ما بين الوظيفة والتجارة
لا يكف صاحب القلب الكبير والقلم الكبير الشيخ الاستاذ على الطنطاوي عن مفاجآتي بين حين وآخر بإحدى خواطره القيمة التي لم أقراها من قبل أو تلك التي طوتها رفوف مكتبتي المنزلية منذ زمن غير قصير .. فقد قرأت له الكثير والكثير من المقالات الاجتماعية والأدبية والقصص والذكريات وغيرها .. واليوم وقعت عيني على إحدى القصص الشيقة من عالم الأعمال (البزنس)!! .. أحببت القصة ورأيت أن أشارككم إياها..
يقول الاستاذ الشيخ علي الطنطاوي..
أقص عليكم اليوم قصة واحد من تلاميذي القدماء، كان تلميذاً ذكياً عاقلاً، عقله أكبر من سنه. فلما أكمل المدرسة وحمل الشهادة أخذه أبوه للعمل معه في الدكان. وكان أبوه حلاقاً. فكنت كلما جئته لأحلق ورأيت الولد يشتغل بالحلاقة أتألم وآسف وأتمنى لو أنه أكمل دراسته. وكنت أكلم أباه وأقول له أن العصر عصر علم، ثم انه عصر شهادات وإنه يوفر بتشغيل الولد عنده أجرة عامل (وكانت أجرة العامل آنذاك 15 ليره في الشهر)، بينما لو ترك الولد يكمل دراسته لعمل في وظيفة تدر عليه أضعاف هذا التوفير. لم يقتنع الأب العجوز بهذا الكلام. فأجزت لنفسي أن أكلم الولد نفسه وأقنعه بإكمال الدراسة.
لم يكن الأب راضياً عن قرار ابنه بإكمال تعليمه فغضب عليه، ولكن بدت عليه علامات الرضى مع تفوق ابنه في الدراسة وإكماله الثانوية العامة بتفوق، وأراد أن يكون معلماً، فتم تعيينه في إحدى القرى البعيدة إلا أنه أبى إلا أن يكون في دمشق، وسعينا له في ذلك فما أفلحنا. وهنا تدخل الأب قائلاً: كم راتب المعلم؟ قلنا: ست وثلاثون ليره (وكانت تعدل سبعة دنانير ذهبية انكليزية). فقال: هذه مئتا دينار ذهبي أعطيه إياها، على أن يترك الوظيفة ويشتغل بالتجارة، فهي أبرك وأنفع، وسيكون فيها سيد نفسه، لا يخضع لرئيس ولا يقيد بقيد.
وافق الأبن بعد أن استشارني، فسلم الأب المبلغ إلى أحد تجار الزجاجيات وأدوات المطبخ ووضع الولد عنده ليتعلم الصنعة. وكان التاجر ماكراً فأهمل الولد ولم يعلمه شيئاً من أسرار الصنعة. ولكن الولد كان نشطاً متوثباً وكان ابن ثمان عشرة سنة، ولم تعجبه هذه الحياة الجامدة وأحس أن التاجر لا يريد أن يعلمه شيئاً. فأقبل يلاحظ ويتعلم بنفسه، يراقب صامتاً والتاجر يظن أنه لا يرى شيئاً، حتى عرف كيف يستورد التاجر بضاعته وعرف عنوان المعمل، فسحب من رأس ماله خمسين ديناراً وطلب طلبية باسمه ولم يعلم بها التاجر وتفاجأ بها ولكنه لم يقدر أن يتكلم. وباعها الولد وربح فيها وانتقل منها إلى غيرها فلم يمر عليه في الدكان سنتان حتى صار رأس ماله أكبر من رأس مال التاجر. وكان التاجر قد مل العمل وأدركه الكبر وأراد لنفسه الراحة، فعرض عليه شراء الدكان، فاشتراه الولد وأصبح هو صاحب الدكان.
