الأخ الكريم neweng_26
شرفنى مرورك الطيب
ممكن يكون علشان الموضوع مفيد في هذه الظروف المتأزمة اقتصادياً
الي يريد ان يعيش باستقرار في حياته الابتعاد عن البطاقات الائتمانية وشكرا لك
الأخ القشيرى شكراً على مرروك
ليست المشكلة في البطاقات الأئتمانية ولكن المشكلة في مستخدمها كثير من الناس يمكلون هذه البطاقات ولكنهم يستعملونا بصورة صحيحة
موضوع رائع ومفيد .. الله يعطيك العافيه .. وكل عام وانت بخير مقدماً
الأخ MINICooperS جزاك الله خيراً وكل عام وانت بخير
وشكراً على مرورك الطيب
اخي المبدع قرأت الموضوع متأخراً والفائدة فيه بينة ،والاختيار موفق ،وتم النسخ وارساله لبعض الاخوة لتعم الفائدة ، ويحصل النفع.
جزاك الله خيراً
بارك الله فيك اخى النصار أبو محمد
شرفنى مرورك
انا لله وانا اليه راجعون
لا تعليييق
13. بقلم: afm
شكرا لمرورك