تعطي التجربة الأمريكية في دعم المشروعات الصغيرة دروسا مهمة للدول التي تسعى لجعل هذا القطاع هو المحرك لاقتصادياتها، فرغم أننا أمام أكبر اقتصاد رأسمالي في العالم، فإن ذلك لم يمنع الدولة من حماية هذه المشروعات ومساندتها حتى تتخطى كل العقبات التمويلية والتسويقية. ورغم أن بعض ملامح التجربة قد لا يتفق مع خصوصية البيئة الاقتصادية العربية، فإنها تظل تجربة مليئة بالدروس للدول السائرة في طريق توسيع مجال المشروعات الصغيرة.
ومن أجل حماية هذا القطاع، تدخلت الدولة الأمريكية لتصدر في عام 1953 قانونا خاصا تؤكد فيه على دورها في الحفاظ على تكافؤ الفرص عن طريق حماية مصالح المشروعات الصغيرة، كما تم تخصيص وكالة فيدرالية لمساعدة هذه المشروعات تحت اسم "الإس بي إيه".
ويعمل حاليا بهذه الوكالة حوالي 3000 عميل بميزانية تقترب من 500 مليون دولار سنويا، وهي تملك 69 فرعا في الأراضي الأمريكية. وقد استفادت حوالي 20 مليون منشأة صغيرة خلال 50 عامًا من دعم الإس بي إيه، وساهمت في انتقال عدد من المشروعات الصغيرة إلى شركات كبرى مثلما حدث لشركات آبل وإنتل وفيدرال إكسبريس، وكومباك وأمريكا أون لاين.
واستطاعت الوكالة خلال عقد التسعينيات رفع معدل النمو السنوي للمشروعات الصغيرة إلى 3.8%، ووصل عدد المشروعات إلى أكثر من 22 مليون مشروع غير زراعي، وتقوم بتوظيف حوالي 53% من القوى العاملة، كما تحقق 47% من المبيعات الكلية للولايات المتحدة، مساهمة بنسبة 50% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي تاركة النصف الآخر للمشروعات الكبيرة.
وساعدت الإس بي إيه أيضا في تحويل الكثير من الأيدي العاملة من النشاط الزراعي والصناعي إلى قطاع التجارة والخدمات، حيث تزداد فرص تأسيس مشروعات صغيرة، علاوة على طرح فرص عمل لاستيعاب المسرحين من الشركات الكبرى "للمزيد من التفاصيل انظر موقع وكالة الإس بي إيه".
وظائف لدعم المشروعات
وحتى تحقق الإس بي إيه هذه المعدلات في المشروعات الصغيرة لعبت بعض الأدوار لعل أبرزها ما يلي:
- مرشد للبيزنس، توفر الوكالة متطوعا أو مرشدا من ذوي الخبرة لكل مشروع صغير، حيث تملك الوكالة ما يقرب من 13 ألف متطوع في مختلف المجالات الاقتصادية (تجارة، صناعة، بنوك، تأمينات، استيراد، تصدير). ويقوم المرشد بتوفير المعلومات اللازمة لتأسيس الشركة، وكيفية الحصول على التمويل اللازم، وخطة التنمية والتسويق والتحليل المالي والتحكم في التكاليف ودراسة السوق والتصدير وغيرها من الأمور. ويبلغ عدد الشركات المستفيدة من هذا البرنامج 150 ألف شركة سنويا.
- محاضرات وندوات: حيث تنظم الوكالة 3000 ندوة سنويا يحضرها رؤساء الشركات الصغيرة الحاليون أو المرشحون لهذا المنصب، وتتناول هذه المحاضرات بعض الموضوعات، مثل اختيار النظام القانوني للشركة، وكيفية وضع خطة العمل وغيرها. ويصل عدد رؤساء الشركات الحاضرين إلى 100 ألف سنويا.