استمر نجمه صاعداً، فاتسعت تجارته، وصار عنده في المحل كاتب يأخذ أكثر من معاش المعلم!! (الوظيفة التي أرادها قبل أن يدخل في عالم التجارة). واستمر معه صفو الحياة حتى أصبحنا على يوم من أيام الحرب العالمية الثانية، وإذا برجّة كأنها اقتلعت دمشق من أركانها، ثم كانت ثانية وثالثة ورابعة، فتحطم كل زجاج البلد وعم الذعر وخرج الناس من بيوتهم. ونظرنا فإذا هي غارة جوية ولم نكن ندري ما الغارات ولا كنا نعرفها. واشتعلت الحرائق في جهات من المدينة، وكان منها السوق الذي فيه دكان ذلك الشاب. وأسرعت إليه أواسيه وذهبت معه وإذا بنا لا نجد سوقاً ولا نجد في السوق دكاناً وإنما هي أطلال مسودة لا يزال يخرج منها الدخان، ووجد خزانة المال بين تلك الأطلال وإذا هي كالجمر من شدة الحرارة وكان ماله كله داخل تلك الخزانة حيث لم يكن يضعه في المصارف. ففتحنا الخزانة وإذا بها حزم من الليرات كانت أكثر من مئة ألف. ولكنه عندما مد يده ليمسكها تفتت وصارت رماداً. وكاد يجن من ذلك.. هل هذه ثمرة تعب كل هذه السنوات؟ أهذه عاقبة الجد والكد والسهر؟؟!!
تركنا وهام على وجهه كالمجنون ولحقته فما أدركته، وبحثنا عنه فلم نجده، واتى بعد يومين وكان هادئاً ولكن أثر التعب والسهر ظاهر عليه. وسألناه فعلمنا أنه أراد الانتحار وكبرت عليه المصيبة فلم يحتملها ومشى وهو لا يدري أين يذهب، حتى أقبل الليل. فرأى أمامه مسجداً فدخله فلما صلى لله أحس بالاطمئنان وزالت عنه الغشاوة. فرأى كيف أنعم الله عليه حيث كان جاهلاً لا خبرة له فصار له كل هذا المال.. ففكر لماذا لا يبدأ مرة ثانية وعنده الاسم والخبرة التجارية والاسم التجاري في السوق والتجار يثقون به ويعطونه.
تريدون تتمة القصة؟! بدأ من جديد وثابر ووفقه الله وأصبح أحد التجار الكبار في أحد البلدان العربية الكبيرة وقد جاوزت أعماله الملايين. ولو أنه أقبل على الوظيفة لكان راتبه 600 ريال (القصة حدثت في الستينيات أو قبل ذلك). ولو أنه انتحر كما يفعل المجانين لخسر الدنيا والدين. فهل يستفيد من هذا الدرس أحد الشبان السامعين؟!
دروس نستخلصها من القصة:
مرت قصة النجاح بعدة مراحل .. بداية متعثرة – صبر ومثابرة وتألق – أزمة – صبر ومثابرة ونجاح. وفي رأيي الشخصي أن هذه المراحل يمر بها كل من يصل إلى النجاح. فكما يقال يوم لك ويوم عليك، ولكل شيء فترة قوة وفترة ضعف. المهم هو مواصلة العمل.
الحديث عن الوظيفة والتجارة يثير الشجون في قلوب الكثير من الموظفين، فليست المسألة بسيطة إلى هذا الحد، وهناك أمور كثيرة يجب الوفاء بها قبل اتخاذ مثل هذه الخطوة خصوصاً من هو متزوج ويعول أسرة أو أكثر. وإذا قبل هو بالمغامرة فإن من يقعون تحت مسؤوليته يتخوفون وينظرون له نظرة المغامر الأجوف الذي سوف يضيعهم معه.
لا تنتظر أن يعلمك أحد. بادر وجرب وتعلم. القصة حدثت في فترة يصعب معها التواصل مع العالم الخارجي أما اليوم فيمكنك أن تلاحظ وتتعلم من كل مكان مع وجود الانترنت ووسائل التواصل الأخرى.
مهما كانت الأزمات فإن رحمة لله واسعة لذلك فالإيمان بالله هو طريق تخطي الأزمات.
