السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتبت أم فراس بارك الله فيها في المجلس العلمي للشيخين سعد الحميد وخالد الجريسي وفقهم الله جميعا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد . من العقائد المشتركة بين الفرق الباطنية استخدام الأعداد وحساب الجمل ، وهذا الاستخدام لم يكن لرياضة الفكر أو للتسلية ، بل كان استخدامها عقيدة اختصوا بها حتى بلغت حد التقديس. وبالرغم من استخدامهم للأعداد بعامة ، فإنهم أكثروا من توظيف السبعة ، والاثنى عشر ، والتسعة عشر ؛ فالعدد سبعة مثلا . طبقا لاعتقادهم ، يعتبر رمزاً إلى السبعات التي تتحكم في العقيدة ، ولكثرة استعماله سموا أو تسموا بالسبعية ، ذلك لاعتقادهم أن أدوار الأئمة سبعة وأن الانتهاء إلى السابع هو آخر الأدوار ،أما عدد الأثنى عشر فهو يتصل بأهم عقائدهم وهي الإمامة : إذ اتفق أكثر الباطنية على أن عدد الأئمة اثنا عشر ، تسلسلوا من علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) إلى إمامهم الثاني عشر المهدي المنتظر سواء الظاهرين أو الظاهرين والمستورين كما عند الإسماعلية . أما العدد التسعة عشر ، فقد فاق الاستعمالات الاعتقداية العددية من حيث القداسة لدى بعض الفرق الباطنية حتى أصبح مناط الدقائق والساعات والأشهر والسنوات ويرد البعض أسس تقديس الأعداد إلى ما يسمى الإعجاز العددي في القرآن ، ولكن من المعلوم أن منهج السلف أن حكمة الأعداد توقيفية في كثير من الأحكام الشرعية وقد تعرض ابن القيم رحمه الله في كتابه "زاد المعاد في هدى خير العباد" 4/90 للعدد سبعة عند كلامه على حديث الصحيحين : (من تصبح بسبع تمرات عجوة لميضره ذلك اليوم سم ولا سحر)[1] فقال : وأما خاصية السبع فإنها وقعت قَدَراً وشرعاً ،فخلق الله عز وجل السموات سبعا ، والأرضين سبعا ، والأيام سبعا ، والإنسان كمل خلقهفي سبعة أطوار، وشرع الله لعباده الطواف سبعا ، والسعي بين الصفا والمروة ، وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى، وقال صلى الله عليهوسلم: (مروهم بالصلاة لسبع)[2] وإذا صار للغلام سبعُ سنين خُيِّر بين أبويه في رواية[3] ... ومَثَّل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبعسنابل والمروة سبعا ،ورمي الجمار سبعا سبعا ، وفي كل سنبلة مائة حبة، والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا، والسنين التيزرعوها سبعا ، وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، ويدخل الجنة من هذهالأمة بغير حساب سبعون ألفا .ثم عَلَّق ابن القيم رحمه الله قائلا : فلا ريب أن لهذاالعدد خاصية ليست لغيره ، والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه ، فإن العدد شفعووتر، والشفع أول وثان ، والوتر كذلك ، فهذه أربعة مراتب ، شفع أول وثان ، ووتر أولوثان ، ولا تجتمع هذه المراتب فى أقل من سبعة ، وهى عدد كامل جامع لمراتب العددالأربعة ، ثم قال : والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقَدَره في تخصيص هذا العدد هلهو لهذا المعنى أو لغيره" انتهى وعلى هذا ؛ فالصواب التوقف عن الخوض في علةتخصيص هذا العدد بالذكر إلا بدليل صحيح صريح لذا فقد استبعدت فكرة الإعجاز العددي كأساس لفكرة تقديس العدد _ رغم ذكرها عند بعض المؤلفين _ ،كما ذكره ابن القيم ، ولما أدت إليه عقيدتهم في الأعداد ،حيث بنوا عليها من تأويلات