- برامج التأهيل، حيث أنشأت الوكالة 57 مركزا لتنمية المشروعات الصغيرة بالتعاون مع الجامعات والقطاع الخاص والحكومات المحلية، فضلا عن تأسيس 950 مركزا فرعيا في الجامعات والغرف التجارية. وتهدف هذه المراكز لتأهيل وإرشاد قادة المشروعات وتقديم المساعدة لهم في الإدارة والتنظيم والتسويق والتمويل، وكذلك تقديم المساعدات الفنية في العملية الإنتاجية وعمل دراسات الجدوى وتأهيلهم للحصول على برامج تمويل الإس بي إيه. وتبلغ تكلفة هذا البرنامج 60 مليون دولار سنويا، ويتم تمويل نصفه من الإس بي إيه، والنصف الآخر تموله الشركات والجامعات.
- توفير معلومات، تلعب الوكالة الفيدرالية دورًا أساسيًّا في توفير جميع المعلومات اللازمة للمشروعات الصغيرة، عن طريق مراكز معلومات توفر برامج كمبيوتر خاصة بإدارة الشركات وقواعد بيانات عن أنواع المشاريع، وكذلك مكتبة تحتوي على 400 كتاب عن تأسيس الشركات بجانب شرائط الفيديو وكيفية إدارتها هذا بجانب خدمة هاتفية خاصة بهم، حتى يمكن الاستفسار عن أي شيء يتعلق بالشركات الصغيرة. فضلا عن وجود موقع إلكتروني خاص بالإس بي إيه تتوافر عليه كافة المعلومات عن هذه الإدارة وبرامجها.
طريقة التمويل
وتلعب الوكالة الفيدرالية دورا مهما في عملية تمويل المشروعات الصغيرة عبر طرق مختلفة لعل أبرزها:
- ضمان القرض: حيث تلعب الوكالة دور الكفيل أو الضامن للقرض الذي يحصل عليه مشروع معين، لا سيما مع صعوبة حصول مشروع صغير على قرض دون ضمان؛ لأن احتمالات الخسارة مرتفعة، ولذلك تقوم الإس بي إيه بضمان المشروع أمام البنك، وبالتالي تصبح مسئولة عن رد القرض في حالة الإفلاس.
وبناء على هذه الفكرة التي تمثل 90% من التمويلات للمشروعات الصغيرة، أقامت الوكالة 219 ألف شركة بقيمة تصل إلى 45 مليار دولار. وتعرض 1.5% منها فقط للإفلاس. ويتم الضمان لـ75% من القروض التي لا تتعدى المليون دولار، وتصل إلى 85% للقروض الأقل من 150 ألف دولار.
- التمويل المباشر: وذلك عن طريق منح قروض مباشرة للمشروعات الصغيرة خاصة تلك التي يديرها النساء، وتبلغ قيمتها 20 ألف دولار، كما يتم التمويل المباشر لمشروعات في مناطق تعاني من مشكلات اقتصادية، أو كوارث طبيعية.
دور تسويقي للدولة
ولأن التسويق هو أصعب مراحل المشروعات الصغيرة؛ لذا فإن الحكومة الفيدرالية الأمريكية تدخل كأحد المشترين لمنتجات هذه المشروعات وفقا لاتفاق مع الإس بي إيه، حيث تستوعب ما يقرب من 40 مليار دولار من قيمة منتجات المشروعات الصغيرة سنويا، أي خمس المشتريات الأمريكية من الأسواق في العالم. يضاف إلى ذلك الأسواق المفتوحة التي تدخلها هذه المشروعات وتقدر بـ22 مليار دولار حسب بيانات الوكالة الفيدرالية.
ويخضع هذا الاتفاق الذي تنفذه الإدارات الأمريكية المختلفة لمراقبة من الكونجرس، لا سيما أن بعض الإدارات تتخطى أحيانا الاتفاق بإتاحة أكثر من الـ20% من أسواقها للمشروعات الصغيرة، وفي أحيان أخرى تخفق بعض الإدارات في التنفيذ، خاصة وزارة الدفاع التي يصعب عليها شراء مستلزماتها من تلك المشروعات.
كما يمكن للإدارات الأمريكية حجز أسواق كاملة لهذه المشروعات، خاصة الأثاث والخدمات التي تصل قيمتها إلى 100 ألف دولار، ويمكن أن تتخطاها إذا كانت هناك عروض قيمة من جانبها.
