الحروف المقطعة في سور معدودة بالقرآن هي لبيان عجز الكفرة في أمر كانوا هم فيه في أعلا الذروة وكامل القوة . هذه الحروف خطاب موجه للكافر تقول له إن هذا الكلام المعجز هو كلام الله وأنه مكون من هذه الحروف فاستنفذِوا أيها الكفرة طاقاتِكم اللغوية وقوتكم البيانية التي وصلت ذروتها وأعلا مستوياتها حتى تأتوا بمثله . كانت قبيلة قريش هي القوة العظمى بين قبائل العرب اقتصادياً وفي الشرف والجاه وكسب ملذات الحياة وكان تآلفهم بسبب اقتصادي مالي تدره رحلات الشتاء والصيف التي كانت تعبر أراضي قبائل جائعة يأكل بعضُها بعضاً إلا قريش ترتع وتنعم في أمن غذائي وأمن شامل للجوانب الأخرى وقد كانوا حريصين على بقائهم في القمة حتى خرج صوت الحق يدعو إلى عبادة الله وحده وإلى العدل والمساواة البشرية بين الحبشي والرومي والعربي وغيرهم وألا يكون الشرف والعلو إلا بالتقوى وبطاعة الخالق عز وجل فعارضه سادتهم والسواد الأعظم من الشعب المكي وكان حقدهم شديداً إلا أنه لم يجرؤ أحد منهم على إنكار إعجاز القرآن وعدم قبول التحدي إلا بالمدح فيما بينهم عن عظيم ما يتلوه محمدٌ صلى الله عليه وسلم . لقد عجزوا عجزاً تاماً مِن أن يأتوا بمثل كلام الله ، وتكبروا فواجهوا الرسولَ صلى الله عليه وسلم وأتباعه بالقتل وألجؤوهم إلى النزوح وإلى هجرتين نحو الحبشة وهجرة كبرى نحو المدينة . عرفوا الرسول صلى الله عليه وسلم أمياً قد تجاوز العشرين من العمر راعياً للغنم غير شاعر ولا كاذب ثم يأتي بلغةٍ هي غاية في الفصاحة والبيان لغة لا تتكلم عن بيئة العرب المغلقة بين مظاهر حياتهم البسيطة بل تعرض أخباراً وقصصاً مفصلة عن أنبياء وأمم وأمور علمية في الإنسان والكون وأمور مستقبلية يستحيل أن يذكرها راعي من رعاة الغنم بل ولا يستطيع الحديثَ عنها أعظمُ رجل عربي في جزيرة العرب . الجزيرة العربية المعروفة آنذاك بعدم انتشار العلم والمعرفة بين قبائلها المتناحرة الضعيفة ؛ هي قبائل متفككة يقوم اقتصادها على الغزو والرعي وقليل منهم مَن يتاجر كقريش . الجاهلية العربية تؤمن بمجموعة منوعة مِن الآلهة كقبر اللات وأشجار وأحجار وغيرها يدعي عابدوها بأن لها أمراً وتدبيراً كونياً في الحياة وكانوا يتعجبون أن دعا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عبادة الله وحده كما هو حال البشر في وقتنا الحاضر الذين يعبدون عشرات الألوف من الآلهة البشرية ومخلوقات مقدسة عندهم لا يحصي عددها إلا الله . ثم استسلم كثير من العرب لهذه المعجزة القرآن الكريم فهم أهل فصاحة وبيان ويعرفون محمداً صادقاً أمياً راعياً للغنم في أول شبابه ولا ينتحل هذه المعجزة بل يذكر بأنه عبد ما عليه إلا البلاغ ولو تقوّل بعض الأقاويل على الله لتعرض لعقوبةٍ مرعبة وبعد هداية الإرشاد وفق الله أناساً فأعلنوا إسلامهم وحسن تمسكهم بتعاليم الخالق ثم عملوا على إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد بالحكمة والموعظة الحسنة دون إكراه إلا من كفر وصد عن سبيل الله وحاول منع وصول صوت الحق فإن هذا المانع الصاد يُزال عن الطريق بالجهاد لنجاة عوام الكفار إذا سمعوا وأسلموا أو قيام الحجة عليهم يوم القيامة إذا لم يقبلوا الحق . لا يوجد مرض يعلو مرضَ القلب بالشرك والكفر حماني الله وإياكم من الكفر والشرك والبدع وأسأل الله أن يهدي بالقرآن الكفارَ والعصاةَ وأن يدخلهم الجنة . .