الغرض منها إلغاء التكاليف عند البعض وإلغاء الدين عموما عند الآخرين كما سيأتي . تعريفات لابد منها . أولاً : تعريف العدد : جاء في المعجم الفلسفي : (العدد أحد المفاهيم العقلية الأساسية وعرفه البعض بنسبته إلى غيره من المعاني القريبة منه ، فقالوا العدد هو : الكمية المؤتلفة من الوحدات ، أو الكمية المؤلفة من نسبة الكثرة إلى الواحد . وعلم العدد : هو العلم الرياضي المحض) [4] . أما إخوان الصفا ، فربطوا تعريف العدد بتعريف الشيء ، وقالوا : (الألفاظ تدل على المعاني ، والمعاني هي المسميات والألفاظ هي الأشياء ، وأعم الألفاظ والأسماء قولنا : ( الشيء ) والشيء إما أن يكون واحد أو أكثر من واحد . أما الكثرة فهي جملة الآحاد ، وأول الكثرة اثنان ثم الثلاثة ثم الأربعة ، ثم الخمسة ، وما زاد على ذالك بالغاً ما بلغ ... والحساب هو : جمع العدد وتفريقه .. والواحد الذي قبل الاثنين هو أصل العدد ومبدؤه ومنه ينشأ العدد كله .. فإذا أضيف إلى الواحد واحد آخر يقال عند ذلك اثنان) [5] وهكذا . ثانياً : خواص العدد : ووضع إخوان الصفا للعدد خواصاً،والخاصية : هي الصفة المخصوصة للموصوف التي لا يشركه فيها غيره ، وفي العدد : ( ما من عدد إلا وله خاصية أو عدة خواص فخاصية الواحد أنه أصل العدد ومنشؤه ،الاثنان : أول العدد مطلقا ، وأول عدد زوج ، وأول الكثرة ،والثلاثة : أول عدد الإفراد ) [6]، وهكذا . ثالثاً : حساب الجمل: (هو استخدام الحروف الأبجدية للدلالة على الأعداد ، وهو نظام استعمل قبل استعمال الأرقام المتداولة ، وكان العرب يستعملونه في مشرق الوطن العربي ومغربه) [7]، وحساب الجمل (يعتمد على ترتيب حروف الهجاء الأصلي ، وهو غير الترتيب الألفبائي الشائع اليوم ، فالترتيب الأصلي القديم هو الترتيب الأبجدي الذي يعتمد على اللغات السامية القديمة [8] أبجد – هوز – حطى – كلمن – سعفص – قرشت – تخذ – ضطغ ) ، وقد كان كل حرف يتمثل قيمة عددية معينة )[9] ، وحروف الهجاء في تلك اللغات لا تفيد تركيب الألفاظ فقط بل تتخذ أيضاً للأرقام الحسابية ، منها إفراد وهي : ( أبجد – هوز – حطى ) ومنها عقود وهي :( كلمن – سعفص ) . ومنها المئات من المئة الأولى إلى المئة الرابعة وهي ( قرشت ) . الجذور التاريخية لتقديس الأعداد ثمة عدة إشارات تفيد استعمال المدارس الفلسفية القديمة للأعداد منها الفيثاغورية التي تقوم فلسفتها على أن كل عدد أصل لأرائهم . واتخذ العبريون العدد سبعة أصلا لكثير من عقائدهم . انتقل التسبيع إلى البابلية القديمة . واتخذ الحرانيون العدد خمسة أصلا لعقيدتهم . أولا : المدرسة الفيثاغورية[10] والعقيدة الأورفية : هي مدرسة علمية ذات مذهب فلسفي ، وهو يعد أول محاولة للارتفاع عن المادة – التي وقف عندها الفلاسفة – ولقد تناقلت المصادر الكثير من أقوال المدرسة الفيثاغورية ، وكلها تكاد ترتكز على المبدأ الرئيسي للمدرسة ، الذي يوضح أن العالم عدد ونغم ، وأن الأعداد هي عناصر الموجودات ، وان كل شيء هو العدد [11] .