ميزان المدفوعات (Balance of Payment)
ميزان المدفوعات لبلد ما عبارة عن إجمالي الأموال الداخلة إلى هذا البلد ناقصا الأموال الخارجة منه خلال فترة محددة. وينقسم ميزان المدفوعات إلى الحساب الجاري والحساب الرأسمالي.
ويتضمن الحساب الجاري:
• التجارة المنظورة (التي تعرف في الولايات المتحدة بالتجارة السلعية)، وهي عبارة عن قيمة الصادرات والواردات من السلع.
• التجارة غير المرئية، وهي عبارة عن الإيرادات والمدفوعات عن الخدمات، مثل الخدمات المصرفية والخدمات الإعلانية، وغيرها من السلع عير الملموسة، مثل حقوق الطبع وتوزيعات الأرباح ومدفوعات الفوائد عبر الحدود.
• التحويلات الخاصة: مثل الأموال التي يرسلها العمال الأجانب إلى بلدانهم.
• التحويلات الرسمية: مثل المعونات الدولية.
أما الحساب الرأسمالي فيتضمن:
• تدفقات رؤوس الأموال طويلة الأجل، مثل الأموال المستثمرة في الشركات الأجنبية والأرباح المتحققة من تلك الاستثمارات عند جلبها إلى البلد.
• تدفقات رؤوس الأموال قصيرة الأجل، مثل الأموال المستثمرة في أسواق العملات الأجنبية من قبل المضاربين الدوليين، وفي الصناديق التي تحرك أموالها عبر أنحاء العالم لأهداف تحقيق الأرباح. ومن شأن تدفقات رؤوس الأموال القصيرة الأجل هذه أن تؤدي إلى تحركات واسعة النطاق في أسعار صرف العملات وهي تحركات ليست لها علاقة قوية بالقيم الحقيقية للعملات والمستندة على العوامل الاقتصادية الرئيسية والمقاسة بمقاسات أساسية للعملات مثل معادل القوة الشرائية.
وبما أنه يتعين دفع الفواتير، فإن ميزان مدفوعات أي بلد يجب أن يكون متوازنا (ولو أن ذلك لا يحصل دوما في واقع الأمر).
ويشار في هذا الصدد إلى أن “أزمة ميزان المدفوعات” هي عبارة تنطوي على مغزى سياسي كبير. غير أن بإمكان أي بلد أن يتحمل عجزا في الحساب الجاري لسنوات عديدة من دون أن يعني ذلك أن اقتصاد ذلك البلد يعاني، وذلك يعود إلى حقيقة أن أي عجز ما هو إلا عجز ضئيل إذا ما قورن بالدخل القومي والثروة في ذلك البلد. وفي الواقع، إذا ما كان العجز في بلد ما ناجما عن قيام الشركات في ذلك البلد باستيراد التكنولوجيا وغيرها من السلع الرأسمالية من الخارج، وهو ما يؤدي إلى النهوض بمستويات الإنتاجية، فإن اقتصاد ذلك البلد سيستفيد من العجز.
غير أن العجز الذي يتعين تمويله عن طريق الدين العام ينطوي على مشاكل أكبر وخصوصا إذا كان القطاع العام يعاني من قيود مفروضة على مدى قدرة الحكومة على فرض الضرائب أو على الاقتراض أو إذا ما كان لدى الحكومة احتياطيات مالية محدودة. فعلى سبيل المثال، عندما فشلت الحكومة الروسية في تسديد الفوائد على الديون الأجنبية التي كانت تتحملها في أغسطس 1998 وجدت أنه من المستحيل الاقتراض من أسواق المال الدولية. كما وجدت أنها غير قادرة على رفع الضرائب ضمن اقتصاد يعاني من الانهيار أو على العثور على أي فرد أو جهة داخل روسيا مستعدة لتقديم الأموال لها. وقد كان ذلك بالفعل أزمة حقيقة في ميزان المدفوعات.
التحوط وصناديق التحوط
التحوط يعني بكل بساطة تقليل حجم المخاطر التي يتعرض لها الفرد أو المستثمر أو الشركة. وينطوي التحوط على تحمل خطر جديد ولكن بهدف التعويض عن خطر قائم. بعبارة أخرى، يعني التحوط الانكشاف على نوعين من الأصول يؤدي هبوط أسعار النوع الأول إلى ارتفاع أسعار النوع الثاني. وفي الحياة اليومية يعني التحوط الانكشاف على تغير عكسي في سعر الصرف وسعر الفائدة أو سعر البضائع.