هناك حكمة تقول.. ليس كل سقوط نهاية .. فسقوط قطرات المطر هي أجمل بداية. فيجب أن نتعامل مع فترات السقوط على أنها بداية لتغيير إيجابي.
لا بد لنا من أخذ العبر من القصص فهناك الكثير من الدروس والحكم لا يمكن أن نجدها في المناهج المنظمة.
مازال هناك أمل رغم كل الصعوبات.
منقول من مدونة فيصل
لو تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحووش
مجربها وآمنت بها أخيرا
فلها وربك يحلها
ابغى اجربها
كل شي بتوفيق الله
والله سبحانه يختبر ويعطي على الاختبار مايرضي نفس بني آدم
والمغامرة جميلة جدا اعشقها اذا حطيت خوف الله بين عيوني
قصه راااااائعه
شكرا لك
سبحان الله القائل في محكم كتابه (وفي السماء رزقكم وما توعدون )
الشكر لكل الاخوه الكرام
دمتم بود
لو كل من يكتب فى مستعمل يتحفنا بهاذة التجارب والاسلوب الرقى لاصبح الموقع من ارقى الموقع الادبية ولايس التجارية
شكرا لك اخى كاتب الموضوع على هذا الموضوع الجميل
ورحم الله شيخنا الاديب الاريب على الطنطاوى رحمة وسعة فوالله انة لينطق الشهد ويتكلم الدرر رجل يسبيك بالادب ويقيدك بالعلم ويئطرك على قرائة كتاباتة ولو كنت بليد مثلى لا تحب القرائة
فعلا قصص رائعه لكن حقيقه مشكلتنا ان السعودي لايقف ولايتعلم الصنعه بل يضع غيره يتعلمها وغير ذلك عدم الالتزام والاحساس بالمسؤوليه تجاه المهنة
شكرا لك اخي المستشار واخي ابو محمد
وارجو ان ينتفع كل الاخوه الكرام بالموضوع ويعود عليهم بخبره تنفعهم في حياتهم العمليه
دمتم بود
اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
وفقت في الطرح .. نسأل الله لك التوفيق
جزاك الله كل خير..
ورحم الله الشيخ علي الطنطاوي وجعلها في ميزان حسناته.
سمعت مرة حديثاً يؤكد هذا المعنى..
لا أذكر النص تماماً ولكنه شبيه بالتالي: (تسعة أعشار أرزاق أمتي في التجارة)
الحمد لله وحده ولا اله غيره
سبحان الله
قصه حصلت لي انا شخصيا
بعد تخرجي من الهندسة وبداية العمل شريت شاحنة ودينا وكنت اسوق الاسمنت وكان لدي عامل يتقاضى 800 ريال شهريا وكانت مصاريفي الشهرية لاتزيد عن 2000 ريال شهريا ومبلغ الدخل قد يصل حيانا الى 2000ريال
فلما أتت الاسهم وحصل ازمة الاسمنت قلت في نفسي قيمة الشاحنة والدينا استطيع احصلها في اسبوع
فأخذت قرض ونميت ذلك المال - مع العلم انني بعت الشاحنة والدينا - واستثمرت في الاسهم وكان شي فظيع وقتها حتى انني قلت في نفسي الحمد لله انني تخلص منها ومن وجع الرأس فما لبثت بعد اقل من عام فإذا بقيمة الاسهم في المحفظة اقل من قيمة الشاحنى التي بعتها.
تذكرت قول والدي عندما بعتها قال ياولدي قليل مستمر خير مك كثير منقطع!
الحمد لله من قبل ومن بعد - كان معي شخص في نفس المنطقة وكان يبيع الاسمنت ايضا - الان الله يرزقه ويوسع عليه يملك اكثر من 5 شاحنات وله اسمه في السوق
عموما هي ارزاق والانسان لايدري اين رزقه ورب ضارة نافعة
دمت بود
حقيقة ماقدر اقول الا لو بيدي تثبيت المقال كان ثبتة تسلم اخي الفاضل على النقل
أعجبتني القصة