وبعبارة أخرى: فإن العقيدة الأورفية التي تنسب إلى أورفيوس وتلامذته كفيثاغورس الذين عبدوا العدد المجرد ، كانوا يعتبرون أن سر الوجود يكمن في العدد ، وأن العلاقات مهما اختلفت وتباينت فإنما يقصد بها التعبير عن العدد نفسه . وفيما يتعلق بأساس المدرسة التي يرتكز على أن كل شيء هو العدد ، فإن هذا المبدأ قد صيغ صيغتين ، واتخذ المؤرخون لفهمه نحوين مختلفين : (الأول : أن كل الأشياء أعداد بمعنى أن الأشياء نفسها في جوهرها أعداد ، أي أن الأعداد هي التي تكون جوهر الأشياء . الثاني : أن الأشياء تحاكي الأعداد ، أي أن الأشياء صيغت على نموذج أعلى هو العدد ،وعليه يجب أن يفهم قول الفيثاغوريين على أن الأشياء يكون جوهرها العدد) [12] ، و( زعم الفيثاغوريون ) أن العدد جوهر الوجود ، وأقدم الكائنات ومصدرها ، (وأن الصفات تضاف إليه لتعريف الموصوف وتحديده ، وهي عرضية متغيرة ومتباينة ، وهو ثابت مشترك بين كل الكائنات يمكن الاستغناء عن الصفات دون أن يؤدي حذفها إلى حصول فراغ في الوجود يؤدي إليه حذف العدد )[13] . قول الفيثاغوريين ( أن العدد يبتدئ من اثنين إذ أن العدد الأول اثنان ، والواحد ليس داخلا في العدد ) [14] . كما أن الفيثاغوريين ( لم يكونوا يمثلون العدد مجموعا حسابيا بل مقدارا أو شكلاً ، ولم يكونوا يرمزون له بالأرقام [15] ، بل كانوا يتصورونه بنقط على قدر ما فيه من آحاد ، ويرتبون هذه النقط في شكل هندسي فالواحد النقطة والاثنان الخط ، والثلاثة المثلث ، والأربعة المربع وهكذا )[16] وجاء أفلاطون فطور نظرية العدد الفيثاغورية ،فلما كان الصفر غير مكتشف في وقتها ،وكانت الأعداد الطبيعية مجموعة الأعداد الصحيحة الموجبة هي المعروفة فقط ، فقد كان من الطبيعي أن يعتبر أفلاطون الواحد أساس الأعداد كلها ، وأن يعتبر الكثرة مهما كانت أشكالها هي مضاعفات للواحد نفسه ، لقد كان الواحد بكل بساطة لدى أفلاطون ومن بعده أرسطو هو الله ،وقد وجدت فكرة التوحيد عبر العصور التعبير عنها بعبارة أفلاطون الشهيرة " الموجود لم يكن قط ،ولن يكون أبدا ً ،لأنه الآن واحد مكتمل الوجود فريد سرمدي " ثانياً : المدرسة اليهودية: رأى بعض المفكرين [17] أن البراعة لا تكون في استخراج الحقائق من الأرقام مباشرة وإنما في نطاق الكلمات والآيات والحروف السرية لتدل على الأمور الروحية التي يدعو إليها الناس . فاعتمدوا على النتائج التي توصل إليها الباحثون في الحروف منذ القدم واستغلوها بحيث كونوا منها ديناً كاملاً يتخذ أصوله من قيم الحروف العددية ثم التصرف في الأرقام ، وسميت بالعقيدة الحـروفية أو المدرسة الحروفية [18] . ومن المؤسسين لفكرة تقديس العدد المغيرة العجلي ـ كما سيأتي ـ ولكن علاقته باليهودية يذكرها الشيبي .. فيقول: أن المغيرة العجلي كان بصيراً بالسحر والنيرنجات ، وكان يتكلم عند القبور فيرى مثل الجراد على القبور ، وأنه تعلم ذلك من يهودية ، كان يختلف إليها . وفكرة القيمة العددية للحروف أصلها يهودي – وقد وردت هذه الفكرة في (سفر الخليقة )[19] ؛ حيث كان اليهود يعتقدون أن الملائكة تتحدث العبرية ، ومع أن التلمود كتب بالآرامية إلا أن كتب القبّالة تسبغ على الحروف العبرية دلالة صوفية ، حتى يقال أن الرب استخدم حروف العبرية في خلق العالم ، وجعلوا لكل حرف عبري مقابلاً عددياً ، ومن خلال هذه الحروف والأرقام تم خلق التنوع والتعدد في العالم . وتعتمد كثير من القراءات القبّالية والباطنية للعهد القديم على هذا التصور فيترجم النص إلى مقابله الرقمي وتستخلص الدلالات التي يريدها المفسر عن طريق الجمع والطرح والضرب والقسمة . ومن تقديسهم لهذه الأعداد والحروف منع يهود شرق أوربا أبناءهم من النظر إلى كتب الغير لاعتقادهم أن من يقرا غير الحروف العبرية تحرق عيناه يوم القيامة [20] . يتبع ,,,,,,,,,,