لنتصور، على سبيل المثال، أن مستثمرا بريطانيا يتوقع الحصول على مليون دولار تدفع له بعد ثلاثة أشهر. غير أن ثمة قلق يراوده من هبوط سعر الدولار بحلول موعد الدفع الأمر الذي يقلل من عدد الجنيهات الإسترليني التي سيحصل عليها عندما يقوم بتحويل المليون دولار إلى العملة البريطانية. بإمكانه في هذه الحالة أن يتحوط من هذا الخطر من خلال شراء ما قيمته مليون جنيه إسترليني عند سعر الصرف الحالي ومن سوق العقود الآجلة.
وغالبا ما تتم ممارسة التحوط من قبل منتجي البضائع والتجار والمؤسسات المالية. غير أنه وخلال السنوات الأخيرة أظهرت المؤسسات غير المالية ميلا واضحا نحو الولوج في هذا النوع من النشاط المالي.
وقد كانت المؤسسات تمارس لعبة التحوط من خلال إتباع سياسة التنويع. غير أنه خلال السنوات القليلة الماضية أصبحت المؤسسات تتحوط من خلال استخدام أدوات مالية معقدة، تعرف بالمشقات. وثمة إستراتيجية منتشرة على نطاق واسع تتمثل في استخدام التحوط “الطبيعي” متى ما كان ذلك ممكنا. فعلى سبيل المثال، إذا اقدمت شركة ما على تأسيس مصنع في بلد ما، فيمكن أن تقوم بتمويل إنشاء المصنع بواسطة الاقتراض بعملة ذلك البلد. وامتدادا لتلك الفكرة نشأ ما يعرف بالتحوط التشغيلي الذي يتمثل في إعادة نقل مرافق الإنتاج إلى مواقع أخره من أجل الحصول على حالة أفضل من العلاقة بين التكاليف والإرباح.
وتوحي فكرة التحوط بأنها فكرة حكيمة. بيد أن بعضا من الاقتصاديين يرون بأنه يتعين على الشركات أن تتجنب هذه الممارسة لأنها تقلل من قيمتها السوقية بالنسبة للمساهمين. ففي عقد الخمسينات من القرن الماضي، رأي اقتصاديان هما ميرتون ميرل (1923-2000) وفرانكو موديلياني بأن الشركات لا تحقق الأرباح إلا إذا قامت باستثمارات مجدية، أي ذلك النوع من الاستثمارات الذي يزيد من تدفق الأرباح التشغيلية. وكون تلك الاستثمارات ممولة من خلال الديون أو الأرباح المحتفظ بها أمر ليس له أهمية كبيرة. فالطرق المختلفة من التمويل تحدد كيفية تقسيم قيمة وأصول الشركة فيما بين مختلف الأنواع من المستثمرين (كالمساهمين أو حاملي السندات) ولا تؤثر في واقع الأمر بقيمة الشركة نفسه. وقد ساهمت هذه الرؤية الثاقبة التي أعرب عنها هذان الاقتصاديان في فوز كل منهما بجائزة نوبل في الاقتصاد.
ولو صحت حجة ميريل وموديلياني فإنها ستنطوي على انعكاسات مهمة على ممارسة التحوط. فلو كانت طرق التمويل ونوعية المخاطر المالية ليست ذي أهمية فإن إدارة تلك الطرق والمخاطر تصبح ممارسة عديمة الجدوى لأنه ليس بإمكانها أن تضيف اي قيمة إلى الشركة، بل على العكس يمكن أن تؤدي إلى خفض قيمة الشركة، وذلك لأن ممارسة التحوط لا تأتي بشكل مجاني.
إضافة إلى ذلك، رأى ميريل وموديلياني أنه إذا أراد المستثمرون تجنب المخاطر المالية المرتبطة في الاحتفاظ بأسهم شركة من الشركات، فإن بإمكانهم تنويع محافظهم من الأسهم. لذلك فإنه لا يتعين على الشركات أن تدير مخاطرها المالية بل أن الأمر سيكون متروكا للمستثمرين.
وتعد صناديق التحوط شكلا من أشكال الاستثمار الالمالي. وتهدف جميع صناديق التحوط إلى الحصول على أقصى قدر ممكن من العوائد المطلقة بدلا من النسبية، بمعنى أن تلك الصناديق تركز أعمالها على تحقيق أكبر قدر ممكن من الأموال. وغالبا ما يتم توجيه اللوم، وبشكل غير منصف، إلى هذه الصناديق وإلى المضاربات التي تقوم بها باعتبارها سببا أساسيا لوقوع اضطرابات مالية. غير أن بعض الاقتصاديين يرون أن استعداد صناديق التحوط للمراهنة ضد تيار “قطيع″ المستثمرين قد يدفع بأسعار الأسهم إلى مستويات أقرب من قيمها الحقيقة وليس أبعد من تلك المستويات كما يعتقد البعض، مما يعني تقليل مخاطر غليان أسعار الأسهم والاضطرابات المالية وليس زيادتها.