أما الأسواق المفتوحة فإن الإس بي إيه تتدخل أيضا لتفرض تواجد المشروعات الصغيرة فيها، حيث تعقد اتفاقات مع الشركات الكبرى لترك جزء من العقود الموقعة أو المناقصات التي ترسي عليهم، وتزيد قيمتها عن 500 ألف دولار للمشروعات الصغيرة خاصة التي تديرها أقليات أو نساء.
ولدى الإس بي إيه مكتب يتعامل مع الإدارات الأمريكية المختلفة للدفاع عن مصالح المشروعات الصغيرة، ويخضع لرقابة الكونجرس. ويقوم المكتب بالتعرف على احتياجات المشروعات الصغيرة، وصياغة اقتراحات وتقديمها للرئيس الأمريكي والكونجرس لتحسين المناخ القانوني، والضريبي لهذه المشروعات وتخفيف القيود الإدارية عليها.
كما يعد المكتب تقريرا سنويا حول أوضاع المشروعات الصغيرة في الولايات المتحدة، فضلا عن القيام بدراسات قطاعية لتوضيح مشكلات هذه المشروعات واقتراح مشروعات القوانين لتخفيف الأعباء المفروضة عليها.
وبالرغم من العوائق التي تواجه عمل وكالة الإس بي إيه خاصة على صعيد مدى التزام الإدارات الأمريكية بدعم المشروعات الصغيرة، فإنها استطاعت توفير بيئة اقتصادية صحية لنمو هذه المشروعات، وهو ما يلزم أي مشروع صغير ترغب الدولة في أن يصبح عنصرا فاعلا في اقتصادها القومي.
المصدر
مجلة "مشاكل اقتصادية" الفرنسية، العدد رقم 2.885
أولا : أشكرك على طرحك المتميز دائما ومواضيعك الفريدة من نوعها .
ثانياً : هذه الطريقة مناسبة جدا للمنشاءات الصغيرة لدينا بالمملكة العربية السعودية وقد حاولت الدولة إن تطبق مثل هذه الفكرة من خلال برنامج أسمة (( كفالة )) يكون هذا الصندوق هو الضامن إمام المقرضين ( البنوك ) أو الدولة ولكن لحداثة الفكرة ولصعوبة تقبلها لم يكتب لها النجاح المرجو منها حتى الآن على الرغم من بعض النوادر والاستثناءات التي حصلت من خلال الاستفادة منه لبعض الإفراد .. الا انني اتمنى ان تعاد دراسة هذه الفكرة من جديد ويتم تلافي الاخطاء لكي يستفاد من هذا البرنامج ...
شكرًا لك علي النقل ، ونستأذنك ببعض الكلمات التي دارت في خلدي( تقرقع في التسبد) اثناء قرائتي لموضوعكم
تحدثت عن مثال عالي جدا لا نستطيع اللحاق به ،فهم يسبقوننا بحوالي مليون سنة ضوئية؟؟؟
وهذا قد يصيبنا بالإحباط اكثر مما ينفعنا !!!
فتلك الدول تبنت التنمية الاقتصادية من خلال تأسيس منظومة كاملة تدير البلد بحرية وكفارة وعدالة ، ظمنت للناس الحقوق ووضحت لهم واجباتهم وافسحت للجميع فرص التنافس العادل المدعوم والمحمية بمصلحة مشتركة تعود علي الفرد والمجتمع .
فلذلك قويت وارتقت مجتمعاتهم من خلال قوة أفرادهم وترابط وتكامل مصالحهم ، مما دفع بعجلة التنمية لديهم للامام دون توقف ولن يستطيع (احد) إيقافها لانها تحقق (مصالح الجميع)
تصحيح
كفارة=كفاءة
1. بقلم: عرب0
في كثير من البلدان تعتبر هذه المشروعات العمود الفقري للأقتصاد الوطني لذلك يصب خبراء المال والاقتصاد جل مجهوداتهم وأفكارهم في تنمية هذه المشرعات
تشرفت بمرورك
2. بقلم: اابومشاري
الفرق بيننا وبينهم المعرفة (المعرفة قوة ، من عرف ساد وبقي)
ليست عقولهم أفضل منا ولا أجسادهم أقوي منا ولا ارضهم أفضل من أرضنا ولا مواقعهم الجرافية أفضل منا ولكنهم اتجهوا نحو العدلة الاجتماعية التي يفتقدها كثير من شعوبنا المقهورة من ظلم ابناء جلدتهم ،، نسأل الله العفو والعافية
تشرفت بمرورك
انا بقولكم معلومه امريكا تعتمد على طباعة المال محليا بكثره فقط لاغير والعالم غبي لايريد يصدق
6. بقلم: Investt
امريكا هي عبارة عن مافيا وليست دولة
يااخوان عندي ثلاثه محلات علي سكه عامه اريد فيها مشروع ولايوجد عندي راس مال افيدوني جزاكم الله خير ماذا افعل
8. بقلم: عمرa1a1
أتمني لك التوفيق
اخي العزيز مصراوي
الكلام اللي قلته هنا ضياع للوقت
ليس لانه كلامك فيه مشكلة
بل بالعكس كلامك جميل جداً جداً
المشكلة اختلاف الارادة
في امريكا هناك ارادة لتنمية المجتمع مالياً
لكن عند عربوه هناك ارادة تفقير المجتمع مالياً
يعني عكس الارادة الامريكية
يعني لازم تعكس كل كلامك اللي قلته فوق وسوف تجد انه هو ما يطبق هنا
وممكن كمان تصير مسؤول كبير او مستشار في حكومة عربية
المواطن لما يصير عنده استقلال مادي صعب تسيطر عليه
شوف الموطنين الامريكان مطلعين عين اوباما
شفت الطالبة الفرنسية اللي رفضت تسلم على ساركوزيه لما مد يده يصافحها؟
شفت بيرلسكوني لما رموه بالبيض؟
الكلام اللي تسمعو في القنوات العربية عن تطوير مؤسسات صغيرة ودعم لصغار المستثمرين والخ...........
هذا تمييع لاستهلاك الوقت فقط
زي مانت وغيرك ملايين استهلكتم وقتكم وبنيتوا امل فيه
دول كثيرة قامت بعد الدول العربية زي ماليزيا وكوريا
ولاختلاف الارادة والمخطط لهم شوف فين صاروا واحنا فين!
تعتقد لوكانت ماليزيا مجاورة لاسرائيل ،هل كان يسمح لها بالتطور؟؟؟؟
السياسة والاقتصاد لا يمكن فصلهم عن بعض
10. بقلم: MSMkhaled
صدقت أخي الكريم
نعم أعي ما تقول وأعرف ذلك ولكن لن نيأس في الإصلاح فليس اليأس من أخلاق المسلمين ولنا في كثير من الدول الإسلامية أسوة ،، الحل يكمن في تغيير الأنظمة العميلة
شكراً جزيلا لك
شكراً اخي مصراوي
بس حبيت اعلق تعليق بسيط
تغير الانظمة خطأ لسببين:
1-لأن الحكومات العربية مجرد ادارات محلية تدير المنطقة بالوسائل المناسبة حسب السياسات المرسومة للعالم من قبل الدول الكبيرة , و ليست صانعة سياسات تحدد مستقبل امم.
2-لأن الانظمة مجرد مرايا تعكس وجه الشعب , فيجب ان تتغير الشعوب اولاً فيتبعها تغير في الانضمة اتوماتيكياً بدون تدخل احد.
3-الحد الادنى من الحياة والامن والتنمية المسموح به لهذه الشعوب هو تحت مظلة حاكم مرضي عليه غربياً, واذا ازالت الشعوب هذا الغطاء فسوف تصبح مكشوفه تحت لهيب الشمس في الصيف و حبات المطر و الثلج في الشتاء و لن تجد لها معين سوى الله سبحانه و تعالى اللذي تخلينا عنه في المسرات واحتكمنا الى غير شرعه و تجاهلنا اسمى رسالة اسندت الينا , رسالة التوحيد , وتقاعسنا عن نشرها للعالم بل بالعكس تعاملنا مع الاسلام على انه ملك خالص لنا لا يحق لاحد آخر, وكل ما يصاب به امة محمد من فقر وحروب سببه تجاهلنا لاداء الرسالة الى العالم .
12. بقلم: MSMkhaled
صدقت أخي الكريم
عاصرت كلامك في مصرنا والله المستعان